هيئة شئون الأنصار : خطبة الجمعة 8 أغسطس 2014م من ودنوباوي

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة التي ألقاها الحبيب آدم أحمد يوسف

نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي

8 أغسطس 2014م الموافق 12 شوال 1435هـ

الخطبة الأولى

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم، قال تعالى: ” وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” كتب… الله الفناء على كل المخلوقات والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى عما يشركون،

سبيل الموت غاية كل حي وداعيه لأهل الأرض داعٍ

وقال الحكيم:

المـــــــــــــــوت باب وكل الناس داخله

يا ليت علمي بعـــــــــد الموت ما الدار

الدار دار نعيم إن عملت بما يرضي الإله

وإن خـــــــالفت فالنــــــــــــــــــــــــــ

ــار

هما محلان مــــــــــــــــــا للمرء غيرهما

فاختــــــــــــر لنفسك أي الــــــدار تختار

مــــــــــا للعباد سوى الفردوس إن عملوا

وإن هفــــــوا هفـــــــــــــوة فالرب غفار

وقد صور لبيد بن ربيعة صاحب إحدى المعلقات في الشعر الجاهلي فلسفة الحياة والذي أسلم وعمّر في الإسلام حتى بلغ المائة واستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره حيث قال صلى الله عليه وسلم أصدق شعر قيل في الإسلام قول لبيد.

وكل نعيم لا محالة زائل ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فقال أبوبكر الصديق رضي الله عنه صدق الله، وما علمناه الشعر. إن البيت:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل

فلبيد يصور فلسفة الحياة في أبيات شعر ينبغي أن نتأملها جيداً حيث قال:

