كناتين المروح : الباز من سيد دكان إلى بائع متجول

كناتين المروح: الباز من سيد دكان إلى بائع متجول

أسامة أحمد خالد
[email][email protected][/email]

أحد التجار المخضرمين كان يملك دكاناً لبيع البضائع بالجملة يدر عليه ربحاً معقولاً ويجنب أهل المنطقة مشقة قضاء حوائجهم من المدن البعيدة، ولكن حين أطل فجر الجهدية الجدد بضرائبه ونفاياته ورسومه وجباياته العـ(نقودية) وجد نفسه خارج الشبكة فأضطر إلى العمل كبائع متجول في الشارع العام، وبينما كان يعرض بضاعته للمارة ذات نهار قائظ انتهره أحدهم قائلاً: أشتري منك أنت يا الدكانك كرعيك ورفوفك أيديك.

خليط من الشعور بالحسرة والحزن النبيل انتابني وأنا أرى الأستاذ عادل الباز يطل من نافذة جريدة الصحافة الغراء لا (علي كيفه) بل مضطراً بعد تصفية (الأحداث) التي خرجت من الشبكة بفعل سياسات الدولة الرعناء تجاه الصحافة وتقاعس مجلس الصحافة والمطبوعات عن دوره في حماية الصحفيين وترقية أداء المؤسسات الصحفية التي وصفها الأمين العام للمجلس، بعد طول مكث بالمنصب أضنى الصحافة والصحفيين ولم يضنه هو، بأنها مجرد (كناتين)!! فلو كان في البلد وجيع وشفافية ومساءلة ومحاسبة ورغبة حقيقية في تطوير مهنة الصحافة لكان هذا التصريح وحده كفيلاً بحل المجلس وانتداب أمينه العام للعمل كخبير وطني بإدارة (الدرداقات) بمحلية شرق النيل طالما إن الدولة لا زالت ترتجي الانتفاع بخبرته الوطنية.

فالإصرار على إدارة شئون الصحافة بعقلية المحليات والتضييق على الصحفيين بنفس الطريقة التي تطارد بها المحليات صبية الدرداقات في أزقة الأسواق الشعبية لا شك سينتهي بتحول المهنيين من أهل الصحافة والنشر إلى كتاب متجولين (مكاتبهم كرعيهم وطاولاتهم أيديهم) وسيؤدي بلا شك إلى تشريد الصحفيين الموهوبين فيختاروا بين الضرب في خشاش أرض الله الواسعة بحثاً عن مراغماً وسعة أو دخول بيت الطاعة والرضاء بالالتحاق بالصحف (المدعومة إعلانياً) بحثاً عن مصدر للعيش لا يهم إن كان كريماً كان أو غير كريم.

هل سأل المروح وأخوته في المجلس أنفسهم بصدق من هو المسئول عن تحول المؤسسات الصحفية إلى كناتين كما وصفها؟ وهل سألوا أنفسهم عن المسئول عن تصفية الكناتين لاحقاً وتحول ملاكها إلى باعة متجولين؟ وهل يعي المروح المهام الموكلة إلى مجلسه والمناط به تنفيذها والقيام بها؟ فإن كان يعلم ثم لا يستحي من إطلاق مثل هذه التصريحات فتلك مصيبة وإن كان لا يعلم فالمصيبة أعظم!! هل يدري مجلس الصحافة والمطبوعات ويدرك أن من ضمن مهامه العمل على ترقية مهنة الصحافة والارتقاء بالمستوى المهني للعاملين بها سعياً لتقديم خدمة صحفية ترضي القارئ، والإشراف على الأداء العام للمؤسسات والشركات الصحفية ودور النشر الصحفي والمطابع الصحفية ومراكز الخدمات الصحفية ووكالات الأنباء، ومراجعة أدائها المهني والإشراف على تدريب الصحفيين بالتنسيق مع المؤسسات الصحفية و المســاعدة على توفير مستلزمات صناعة الصحافة والطباعة الصحفية وتذليل العقبات التي تواجهها وضمان الحد الأدنى المناسب لأجور الصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية.

المجلس عجز تماماً عن القيام بمهامه المتعلقة بالتطوير وتذليل العقبات والعراقيل التي تعترض طريق الصحافة ثم تنازل عن مهامه الرقابية لجهاز الأمن فأصبح لكل صحيفة رقيب عتيد لا يقتصر دوره فقط على حجب المقالات ومساءلة المحررين ومصادرة الصحف قبل وبعد الطبع بل ذهب إلى أبعد من ذلك بالتدخل السافر في سياسة التحرير وشئون الإدارة بتحديد من يكتب ومن لا يكتب ومن يحق له أو لا يحق له تولى إدارة التحرير. فالصحافة التي يفترض أنها السلطة الرابعة تكالبت عليها في عهد التكميم والتعتيم السلطات الثلاث مجتمعة فالتشريعية كبلتها بالقوانين المعيبة والتنفيذية أقعدتها بالرقابة الأمنية اللصيقة وأرهقتها بالأعباء المالية الباهظة أما القضائية فقد ضربت عليها الذلة بجرجرة الصحفيين إلى نيابات الأقاليم والمسكنة بحظر النشر في قضايا الفساد.

ترى من هو المرشح للحاق بالباز كبائع متجول ربما أخونا عثمان (سيد الدكان) إذا استمر تعليق صدور التيار.

تعليق واحد

  1. مشكور أستاذ أسامة على هذا التحليل المبدع لحال الصحافة في السودان. أوافق على ما ذكرته أن الحكومة هي السبب و أضيف أن هذه الحكومة عدو لكل من يشكل عليها خطراً من صحافة و نقابات و طلاب و قوات مسلحة …الخ. إنهم على استعداد تام حتى لمحاربة الصحابة رضوان الله عليهم.

  2. الباز مع الحكومة،،، الناس فصلت من الخدمة قبل 23 سنة وتشردوا في المنافي وذاقوا مرارة التشرد ،،، الباز وغيره من الصحفيين فضلوا البقاء في السودان كجزء من المنظومة الصحفية الانقاذية سواء بالدعم المباشر او غير المباشر،،،، الان استدار الزمان كما في 1989 وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب سينقلبون ،،،، إن المظلومين باذن الله لمنتصرين ،،،

  3. بالمناسبة أنا حسن جبورة دا خفت من أن أوصف بالبائع المتجول فلزمت بيتي بعد أن(أوقفت عن الكتابة).. طبعاً أخونا أسامة ما تم باقي القصة.. بعد أن وصف السفير العبيد أحمدمروح الصحف ب(الكناتين)، سخر صغار الصحفيين من أنفسهم وقالوا : إذاً كانت الصحف كناتين، يبقى نحنا بنغالة، وهو وصف دقيق للحالة التي عليها الصحفيون، يطرد هذا فيأتي زميله في نفس اليوم، وبثلاثمائة جنيه في الشهر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..