5 دروس من فيديو الحتانة

عبدالدين سلامه كجسد خالد بن الوليد رضي الله عنه حين وافته المنيّة على فراشه ،هو حال وطننا الذي كسّرت الأحداث الأسطورية فيه أمواج ثورة مهرها الشعب بدماء غالية ، فالشباب الذين قاموا بالثورة لامكان لهم في إعراب المناصب السياسية ، وحسنا فعلوا بتواجدهم الفعلي في ميادين الواقع ، والذي سعى الكثيرون لمحاربته والحدّ منه أو سرقته ومحاولة توجيه بوصلته نحو مكاسب ما ـ وما حدث في منزل الزميل الصحفي جمال عنقره بالحتانة بالرغم مما شابه من تصرفات فردية عمدت لتشويه الموقف.
كان منهجا ثوريا بامتياز ، فالفريق الكباشي ماكان يجب أن يذهب إلى أي مكان خاص أو عام دون إخطار مسؤول الفريق الأمني عنده باعتباره يمثّل مقعدا سياديا في الوطن ، هذا هو البروتوكول الذي نعرف ـ وباعتبار الزيارة بريئة بحسب ذمّة حاضريها ، فإن الفريق الأمني لأي مسؤول لايمكن أن يسمح له بالذهاب لسببين ، الأول هو سياسة الدولة التي يمثل سيادتها والتي دعت للآحترازات الصحية التي لاتقبل مثل تلك اللمات الكبيرة ـ والسبب الثاني هو المناخ والأمطار وما أدراك ماوحل الحتانة وغير ذلك من الاعتبارات الأمنية، ويكفي أن رحيل القائد السوداني جون قرنق ـ كان في ظاهره عدم تنسيق مع أمن المراسم وذهابه دون حرسه الشخصي كنائب رئيس ، وبعيدا عن رأينا في مسيرة أحداث الحتانة ، فإن كفوتنا الأساسية في أن شخصياتنا السودانية لاتعرف تقييم نفسها.
وتخلط دائما بين التواضع وسيادة المسمّى أو التخصص ، وفي غربتنا الطويلة شهدنا كفاءات سودانية كثيرة لايشق لها غبار سقطت في المعاينات الوظيفية والتوظيفية ليس لنقص في الخبرة ، ولكن بسبب عدم تقدير التوازن بين المكانة والمظهر والبروتوكول ، وبناء وطننا الجديد يجب أن يبدأ ببناء الإنسان قبل بناء المكان أو على الأقل متزامنا معه ـ وبناء الانسان يبدأ ببناء المسؤول قبل بناء القاعدة ، وفي انسانيتنا السودانية رضوض كثيرة خلفتها الفترات الفائتة بمختلف المرارات وتحتاج الترميم العاجل والمدروس ، ولكن مايدعو للإطمئنان على أن سلحفاة ثورتنا تزحف ، هو ما يلحظه متابع فيديو الحتانة في السرعة التي تجمّع بها هؤلاء الصبية اليافعين الرجال ـ والمنطق الذي تحدثوا به في الفترة الطويلة التي سبقت خروج الكباشي ، فقد كانوا يتحدثون عن عدم التعرّض له برغم أسباب عددوها ورأوا أنها كانت ستكون كافية بحسب اعتقادهم لقتله في ذلك الموقع ، ولكنهم كانوا يرددون بصوت عالي وكأنهم يذاكرون منهج سلمية الثورة ، ووفق كل ما حدث قدموا لنا خمس دروس مهمة يجب أن لا يغطيها انفعالنا بظاهر الحدث الدرس الأول تمثّل في مجاهرتهم بأنهم يريدون فقط الهتاف لتسجيل موقف ، وطلبوا من بعضهم إفساح مجال لعبور السيارة في ذلك الزقاق الضيق ، بل وطلبوا من بعضهم عدم لمسها حتى مجرد لمس بالأيدي . الدرس الثاني الذي تعلمناه من فيديو الحتانة هو التعامل الشرطي الراقي من خلال حوار مسؤول شرطة المحلية مع الشباب ، والحوار في وطن ماقبل الثورة ماكان بالمنطق .
، ولكنه كان بالسياط والعصي والخراطيش والغاز المسيل للدموع ، هذا في أفضل الأحوال ، وبالقنّاصين والدوشكا في معظمها ، ماحدث من تفاهم رغم عدم تنظيمه ورغم ماشابه من هرجله ، إلا أنه مؤشّر لمكتسب جديد من مكتسبات الثورة . الدرس الثالث الذي تعلمناه من فيديو الحتانة تمثّل في خروج الموجودين إلى الشباب بمجرد سماع الهتافات دون خوف أو وجل ، ومصافحتهم قبل أن يدور الحوار بينهم كلّ وفق وجهة نظره ، وهو درس نهديه لكل لجان السلام الباحثة عن محاصصات قبل بحثها عن السلام ، أما الدرس الرابع فقد تعلمناه من الكباشي رغم تباين الآراء حوله ، فالرجل لم يثر كعادته ، ولم ينبس ببنت شفه ، وتحمّل ماسمع من ألفاظ عنصرية ونابية وغادر دون تعليق ، وهذا مانهديه لعديد من قادتنا الذين سيتعرضون دون شك وفقا لقراءة الساحة ، لمواقف أكثر تشابها في الفترة المقبلة . الدرس الخامس الذي تعلمناه من فيديو الحتانة هو أن شبابنا بخير ، ولكنهم يحتاجون لمزيد من التوجيه المكثّف والوعي الثوري ، ويحتاجون أيضا الوقوف بجانبهم ودعمهم وتوجيه حماستهم وإرادتهم الوطنية الصادقة توجيها نهضويا وبنائيا سليما يقفز فوق الأيدلوجيات والجهويات وكل انتماء سوى الانتماء لتراب وطن الثورة والصمود وقد بلغت .
عبدالدين سلامه
[email protected]