ألا كل شيء ما خلال الله باطل وكـــــــل نعيــم لا محالـــة زائل

وكل ابن أنثى لو تطاول عمره إلى الغاية القصــوى فللقبر آئل

وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصــــفر منـــــها الأنامل

وكل امرئ يوماً سيعرف سعيه إذا حصلت عنــــد الإله الحصائل

وكذلك الإمام المهدي عليه السلام له رؤية تلخص لنا فلسفة هذه الحياة الدنيا والتي تقوم على التوحيد الخالص لله عز وجل حيث جاء في إحدى منشوراته والتي يدعو فيها إلى التوكل على الله والرغبة في الاعتماد عليه وحده سبحانه وتعالى فقال عليه السلام: (ولا يسيء العبد الظن بالله ويحسن ظنه بالمخلوق الضعيف فيشتكي الخالق إلى المخلوق ويستغيث من ربه بمن لا يملك نفعا ولا ضرا فيصير ساقطا عن الإيمان بالله مؤمنا بالمخلوقين الذين لا يملكون شيئا وقد ابتلى الله عباده واختبر توحيدهم فثبتوا ولم يتزلزلوا منه إلى من لا يملك نفعا ولا ضرا فانظروا ابتلاء إبراهيم عليه السلام في توحيده الله تعالى واكتفائه به فانه كثير ومن جملته أنه قذف في النار فعارضه جبريل في الهواء فقال له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فبلى! فلما وقع في النار صارت عليه بردا وسلاما، فكذلك من يبتليه الله فيصبر على رؤية توحيد الله مكتفيا به عن الإغاثة بغيره يسلم كما سلم إبراهيم عليه السلام، وقد أمرنا الله أن نتبع سكة إبراهيم فقال: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ) يعني اتبعوا ملة أبيكم. وحُق على من كان إبراهيميا أن يكون من تدبير نفسه بريا ومن منازعة الله خليا. فإن كنتم مصدقين بوحدانية الله في الاقتياد والحياة وكل شيء إلى الممات، وكنتم مصدقين بالبعث، وأن الدار الآخرة. كما بايعتم على ذلك فاخرجوا عما عن الله يصدكم وعن طلب الآخرة يصرفكم فإنه لا رب إلا الله ولا حياة إلا في الآخرة. ومن علم ذلك وتيقن به لا يستخف عن الصبر لله ويصبر على بلاء الله، عارفاً أن هذا البلاء من الله، والله أولى له منه، وناظر إليه فلا يتهم الله تعالى في قضاء قضاه عليه، لأنه إذا رضي بالله ربا حسن ظنه بالله في كل ما يفعله به بل إن سوء الظن بالله يؤذي الإنسان في الدنيا والآخرة. ومن ظن أن الله جاهل به أو بخيل أو خزينته نفدت أو لم يعلم بحاله فقد كفر، ومن نزه الله عن ذلك فظن أن جميع ما يفعله به هو عين الخير لأن الله يعلم مصالحه في الباطن والعاقبة ولا نعلم شيئا من ذلك فإذا تحقق بذلك علم أنه إن أصابه جوع أو عرى أو مرض أو نحو ذلك فقد صنع به ما هو خير له مما يريده هو لنفسه فيفوض أمره له راضيا بما يجريه عليه كما كان الصحابة الذين باشروا الأسباب فلم يدخلوا فيها إلا بعد الخروج عن كل شيء حتى تمكن نور الإيمان في قلوبهم واستولى عليها اليقين بالله بإيثار الآخرة حسبما أخبر الله ورسوله فصاروا على يقين من ربهم كما قال الله تعالى (أفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ)، ويبين صلى الله عليه وسلم عندما قرأ هذه الآية فقال إن النور إذا دخل قلبٍ انشرح وانفسح يعني لم يتقيد بضيق الدنيا وما فيها بل خرج من النظر إليها إلى ما عند الله، وفي ذلك اتساع لا يوصف وعلى حسب نور التصديق بما عند الله واتساعه وعظمته وصغار ما سواه وخسته يجفى دار الغرور ويرجع بالإنابة إلى ما عند الله ولذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم عن علامة دخول الإيمان في القلب أجاب صلى الله عليه وسلم بأن له علامة وبينها (إنها التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الفوت))- انتهى منشور الإمام المهدي. ولله در الصحابي الجليل جابر فقد لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في الصباح فقال له كيف أصبحت يا جابر فقال جابر: أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله فقال الحبيب المصطفى أبصر ما تقوله يا جابر فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك قال جابر صمت نهاري وقمت ليلي فتساوى عندي الحجر والذهب وكأني بعرش الرحمن بارز وهؤلاء إلى النار يساقون وهؤلاء إلى الجنة يساقون فقال الحبيب المصطفى فقد عرفت فالزم يا جابر. أي عرف الحقيقة، تلك هي الحقيقة التي طلبها الإمام المهدي عليه السلام في راتبه صباح مساء: (فعرفنا بالحقيقة يا ذا الكرم فإن أمورنا بيدك وأنت بنا أعلم، وأوصلنا بمختارك بين الأمم صلى الله عليه وسلم، واجعلنا على ما تحبه من أتباعه مع وصل من وصله وقطع من قطعه يا رب العالمين وأدخلنا مدخله يا رب العالمين وأخرجنا مخرجه يا رب العالمين واجعل لنا منك نصيرا على أنفسنا وشياطين الإنس والجن واجعل بدلها في قلوبنا نورك لنفي بالصدق ونقوم بالحق ولا نتزلزل عن رضائك إلى يوم لقائك يا أرحم الراحمين) ثم يتوسل المهدي بحرمة النبي وبحق وجه الله الكريم لكي يصلي الله ويسلم على الحبيب العظيم وآله ذوي القلب السليم ثم يُستجاب لنا الدعاء ولا يُخيب لنا الرجاء ونُرحم ويُرحم الآباء ونُهدى إلى الصراط المستقيم ويهتدي الأبناء، ثم نحمد الله على ذلك حمدا كثيرا يوافي نعمه وآلاءه الكثيرة ويكافئ مزيده وخيراته الوفيرة لأن النعمة منه والحمد له سبحانه بكرة وأصيلا ونشكره حتى نلقاه راضين ومرضيين يا رب العالمين آمين.

