لماذا تشترى حكومة السودان القمح المحلى بما یقرب من ضعف تكالیف الإستیراد؟

سعید أبو كمبال
جاء فى بعض صحف الأسبوع الثالث من شھر أبریل 2022 أن وزارة المالیة السودانیة سوف تشترى القمح من المنتجین المحلیین فى شمال السودان والجزیرة بسعر (430) ألف جنیھ سودانى للطن المترى (ألف كیلوجرام) وتقوم وزارة المالیة ببیع القمح الذى تشتریھ؛ تبیعھ إلى مطاحن الدقیق بسعر (280) ألف جنیھ سودانى وتتحمل الخزینة العامة أو جیب المواطن السودانى الذى یدفع الضرائب الفرق بین السعرین؛ سعر شراء القمح من المنتج وھو (430) ألف جنیھ سودانى وسعر بیعھ إلى المطاحن وھو (280) ألف جنیھ
سودانى؛ والفرق ھو (150) ألف جنیھ سودانى فى كل طن مترى . ولم أسمع من الدكتور جبریل إبراھیم وزیر المالیة والإقتصاد شرح وتفسیر للمنطق الإقتصادى لذلك القرار أو لما فیھ من رشد وعدل . ولأن القرار فاسد وظالم وضال سوف یجد وزیر المالیة صعوبة كبیرة فى الدفاع عنھ.
القرار فاسد :
والقرار فاسد لأن فیھ خضوع لضغوط الذین یستفیدون من بیع القمح إلى الحكومة وھم كبار الوسطاء أو التجار بالدرجة الأولى فقد إعتادوا على تلك (الرمتلة) وصاروا لا یترددون فى إنتزاع ذلك الدعم من كل الحكومات السودانیة الضعیفة التى تستجیب لضغوطھم. لأن تلك الضغوط لا تقابلھا مقاومة من المنتجین
الآخرین وخاصة من ینتجون الذرة والدخن والسمسم واللوبیا وغیرھا من المحاصیل الزراعیة التى ینتجھا المزارعون السودانیون وذلك لعدم وجود مؤسسات نقابیة أو سیاسیة تدافع عن مصالح تلك الجماعات المشتتة. والتجار ھم أكبر مستفید من ذلك الدعم. والقرار ظالم لأن الحكومة تأخذ المال من جیب العامل
والموظف والمزارع فى كردفان ودارفور وتدفعھ إلى التاجر الذى یشترى القمح من المزارعین فى الجزیرة والشمالیة ومن السوق ومن التھریب . وینطوى ذلك الدعم على ضلال كبیر ولا یسنده منطق معقول.
ضلال كبیر:
الغذاء الرئیس للشعب السودانى ھو الذرة والدخن ولا یوجد منطق معقول یسند محاولة إستبدالھما بالقمح عن
طریق دعم أسعار القمح. لأن القمح لا یتفوق على الذرة من ناحیة القیمة الغذائیة بل العكس صحیح والذرة ھو الذى یتفوق على القمح. وتشیر المقارنة الواردة فى كتاب الدكتور عبداللطیف أحمد محمد عجیمى الوكیل الأسبق لوزارة الزراعة والغابات الاتحادیة وھو بعنوان : انتاج وتصنیع القمح فى السودان : رؤیة استراتیجیة لتعزیز الأمن القومى. وتقول المقارنة ان كل مائة جرام من القمح تحتوى على (%7.12)
بروتین و(%8.1) دھون و(%8.71) نشویات و(332) سعرة حراریة. وتحتوى كل مائة جرام من
الذرة على (%6.11) بروتین و(%3.4) دھون و(%8.72) نشویات و(353) سعرة حراریة. وأن للذرة میزات أخرى وھى احتوائھ على مواد مقاومة للسرطان وللامراض والشیخوخة. والقمح أقل المحاصیل
جدوى مالیة ومنفعة للمزارع كما أثبتت دراسات اقتصادیات انتاج المحاصیل (التكالیف والایرادات والمخاطر). وتقول الارقام التى جاءت فى دراسة عن مشروع الزیداب للموسم الزراعى 2006 / 2005 قام
بھا فریق من الأكادیمیین المالیزیین؛ ودراسة أخرى قامت بھا وزارة الزراعة والرى الاتحادیة فى دیسمبر 2012؛ تقول الارقام التى جاءت فى الدراستین أن أرباح زراعة القمح فى الشمالیة والجزیرة وغیرھا
تتضاءل أمام أرباح زراعة الذرة الشامیة والفول المصرى والبصل والحمص والفول والفاصولیا والشمار
والحلبة والبطاطس والثوم والعدسیة والأعلاف.ولذلك ینصرف المزارعون عن انتاج القمح ویتوجھون الى انتاج تلك المحاصیل ویعطون القمح : (فضل الارض وفضل الماء وفضل الجھد وفضل الزمن وفضل المدخلات وغیر ذلك). كما یقول الدكتور عجیمى فى كتابھ المشار الیھ أعلاه.وعلیھ :
أولاً : لا توجد مصلحة للمزارع فى شمال السودان او الجزیرة لاستبدال انتاج القمح بانتاج المحاصیل الشتویة الأخرى التى تدر علیھ عوائد أكبر.
