مائدة الكتابة المتنوعة

مائدة الكتابة المتنوعة

صلاح يوسف
[email][email protected][/email]

من الضروري تنويع المواد المكتوبة في الصحافة الورقية والاليكترونية ليتمكن القارئ من التقاط ما يروق له من مائدة الكتابة وفقا لتوجهاته وميوله، مع إن الأخذ من مختلف التنويعات يساعد على الإحاطة بمجريات الأحداث ويفتح ذهن القارئ ويعينه على تفهم الآراء والأفكار المختلفة، وإلا كان الطبق الذي يشقى الكتاب لتقديمه للقارئ سيكون كاللوح المحفوظ بلا طعم أو رائحة ويفتقد لمكونات الحفز والمقبلات. ولذلك نجد أن جميع الصحف تعج بمقالات شتى تعالج مختلف القضايا التي تشكل حراك الحياة المتشعبة في الدروب السياسية والاجتماعية والثقافية والرياضية والاقتصادية والدينية والعلمية وغيرها من مواد التسلية والترفيه، غير أن بعض القراء ? مع تقديري لتحفظهم على هذه التنويعات ? يطالبون جميع الكتاب بأن يعزفوا على إيقاع واحد لا لشيء سوى أنه الشيء الذي يروق لهم، ولا يقبلون خروج الكاتب عن مداره لتناول قضية أخرى وإلا سقط ذلك الكاتب من نظرهم بحسبانه يسبح عكس التيار ليوصف جوراً بالقول المتداول (الناس في شنو وهو في شنو). ولعل هذا الحكم لا يصدر إلا من الذين تستهويهم السياسة الصرفة إذ لا يتوقعون من أي كاتب إلا القدح والذم بلا هوادة إرضاءاً لهم، وبالعدم يصنفون أي كاتب لا يكيل عبارات النقد والسباب والتجريح كمن يغرد خارج سرب هذه المنظومة ويسخرون من تناوله لغير العيوب والنواقص، بل إنني قرأت تعليقات من بعض القراء تلوم كاتباً عرف بتخصصه في تناول القضايا السياسية الساخنة، لمجرد أنه في أحد الأيام تناول قضية اجتماعية بمنظار أدبي رفيع العبارة.

لا بأس أن يستمر قطاع من الكتاب في العزف على هذا الوتر الذي ارتضوه عن قناعة وملكوا أدواته وتتبعوا مساراته، ولكن لو أن جميع الكتاب انصاعوا لرغبات هذه الشريحة التي تضع نفسها في خانة العداء للقابضين على زمام السلطة أو العكس، لكان حراك الخلاف باهتاً وفاقداً للحيوية ولما أزهرت أبجديات الديمقراطية التي يطمحون في تذوق طعمها. ومن الملاحظ أن غالبية المتصفحين للمواقع الاسفيرية على وجه الخصوص مصابون بهوس السياسة مما يؤكد أننا قوم يدمن تعاطي جرعاتها دون غيرها. ما الذي يضيفه شاعر للرياضة لو دس أنفه في قاموس المستطيل الأخضر، و هل سيقدر ناقد فني على تحليل حدث سياسي متداخل التفاصيل أكثر من ذوي الاختصاص. إذا قبلنا هذا الفهم معياراً لمهارات كل كاتب وتنقلنا بين عصارات أفكارهم، أن شئنا، دون إجبارهم لارتداء لباس ميدان المعركة ففي ذلك ما يعينهم على التجويد والابتكار الذي يرضي ذائقة الآخرين الذين ربما لا يرضيهم شطط السياسة أو الذين لا يعتبرونه الميدان الأوحد.

وقد لاحظت أن بعض القراء يرون في الأحداث السياسية والتداعيات التي تشهدها البلاد ما يدعو لإسدال الستار على كل الممارسات الحياتية الأخرى والاستجابة فقط إلى قرع الطبول ورفع راية الجهاد وبذل التضحيات متناسين أن نسق الحياة يقتضي التماسك وتكامل الأدوار دون إغفال لمتطلباتها الأخرى. لذلك لا يجب أن تتوقف مناشطنا الرياضية أو تتعثر فعالياتنا الثقافية، ولا يجب أن تجف حناجر حداتنا عن التغريد أو ينقطع حبل صلاتنا الفريد. ولا يجب أن يختبئ تماماً دخان المصانع أو يفتر عزم المزارع. ولا يجب أن تتقاعس الهمم أو ينطفئ نور العشم. ولا يجب أن توصد أبواب التحاور والتوحد والتفاكر. واستناداً إلى خلفية هذا التنوع والتمازج الحياتي سنكون في موضع أفضل لكي لا نغفل معاً عن واجبنا الأساسي صوناً للوطن ودفاعاً عن ترابه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..