بعد مائة يوم من الانقلاب.. ماذا خسر السودان؟

الخرطوم: أشرف عبدالعزيز
في 25 أكتوبر من العام الماضي، أعلن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قائد الجيش حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد. وأكد البرهان، الالتزام التام والتمسك الكامل بما ورد في وثيقة الدستور بشأن الفترة الانتقالية، لكنه أعلن تعليق العمل ببعض المواد، كما أعلن البرهان إعفاء الولاة في السودان، متعهداً بمواصلة العمل من أجل تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات في البلاد، ووصف ما يمر به السودان بالخطير، في إشارة إلى الانقسام السياسي الحاد الذي شهدته البلاد، خلال الآونة الأخيرة. وأشار البرهان إلى أن حكومة كفاءات وطنية ستتولى تسيير أمور الدولة حتى الانتخابات المقررة في يوليو 2023.
بيان مكتب حمدوك
وأصدر مكتب رئيس مجلس الوزراء بياناً بشأن الأحداث المتلاحقة التي استفاقت عليها البلاد بعد أسابيع من التوتر والانقسام حول انتقال السلطة، بين المدنيين من جهة، والقيادات العسكرية، من جهة أخرى.
وأورد البيان أن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وزوجته، تم اقتيادهما من مقر إقامتهما في العاصمة الخرطوم، إلى جهة غير معلومة من قبل قوة عسكرية.
وذكر البيان أن القوات الأمنية أقدمت أيضاً على اعتقال عدد من أعضاء مجلس السيادة والوزراء وقيادات سياسية.
ووصفت رئاسة الوزراء ، ما حدث بمثابة تمزيق للوثيقة الدستورية “وانقلاب مكتمل على مكتسبات الثورة التي مهرها شعبنا بالدماء بحثاً عن الحرية والسلام والعدالة”.
وشدد البيان على أن “القيادات العسكرية تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة حمدوك وأسرته، كما تتحمل هذه القيادات التبعات الجنائية والقانونية والسياسية للقرارات الأحادية التي اتخذتها”.
تظاهرات رافضة
خرج مئات الآلاف من السودانيين في ذات لحظة الاعلان عن الانقلاب ، للتعبير عن رفضهم له لتتم مواجهة المحتجين السلميين بالرصاص الحي، ليسقط في ذلك اليوم 8 شهداء ، وتتواصل بعد ذلك آلة العنف في مواجهة الحراك الثوري السلمي ولكن لم تتوقف المليونيات فقد خرجت الجماهير 21 مرة في كل ولايات السودان.
ونفذ الثوار منذ وقوع الانقلاب، عصياناً مدنياً مرتين؛ الأول في أيام الانقلاب الأولى، والثاني بعد مقتل 7 من المتظاهرين في مليونية 17 يناير الماضي.
ونفذت الأجسام النقابية والمهنية في المقابل، أكثر من 10 وقفات احتجاجية بمختلف القطاعات، وأضرب الأطباء عن التعامل مع الحالات الباردة (غير الطارئة) لأسابيع. كما أغلق مناهضو الانقلاب في أكثر من مناسبة، الطرقات والشوارع.
ولعبت لجان المقاومة السودانية، والتنظيمات النقابية والأحزاب السياسية، دوراً بارزاً في تحريك وتطوير مقاومة الانقلاب.
العنف المفرط
واجه الانقلاب العسكري الحراك الثوري بالعنف المفرط، وفقاً لتقارير منظمات حقوقية محلية ودولية. وأدى ذلك العنف لمقتل 79 شخصاً من المشاركين في الاحتجاجات الشعبية اليومية، حتى تاريخ 30 يناير الماضي، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، فيما تشير تقارير أخرى إلى إصابة أكثر من 2200 شخص، بعضهم إصاباتهم جسيمة وتسببت لهم في إعاقات دائمة.
كما أعاد الانقلاب صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية، ومنحها حق الاعتقال على أساس الشبهات، بموجب قانون الطوارئ المفروض منذ اليوم الأول للانقلاب.
وكانت حصيلة ذلك في الأيام الأولى، اعتقال نحو 100 من قيادات أحزاب “قوى إعلان الحرية والتغيير” وأعضاء “لجنة إزالة التمكين”، أطلق سراحهم لاحقاً بموجب اتفاق بين البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك بعد إعادته لمنصبه في 21 نوفمبر الماضي.
في الأثناء، استمرت حملات الاعتقال وسط كوادر وأعضاء لجان المقاومة السودانية، طوال المائة يوم الماضية، وعادة ما تُشنّ هذه الحملات قبل يوم من المليونيات.
وفي 19 ديسمبر الجاري، اقتحمت قوى الأمن والشرطة مستشفى الفيصل الذي كان يتعالج فيه مصابين كما اعتقلت أحدهم.
إلى ذلك، قال ناشطون إنهم أخذوا عينة من مياه ومواد ملونة استخدمتها قوات الشرطة لتفريق المتظاهرين من محيط القصر الرئاسي، لشكوكهم إنها تحتوى على مواد كيميائية مُضرة بالإنسان.
