الهوية .. الجدل .. الصراع والإنتماء ؟!؟

الهوية .. الجدل .. الصراع والإنتماء !؟!
دراسة اعدها د.فائز إبراهيم سوميت
المحور الرابع والأخير :
مطلب رقم 4 :
– أين تتموقع الهوية السودانية من هذه الفلسفات :
” أ ”
مقدمة صغيرة :
قصدت من كتابة هذا المقال للرد على أولئك الذين يسببون الكثير من الغموض للهوية السودانية ليس لشئ إلا لأنهم يعلمون أن تواترهم العرقى منقطع فى مكان ما ولأنهم إتجروا فى بضاعة الهوية السودانية رغم إدعاءاتهم بكساد سوقها .. إن المجتمعات البسودانية مجتمعات مرنة فإنقطاع التواتر فى داخلها لايمنع من أن يكون هناك مواطنين يتمتعون بهويات سودانية بقدر تفاعلهم مع معطيات الواقع الإجتماعى والبيئى السودانيين .. ولكن إنقطاع التواتر والضجيج العالى وإفتعال الأزمات لايعطى أى كائن كان أن يفرض هويته أو ثقافته على الآخرين فالسودان قطر رسالى هكذا أوجده الله وهو على هذا مهيأ ومؤهل لإستيعاب أكبر قدر من التنوع العرقى والإثنى فوق القائم أصلا والذى أصبح بفضل التمازج والتداخل كأنه دق فى الثابت من الهوية . ولايجب على الناس كذلك أن تنزعج لأمر تحسسنا للهوية السودانية , إذ أن هذه الإجراءات لم يقصد بها قبيلة بعينها أو جماعة سياسية بعينها فى السودان , وإنما هذه النقاشات والجدالات حول مسألة الهوية فرضتها ظروف إقليمية ودولية , هناك ظروف حادة وإستثنائية تجرى فى مواجهة الكثير من المهاجرين من أفريقيا فى أوروبا والشرق الأوسط فرضتها مسأة الهوية وتداخل الأعراق فى كثير من الشعوب مما أفسد الخصوصية وخلق أزمة حادة كل ذلك بفعل تشظيات الهوية وعدم قدرة تلك الشعوب على تحديد هوية ذات معالم بارزة لقولبتها وتأطيرها فى هوية عالمية واحدة تتناسب طرديا مع الإتجاهات الأخرى للفكر الغربى منها الثقافية والسياسية والإقتصادية , لذا نحن منهمكون فى إيجاد معادلة ذات صيغ ملائمة تعيد التوازن للمجتمع السودانى .
الايدولوجيات الوطنية ومشكلة الهوية :
إن إرتفاع نسبة التعليم فى السودان وإزدياد وعى المواطنين من خلال موجات الإغتراب الرأسية التى إجتاحت السودان منذ مطالع السبعينات حتى أصبحت ظاهرة إجتماعية إقتصادية بارزة كذلك الهجرة الأفقية من الأرياف السودانية نحو العاصمة والمدن الكبيرة , ساعد ذلك فى بروز تساؤلات كثيرة جميعها تدور بشكل طوباوى حول مسألة الهوية الجمعية فى السودان كسؤال ملح فرضته ليالى الغربة والإحتكاك بمواطنين سودانيين لكن من قبائل ومناطق أخرى فى الداخل والخارج مما خلق نوع من الإلفة والدفء لم يكن يألفهما المواطن السودانى من قبل . على الرغم من أن هناك صراعات متصاعدة بما يشبه الأزمة تتعلق بمسألة الهوية السودانية ، والتى أخذت طريقها الى مستوى ” الدستور ” وخلقت منه ازمة سياسية مزمنة تجتاح الأنظمة الحزبية التعددية فتحيلها بإستمرار إلى إنقلابات عسكرية وتوترات وصراعات قبلية مسلحة . وقد يصعب رد ذلك إلى صراعات إثنوية أو جهوية بقدرما ما يرد ذلك إلى إنشطارات فى النخب الصفوية الحاكمة التى وظفت أغلب القبائل لبقاء سلطانها والدفاع عن الوطن مما خلق نعرة التفوق القبلى والإحتكار الإقتصادى القبائلى . وعلى ذلك كان يتم توزيع الثروة والمشاريع التنموية على هذا الأساس مما جعل أمر الهوية الجمعية أمرا ثانويا لايؤبه له فى كثير من الأحايين من قبل القبائل والإثنيات الأخرى التى أعتبرت قبائل وجماعات تابعة لتلك القبائل ذات الحيثية السلطوية .