الخطب الثانية

في أواخر ستينيات القرن الماضي وأوائل سبعينياته عُرضت مسرحية في الجمعيات الأدبية في المدارس بجنوب السودان الموحد في ذاك الزمان وكانت المسرحية تحكي قصة اسمها محمد ويسوع، يظهر رجل يرتدي جلباب وعمامة وبجواره ديباجة مكتوب عليها محمد ورجل آخر يرتدي الزي الإفرنجي وبجواره ديباجة مكتوب عليها يسوع ثم يظهر رجل ثالث يرتدي زي جنوب السودان (اللاو) فيهجم محمد الذي ممسك بسوط طويل في يده ويضرب هذا الرجل الجنوبي ويغلظ عليه في الضرب ثم يأتي يسوع مهرولا ليخلص الرجل الجنوبي من بين يدي محمد ثم يضع قطعة حلوى في فمه. انتهت المسرحية ووصلت الرسالة، كان هذا قبل أكثر من أربعين عاما ثم يأتي اليوم من يكتب نفس السيناريو ولكن هذه المرة بقلم يدعي الإسلامي وأقصد من ذلك قصة السيدة مريم التي كانت تسكن في أطراف العاصمة الخرطوم ولم يعرفها أحد ولم تكن من مشاهير العالم يأتي أهل نظام الإنقاذ ويقولون لها أنت مسلمة مرتدة وهي تقول أنا مسيحية على دين أمي وتقدم للقضاء ويحكم عليها القضاء بالقتل وتتناول أجهزة الإعلام القضية ويتبناها المسيحيون ويظهر سفيرا الولايات المتحدة الأمريكية ودولة جنوب السودان كأكبر مدافعين وتصبح السيدة مريم من أشهر مشاهير العالم حتى يستقبلها رئيس دولة الفاتيكان وبابا الفاتيكان وينعقد الكونغرس الأمريكي في شانها ويمنحها الجنسية الأمريكية ويسمع العالم كله أن الإسلام في السودان يقتل المسيحيين الأبرياء فينفر الناس من الإسلام ويتزامن هذا مع هرج ومرج المهووسين في أرض الرافدين الذين احتلوا جزء من العراق الشقيق وأقاموا عليه ما يسمى بالدولة الإسلامية فأصبحوا يرجمون ويقتلون ويقطعون أيادي وأرجل الناس ويهددون الإناث بالخفاض وكل ذلك باسم دين الإسلام. استحلفكم بالله هل يبقى أبناء الإسلام الذين لم يعرفوا الإسلام على حقيقته إزاء هذا العبث ماذا نقول عن هؤلاء الذين يعملون وهم يعلمون ما يفعلون من تشويه للإسلام؟ إن أعداء الإسلام يعملون بخطط واستراتيجيات لتشويه ديباجة الإسلام وبعض المتحمسين بلا وعي من أبناء الإسلام يؤكدون ذلك بأفعالهم الخاطئة ولا أشك أن بعض المندسين والماكرين بوعي يعملون من داخل البيت الإسلامي ليعطوا أعداء الإسلام الحيثيات التي يبحثون عنها وبذلك تتكامل الصورة التي يبحثون عنها ألا وهي عدم صلاحية الإسلام في هذا الزمان فهم دائما ما يشيرون إلى أن الإسلام دين العنف والإرهاب والدين الذي يعتدي على الآخرين والدين الذي يضطهد المرأة والدين الذي لا يعرف الحوار وسيلة وسبيله دائما الاعتداء والقتل (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا). الإسلام هو دين (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ودين (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ودين (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ودين (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). إن سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تؤكد تعامل النبي مع غير المسلمين بالحسنى فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم (من آذى ذمي فأنا خصمه يوم القيامة)، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي مما يؤكد تعامله مع غير المسلمين بالحسنى في هذه الحياة الدنيا بل القرآن الكريم يذهب إلى أكثر من ذلك فيحل لنا طعام الذين أوتوا الكتاب (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) وزواج المحصنات من غير المسلمات كل ذلك إلفة ومحبة لغير المسلمين حتى يطمئنوا على سماحة ورحابة الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين وللناس كافة. إن على علمائنا والدعاة أن يجتهدوا في إيصال الصورة الحقيقية للإسلام وذلك بالأفعال والأعمال ومشاركة الآخرين في كل القضايا الإنسانية وخير وسيلة هي أن تجتهد الدول والجماعات الإسلامية في عمل مشترك مع غير المسلمين وخاصة أعمال الإغاثات وإعانة المنكوبين من جراء الحروب أو السيول والأمطار وتقديم يد العون لكل المحتاجين بغض النظر عن اعتقاداتهم فالإسلام يقول لنا (في كل كبد رطب أجر) ودخلت امرأة النار في هرة عذبتها ودخل رجل الجنة في كلب سقاه ماء (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). أيها الأحباب وبمناسبة إغاثة المنكوبين وتقديم يد العون للمتضررين تنادى جمع من شبابنا وشاباتنا المخلصين منذ العام 2013 وبدءوا بأنفسهم وأسرهم وحثوا أهل الخير واليد الطولى فجمعوا إغاثة وغاثوا المحتاجين وهم الآن يتنادون تحت مظلة (نجدة ومواساة) شبابا وشابات في جميع التخصصات واختلاف الأعمار والآن هم يفتحون باب التبرعات والهبات العينية والنقدية متخذين من دار هيئة شئون الأنصار مقرا لهم نهيب بأهل الخير والمحسنين أن يتبرعوا للمنكوبين والله لا يضيع أجر المحسنين (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا).

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..