استقالة حمدوك
في الثاني من يناير الماضي، سحب حمدوك الغطاء من جديد عن الانقلاب، باستقالته من منصب رئيس الوزراء ومهام تشكيل حكومة جديدة، ليعيش الانقلاب حالة جديدة من الوهن والتخبط، إذ لم يستطع تعيين بديل في منصب رئيس الحكومة إلى الآن، واكتفى بتكليف عثمان حسين، الأمين العام لمجلس الوزراء، بمهمة رئيس الوزراء، وتكليف وكلاء الوزارات بتسيير مهام الوزارات.
وعلى الرغم من إزاحته المباشرة لـ”قوى إعلان الحرية والتغيير” من المشهد، عاد الانقلاب العسكري في الأسابيع الماضية للحديث عن أهمية الحوار السياسي للخروج من الأزمة، ووجد ضالته في مبادرة تقدمت بها بعثة الأمم المتحدة في السودان، في الثامن من يناير الماضي، لجمع أطراف الأزمة على طاولة حوار.ودخلت البعثة عملياً منذ ذلك الوقت في مشاورات مع الأطراف السودانية، وكرر العسكر في أكثر من مناسبة ترحيبهم بمبادرتها.
عزلة دولية
قوبل الانقلاب العسكري بعزلة دولية غير مسبوقة، فقد أعلنت الكثير من رفضها له، وضغطت من أجل التراجع عنه.وأعلنت الولايات المتحدة وقف المساعدات للسودان، والتي كانت قد بدأت بتقديمها في عهد حكومة حمدوك، وأوقفت كذلك مؤسسات التمويل الدولية مثل “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي” كل المساعدات المالية والاقتصادية والدعم لبرامج الإصلاح الاقتصادي في السودان. كما علق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان فيه.كذلك، عمدت الولايات المتحدة للضغط على حلفاء الانقلاب أو الداعمين المفترضين له، مثل السعودية والإمارات، للتوقيع على بيان رباعي ضم الدولتين الأخيرتين ومعهما أميركا نفسها والمملكة المتحدة، يدين الانقلاب العسكري ويدعو لعودة الحكم المدني. وساند المجتمع الدولي بدايةً بقوة الاتفاق السياسي بين الانقلابيين وحمدوك، لكن تلك المساندة تراجعت إلى نقطة الصفر، في ظل الرفض الشعبي للاتفاق، وعدم تجاوب الأحزاب السياسية معه، ليعلق المجتمع الدولي آماله من جديد على جهود الأمم المتحدة الحالية.
الدعم الاسرائيلي
الداعم الوحيد دولياً منذ بداية الانقلاب هو اسرائيل، وظل دعمها متواصلاً منذ اللقاء الذي جمع البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في أوغندا عام 2020، للتمهيد للتطبيع السوداني الإسرائيلي، وهو المسار الذي وقفت ضده “قوى إعلان الحرية والتغيير” أثناء مشاركتها الحكم مع العسكر.
وكان العسكر قد استبقوا انقلابهم بأسبوعين، بزيارة لإسرائيل قادها عبدالرحيم دقلو ويعتقد أنه خلال تلك الزيارة، وافقت تل أبيب على تقديم دعم للانقلاب يتصل بتقنيات لقطع الاتصالات وخدمات الإنترنت أثناء العملية الانقلابية، وفي أيام التظاهرات. كما زار وفد أمني إسرائيلي السودان في الأسابيع الماضية، بينما تكتم الانقلابيون على نتائج تلك الزيارة.
مرافعات أبوهاجا
منذ وقوع الانقلاب لم ينبري أحد للدفاع عن الانقلاب عدا مستشار البرهان أبوهاجا الذي أكد ان الذين يتحدثون عن اللاءات (لا شراكة ولا تفاوض ولا شرعية ولا مساومة) هؤلاء مغرر بهم للعمل من حيث لا يعلمون ضد الوطن وضد الديمقراطية وضد إستقرار الفترة الإنتقالية، هدفهم تأجيج الفتن وتصوير القوات المسلحة والمنظومة الأمنية بهتاناً بأنها عدو للشعب، هروباً من الانتخابات والإحتكام لرأي الشعب عبر صناديق الاقتراع و ليس الحشد والتظاهر.
واشار ابوهاجة في تصريحات صحفية الى إن إستهداف القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى هو إستهداف للأمن الوطني ووحدة السودان، ولا يمكن السماح بإستمرار الفوضى، الفوضى التي تريد أن تمزق البلاد.
وقال “إن حالنا يحتاج وقفة جادة، وإنه لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار، فلا قيمة للحرية إذا كانت ثمارها موت ودماء وخراب”.
وابان ابوهاجة إن ما يحدث خروج صارخ عن السلمية، ومن يقومون بالقتل ليسو طالبي سلمية أو حرية وإنما مدفوعين دفعاً لحريق هذا البلد وتمزيقه، ونوه الى إن الأغلبية الصامتة هي التي تقف خلف القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وتساندها من أجل حماية الفترة الانتقالية حتى تعبر البلاد.