فأصبح من السهولة بمكان رؤية دور التباين الواضح فى النمو الاقتصادى الاجتماعى فى السودان بين وسطه واطرافه مما ساعد فى تأجيج ازمة الهوية . ( وقد حدث ذلك بفعل عوامل تاريخية زاد من تاثيرها سياسات الدولة الوطنية المعاصرة ? التى كانت تتجاهل المناطق خارج الوسط الذى يمثل المركز المهيمن سياسياً واقتصادياً وثقافياً . وفى الوقت الذى كانت اتجاهات الاحتكاك بالتجارة والمصاهرة بين السكان من الوسط فى الاطراف تسير نحو تخفيف الفروقات الثقافية ، وقع استعمار السودان فى 1898 م واخذت السلطات الاستعمارية فى قطع الطريق على اتجاهات الاندماج ، برعايتها لنشر دين مغاير، هو المسيحية ، وربط ذلك بتعليم اوروبى وبناء مؤسسات مدنية وعسكرية محلية . وهى اشكال وافدة فى الاصل تم بالفعل توطينها ، فى جنوب السودان بصفة خاصة وبحسابات سايكولوجية إستراتيجية دقيقة التفاصيل ) ويعتقد الإستعمار أنه الآن يجنى . المصدر : الظاهرة والمنظور د . قيصر موسى الزين معهد الدراسات الافريقية والاسيوية فبراير 2009م . ويعتقد الإستعمار أنه الآن يجنى ثمار غرسه الطويلة الأجل بعد إنفصال الجنوب عن شماله . وهى اشكال وافدة فى الاصل على الهوية الطبيعية لسكان جنوب السودان والتى تعتبر ثلث الهويات الطبيعية لدينا حيث تم بالفعل توطينها ، فى جنوب السودان بصفة خاصة . وحدث هذا بدرجات متفاوتة فى مناطق اخرى . كل ذلك لم يعد مجرد تاثير خارجى وانما اتخذ شكل وعى سياسى وثقافى بذات مغايرة فى ما يمكن تسميته بالاطراف ? التى لا ينحصر وجودها ا من الناحية السكانية ، فى مناطق جغرافية مغلقة وانما تمتد داخل كل النطاقات الحضرية فى المركز السودانى فى الوسط . وقد جعل ذلك من اى تسوية ثقافية ناجحة بين المركز وبعض تلك الاطراف امراً صعباً ، ان لم يكن مستحيلاً ، مع ان شروط التسوية الاقتصادية والسياسية يمكن ان تكون فى حدود الممكن . بلت من الواضح أن مسألة الهوية فى السودان تعتبر السبب الرئيس فى أغلب المشاكل والصراعات والإحترابات القبلية التى جرت وتجرى من وقت لآخر فى السودان , حيث ثار جدل كبير وصراعات بما تشبه الأزمات فى وقت ما من تاريخ السودان .. الآن الأجواء مهيأة للأساتذة والمفكرين والأنثروبولوجيين فى يكتبوا كلمتهم للتاريخ ويمضوا حتى تدرك الأجيال التالية أن هناك من إستمات فى تثبيت هوية جمعية للشعب السودانى , لأن أمر الهوية سيكون هو الحاكم للعلاقات المجتمعية الإقليمية والدولية . . إذ كل مجتمع حينذاك مطالب بتحصين ذاته ثقافيا فهو مجبر كذلك على خوض المعارك الاقتصادية لكن في اتجاه التحرر الاجتماعي من كل آليات الاستغلال و الاستلاب الداخلية والخارجية . إن الحل يكمن إذن في البحث عن سبل التعامل الجدلي والنقدي مع نظام العولمة ، وهو الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في مطلب الهوية ، ليس على غرار الطرح الخصوصي ، أو على شاكلة دعاة الإندماج المطلق في النظام الغربي ، بل وفق عملية بناء نقدي للثقافة والسياسات الإقتصادية الموجودين داخل مجتمعنا ، دون حنين للعبة الرهان على الأصول ” ا[صل والتابع ” ، أو رغبة في الانكفاء الدراماتيكي داخل شعار الأصالة المفهوم لدى بعض الخصوصيين بشكل متعال الذى شرنق الكثير من القبائل وأقعدها عن أداء دورها المناط بها حتى وهى متعالية أو فوقية . إن هوية ثقافية نقدية قادرة على الربط بين الثقافي والاقتصادي والكشف عن مفارقات خطاب العولمة، تبقى هي المدخل لتجاوز الكثير من العوائق المعرفة والسيكولوجية التي حكمت سواء الخطاب السلفي أو الأصولي أو الإيديولوجيا الليبرالية . مما يعني أن بناء هذه الهوية هو نفسه مشروع معرفي لن يستقيم إلا على أرضية النقد والعقلانية والصبر وطول النفس السياسى والأيديولوجى رغم تلاشى الأيديولوجيات المجتمعية فى نظام السوق المفتوح إلا أنها سارية المفعول لدى سماسرة الخردة فى السودان .
فى المبحث القادم :
المطلب الأول :
– العقد الإجتماعى ? المعنى والمفهوم
– الجذور الإسلامية لمفهوم العقد الإجتماعى
– الجذور الغربية لمفهوم العقد الإجتماعى
– علاقة العقد الإجتماعى بالهوية السودانية