البشير والمهدي

مداخل عديدة وطرق شتي يمكن ان تقود الي فهم ابعاد ومبررات اللقاء الهام وربما الاستراتيجي الذي يلتئم اليوم بين السيد رئيس الجمهورية وخصمه السياسي زعيم حزب الامة وامام الانصار السيد الصادق المهدي بمنزل الاخير بالملازمين ..واللقاء له عدة ابعاد وظروف بالغة التعقيد ومنطلقات وقضايا متداخلة ومتقاطعة ومن غير المنطق اختزال هذا اللقاء في قضية واحدة او محور واحد ولكن تبقي القضية الابرز والاهم والاخطر امام البشير والمهدي في الملازمين اليوم هو الرهان علي درء المخاطر واجهاض السيناريوهات المحلية او تلك التي تجري عملية “شحنها “واستيرادها من الخارج وقد يفهم من هذا القاء انه مسار جديد لبناء علاقة جديدة وفق معايير وتوافقات تبتقي في المقام الاول رسم ملامح تحالف اسلامي بعديدا عن اسوار الاسلاميين يتجاوز احتقانات وتقاطعات قديمة وهذه المحاولية التوافية او التحالفية الجديدة اذا جازت تسميتها فهي مفروضة علي ارادة الطرفين او الحزبين الكبيرين (الوطني والامة) ذلك لان طبيعة الاحداث في الشقيقة مصر من حيث تداعياتها واسقاطاتها علي حركة الاسلام السياسي تعتبر احد ابرز اشكال الارادة الخارجية والضاغطة علي المكونات الاسلامية في السودان وبالاخص النموذج الاسلامي الحاكم وبالتالي فهي محورا مهما ان لم يكن وحيدا في لقاء البشير والمهدي اليوم لتلافي أي مخاطر محتملة .
ولكن ثمة تساؤولات وقضايا تحتاج الي فهم اخر اكثر عمقا حول واقع الاسلامين خصوصا اؤليك الذين بيدهم مقود السلطة فهم في حالة تباينات سياسية وفكرية وحتي ان لم تكن هذه الحالة غير مرئية او غير مصرح بها فهي بائنة في سلوكيات الحكم وسياساته وتقاطعاته .فالشق الاسلامي الاخر الذي غادر السلطة بارادة حركة الرابع من رمضان الشهيرة في العام 1999 قسمت الاسلامين الي شطرين حاكم ومعارض ومنذ ذلك التاريخ فشلت كل محاولات التقارب والغزل في اعادة اللحمة الاسلامية من جديد الي سابق عهدها ولكنها محاولات تبقي في طور الاشواق والامال لدي الداعين لوحدة الصف الاسلامي ولكنها ايضا تعتبر “احلام ظلوط” للتيارات المتشددة والمتمسكة بادبيات المفاصلة واستحقاقاتها داخل الاسلاميين .
ورغم ان تداعيات الاحداث في مصر واسقاطاتها السالبة علي الاسلاميين السودانيين كانت فرصة مواتية ومبررة لاعادة هذه اللحمة لان النظامين الحاكم في السودان والاخر الذي سقط في مصر هما من ذات الفكرة والمنبع ولكن كما يشاع فان الصقورمن اصحاب الانفاس الساخنة في جماعة الترابي والبشيرقطوا الطريق امام الذين ينشدون اعادة التحالف الاسلامي الي ايامه الاولي فماكان من جماعة القصر الا تتجه للبحث في كل خياراتها تنشد بديلا اخر فكانت “الملازمين” عوضا عن المنشية او هكذا يمكن فهم هذه المحاولة .
اذن ما الذي يمكن ان يخرج به هذا اللقاء ؟ وهل فعلا يمكن ان يتوافق البشير والمهدي علي اقرار مبادي جديدة تشكل مرتكزا او مرجعية فكرية اواسلامية لادارة شان الدولة السودانية ؟ وهل ايضا بامكانهما وتضع تصورات ومقترحات وافكار “خلاقة” علي طريقة السيد الصادق المهدي لمعالجة حالة الاحتقان “والضبابية” في الاجواء بين الخرطوم والقاهرة علي ضو مايجري الان في مصر من احداث وربما تخدم فكرة اللقاء او مخرجاته موقف الحكومة من مجمل ما يجري للاخوة المصريين للدور الكبير الذي يمكن ان يلعبه المهدي في الخصوص بحكم الروابط والوشائج العميقة التي تربطه بالنخبة المصرية وبالاخص “الليبراليين ” ولكن يبقي السؤال : من اين جاءت فكرة لقاء الملازمين او بالاحري ..من الذي طلب لقاء الاخر ؟..البشير ام المهدي ؟ لان الاجابة علي هذا السؤال بالضرورة تكشف حقيقة اجندة كل طرف .
ولكن ما الذي يضمن ان حزب الامة نفسه قد تنشط بداخله مجموعة الصقور او المجموعات المناهضة لاي تقارب مع اسلاميو السلطة خصوصا اذا كان هذا التقارب من اجل بناء حلف اسلامي واستراتيجي .. ولهذا قد ترفض مجموعات او رموز من الامة هذه المحاولة لاعتقادها بان جماعة البشير الي تلجأ اليهم لا تقوم بهذه الخطوة الا من اجل حلول ومعالجات تكتيكية حينما تشتد عليها الضغوط وتخشي الطوفان وينسد امامها الافق وقد تستدعي هذه المجموعات الرافضة تجارب واتفاقات سابقة للاستشهاد بها علي هذه الحقيقة .
ولكن اذا اراد البشير من لقاء الملازين هذا تامين الحكومة وضمان استمرار بقائها فانه في المقابل سيدفع مهرا كبيرا لحزب الامة وربما كان هذا المهر المطالبة بحكومة قومية وهي ذات الفكرة التي ظل يرددها وينادي بها المهدي والا فحكومة ذات تمثيل واسع من القوي السياسية والحزبية تظهر فيها حكومة البشير الجدية والرغبة الفعلية لاشراك الاخرين في صناعة القرار السياسي وابعاد الشخصيات المكرورة من واجهة السلطة .
ولن يبتعد اللقاء كثيرا من الاشارة الي شبح التغييرالذي تقوده وتتبناه الجبهة الثورية ويقلق منام حكومة البشير فسيحاول القصر من خلال هذا اللقاء البحث عن دور فاعل لحزب الامة يضعف من قناعات “الثوريين” لتبني خيار التغيير العسكري ولك قد يكون هذا الدور قاسيا ومستحيلا باعتبار ان السيد الصادق المهدي فقد ثقة المعارضة وبالتالي فهو ربما يحتاج لجهد مضاعف لاعادة هذه الثقة خاصة ان حلفائه في المعارضة يتهمونه بالتواطؤ مع الحكومة .
وعموما فان لقاء البشير والمهدي سيكون له ابعاد وربما تحولات كبيرة في شكل وطبيعة المسرح السياسي اذا كانت ارادة الطرفين صادقة وجادة في احداث اختراقات حقيقية في مجمل مشكلات وتعقيدات القضايا السودانية الراهنة .
لن يتم تفكيك حكومة المؤتمر الوطني طالما أن القيادات الأعلى و الوسيطة في القوات المسلحة السودانية تنتمي للمؤتمر الوطني. الشيء الذي يمكن أن يحدث- اذا وافق السيد الصادق المهدي- أن يتنازل له المؤتمر الوطني عن كل الوزارات ما عدا المالية و الدفاع و الأمن و الرئاسة.
ان شاء الله خير ويكون في صالح المواطن السوداني المغلوب علي امره