استقالات
بدأت الاستقالات باستقالة وزراء حكومة عبدالله حمدوك بعد اطلاق سراحه ، بيد أن الاستقالة الأكثر وقعاً على الانقلاب هي استقالة وزير الشباب والرياضة أيمن سيد سليم من حكومة تصريف الأعمال التي كلفها البرهان مؤخراً باعتبار أن تكليفه بالمنصب جاء من جهة غير مجلس الوزراء وهو أمر “غير دستوري” .
وقال سليم، في بيان: “لقد قبلت التكليف لمنصب وكيل وزارة الشباب والرياضة في أكتوبر 2019 من عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، آنذاك، وتم تكليفي بتسيير مهام الوزير حسب قرار صادر عن حمدوك بتاريخ 12 ديسمبر 2021”.
وأضاف: “تلقيت، مؤخراً، اتصالاً هاتفياً من الأمين العام لمجلس الوزراء يطلب مني التأكيد على الاستمرار في تسيير المهام، ولكن بعد ذلك فوجئت بصدور قرار تكليفي بمهام وزير الشباب والرياضة من جهة أخرى غير مجلس الوزراء وهو أمر غير دستوري”.وتابع: “وعليه أتقدم باستقالتي عن أي منصب في وزارة الشباب والرياضة الاتحادية”.
الانقلاب .. مائة يوم من العزلة
وفي (تغريدة) له قال رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي بقوى الحرية والتغيير إن انقلاب ٢٥ أكتوبر أكمل مائة يومٍ من عزلته الجماهيرية غير المجيدة .. مائة يومٍ أسرفت خلالها السلطة الانقلابية في البطش والقمع، واستطالت مخالبها لِتَتصيّد أبهى شباب الثورة بعد أن تهتدي إليهم بابتسامة الإيمان والأمل والتحدي .. وفي المقابل استطالت عزيمة مقاوميها بهتاف الحناجر وأراجيز النصر وشاراته التي تُلَوِّح بها أياديهم العزلاء.
وأضاف منذ صبيحة يوم الانقلاب نهض ملايين السودانيين لمقاومته في موجات متتالية عَمّت كل أنحاء السودان وشاركت مختلف قوى الثورة في التحشيد لها والانخراط العَضَلي فيها .. بعض هذه الموجات الجماهيرية لامست أسوار القصر الجمهوري وكانت قاب هُتافَيْن أو أدنى من إعلان النصر لولا افتقارها لشرط الحسم الأساسي، وهو تماسك القوى المشاركة فيها في جبهة عريضة بقيادة موحدة ورؤية سياسية متوافق عليها.
وزاد الدقير بقوله : “الوفاء للوطن وشهدائه يفرض على كلِّ قوى الثورة – من أحزاب سياسية ولجان مقاومة ومهنيين ومنظمات مجتمع مدني وتجمعات نسوية وشبابية ومثقفين ومبدعين … إلخ – أن تترفع عن الصراعات الثانوية، وتُبْعِد عن الحراك الثوري مظاهر الانقسام والتشظي الحالية، والتراشق اللفظي والتخوين، ومزاعم احتكار الحقيقة والرشد السياسي، وتوزيع ونزع صكوك الوطنية والثورية والطهرانية، وكل المظاهر التي تفرزها الحسابات الصغرى التي لا تليق بهذه اللحظة من تاريخ الوطن لأن المُشْتَرَك الوطني في هذه اللحظة يفرض على جميع قوى الثورة أن تؤجل صراع تناقضاتها الثانوية، وأن تُنسِّق جهودها، الميدانية والرؤيوية، في جبهة موحدة لمقاومة الانقلاب وهزيمته.
وشدد على أن الحسابات الصغرى لا تُشْكِّل رافعة للأهداف الوطنية الكبرى، ولا تقيم وزناً للدم المسفوح فداءً لتحقيق هذه الأهداف، بل تأْسِر أصحابها في ذواتهم بما يحاكي موقف الشاعر الفرنسي بودلير الذي خرج من منزله، حاملاً بندقية، في يومٍ شهد سقوط العديد من الضحايا وسط حشود المتظاهرين المُطالِبين بالحرية والعدالة والمساواة .. وعندما سألته جارته العجوز عمّا إذا خارجاً لنصرة المتظاهرين في هذا اليوم الرّاعِف، أجابها قائلاً: “هذه فرصة مناسبة لتصفية حسابي مع الجنرال أوبيك الذي تزوج أُمِّي رغماً عني وحرمني من حنانها وأنا طفلٌ صغير”.
وأضاف: معركة الشعب السوداني ليست مع جنرالٍ تزوج الأم رغماً عن ابنها الوحيد، ولكنها مع جنرالات نَفّذوا انقلاباً يَسدُّ الطريق أمام الحُلْم التليد .. الحُلْم ببناء وطن الحرية والسلام والعدالة الذي يسع جميع أهله، بلا تمييز، ويحيطهم بشروط الوجود الكريم.
الجريدة