وثانیاً : إن الأمن الغذائى السودانى یتحقق عن طریق الاستخدام الامثل لموارد السودان الطبیعیة والبشریة والمالیة لانتاج المحاصیل التى للسودان افضلیة نسبیة فى انتاجھا واستیراد المحاصیل الاخرى التى نستھلكھا. والتحكم فى مخاطر انقطاع المحاصیل المستوردة مثل القمح عن طریق الاستیراد من أكثر من مصدر وتخزین كمیات كافیة. ولا یعنى الأمن الغذائي ان ینتج الشخص كل ما یستھلك فذلك فھم قاصر وفطیر.
وثالثاً : سوف یؤدى شراء القمح بالسعر المشار الیھ أعلاه الى قتل اى حوافز تدفع المزارعین الى تخفیض تكالیف الانتاج كما یشجع تھریب القمح من الدول المجاورة وبیعھ للحكومة ویستفید بذلك المھربون ولیس المزارع السودانى.
ورابعاً : یجب أن یحول دعم الاسعار الى الاستثمار الذى یؤدى الى زیادة الانتاج وزیادة انتاجیة الفدان وتخفیض تكالیف انتاج كل المحاصیل السودانیة ولیس القمح وحده والى تحسین جودة كل المحاصیل السودانیة وذلك بالاستثمار فى البحث العلمى وتشیید الطرق ومواعین تخزین الماء وتخزین المحاصیل.
وخامساً : ان اھتمام الحكومة المركزیة الزائد بانتاج القمح یرسل رسائل مضللة الى المستھلكین بأن القمح أفضل من الذرة من الناحیة الغذائیة كما یرسل رسائل سیاسیة سلبیة جداً الى الذین ینتجون المحاصیل ألأخرى.
وسادساً : قمت بقراءة میزانیة العام 2022 قراءة دقیقة ولم أجد فیھا ما یشیر إلى أن ھناك إعتماد مبلغ لشراء القمح من المزارعین فى الجزیرة والشمالیة. الأمر الذى یعنى إن الحكومة سوف تلجأ إلى طباعة وإصدار
الجنیھات السودانیة لتمویل شراء القمح وصب المزید من البنزین على نار الأسعار أو خصم ذلك المال من المبالغ المخصصة للتعلیم والصحة والتنمیة كما أثبتت تجربة السودان خلال سنوات حكم (الإنقاذ). وكنت أتوقع أن یضع الدكتور جبریل إبراھیم وزیر المالیة نھایة لھذا الضلال بنفس الشجاعة والجرأة التى یقال إنھ قد أصدر بھا قرار إلغاء دعم أسعار إستھلاك الوقود والرغیف وقرار تحریر سعر صرف الجنیھ السودانى. ویجب أن یضع فوراً نھایة لإھدار المال العام فى الظلم والضلال ویفكر بعمق فى المفاضلة بین الكرسى الوزارى والموقف الأخلاقى والرشید .
اليومين دي الموجة عنصرية
قلت لي تشيل الضرايب من؟
دا سؤال دا؟ عشان تشجعهم على الانتاج!