صباحات أنس القروية: تجيش الحنين وحشد الذكرى ..
قراءة في إيماءات ديوان "صباحات قرويّة " للشاعر أنس مصطفى

د. عبد الماجد عبد الرحمن الحبوب
“الفن يجعل المعتاد يبدو غريباً لِكَيْمَا يتم ادراكه بطريقة طازجة وجديدة… الفن يجعلنا نستعيد احساسنا بالحياة … ان التكنيك الفني يجعل الأشياء(العادية) تبدو غريبة وغير عادية”. (فيكتور شكلوفسكي- الفن بوصفه تكنيكاً)”.
“إن الشاعر لعندليبٌ يجلسُ وحيداً هناك في الظلام ليغني لعزلته المجيدة محتفياً بها بصوته الميلودي الجميل”.
(الشاعر الإنكليزي الرومانسي شيلي Shelley)
“صباحات قروية” طبعته دار نشر أوراق المصرية (2015م) ، بإخراج فني رفيع للأستاذ الشاعر والمصمم الذوّاقة محمد الصادق الحاج ؛ الحساسية العالية لمحمد الصادق جعلت من الغلاف بلونه الهادئ ولوحته البديعة عتبة بصرية-دلالية مهمة للديوان متكاملة مع جماليته الشعرية. هو الديوان الثالث للشاعر أنس مصطفى بعد “نثار حول أبيض” ( 2006م) و”سهد الرعاة” ( 2012م)، وأعقبها بمجموعتين أخريين لم تريا بعد النور ولكنهما قد ظهرتا على شكل الكتروني ، وهما “تَهَداب” و”خمسة أقمار في ليل المدينة (2024)”. برز الشاعر أنس مصطفى منذ ديوانه الأول (نثار حول أبيض) ، بوصفه شاعر قصيدة نثر مائز يشتغل ضمن هذا الأفق الجديد المحمّل بإمكان فني وشعري هائل. ويبدى الشاعر، الى جانب كونه من رموز هذا الفن في السودان ، اهتماماً نظرياً ونقدياً به في الوقت ذاته ، إذ طلعت له طازجة قبل أيام النسخة الإلكترونية من مختارات شعرية لقصيدة النثر في السودان بعنوان (التي تشغل بال النجوم : أنثولوجيا قصيدة النثر في السودان ، مايو 2024م ) ، كأول عمل من نوعه في سياقه.
تشهد نصوص هذا الديوان تعزيزاً للملامح الفنية التي مازت نصوص الشاعر السابقة وتضيف قفزات وجماليات أخرى. فهو يواصل نهجه في قصيدة النثر غير المفرطة في التجريد والمنفتحة ، مع ذلك ، على فضاءات وسيعة المعنى ومنداحة الدلالات .. هي قصيدة تبدو أنيسة للقارئ في الحالات كافة. فهي شعرية تبدو موقّعة على نوتات سهلة مريحة ممتنعة.. تضبط أوتار مفرداتها وعبارتها الداخلية بقدر من الحذق والدقة والتوفيق.
إن قصيدة أنس لتبدو لنا هاهنا كاشفةً عن طبيعتها المعقدة المازجة برفق بين موضوعاتها وهيئتها وعذوبة التحامهما معاً .. مبتسمةً بسخاءٍ عن طزاجةٍ وعن حريةٍ وعن جمال:
في غُربةِ هذا المكان ،
العابرون على وحشةِ من أمرِهم
الليّلُ يلفُ القطاراتِ بصمتٍ قديم..
في الوقتِ المتأخرِ من العمرِ ، ينزلُ الحزنُ ثقيلا على الدنيا..
حينها كنتُ كفيفاً أستضيء بالمواقد ،
وأقرأُ في رمادِ الليّل
كتابَك،
كنتُ أستعيدُ عيوناً غالية
وحنان..
وفي قصيدة “أخرى تتكرر عبارة “على رسلك” على نحوٍ دائبٍ وملح، ليتواصل هذا الملمح :
“على رِسلك يا فراق .. على رِسلك حتى نمنحَ الفجرَ نداوةَ الأمل ، حتى نشيّدَ من آجُرّ الحنان بيوتاَ تدهن الصباحاتِ بالأخضر الوسيم ، على رِسلك حتى نشتلَ المشاوير بالحَكَايا ، حتى نلثمَ العمرَ بالأمل القليل .. على رِسلك يا فراق .. على رِسلك يا رفيقَ التعب ويا سكةَ الغائبين .. على رِسلك يا آسرَ الناس في المحطاتِ الندّية ، يا نديمَ القطاراتِ ويا وحشةَ الغائبين..” وتستمر عبارة “على رِسلك” كموتيفة ضابطة لإيقاع هذا النص الموسوم (فِراق) والمفعم بمعاني الرحيل والمترع بالنجوى والسهد والتعب.
يستمر في نصوص (صباحات قروية) تيار من الحركة الهادئة يعمل على زحزحة واطاحة وترميز عناصر الزمكانية البيئية.. ساعية ، خلال ذلك ، لتشغيل هوامش اليوميات العادية: الشاي .. القهوة .. المحطات .. البيوت واطئة الحوائط وسيعة الحيشان .. المساءات .. كسلا وأحيائها القديمة وأسواقها ذات القهاوي البجاوية العبّاقة بالذكرى والشجون وكفاح هذا النهر الطويل ورائحة الأشياء البعيدة .. حميمية هذه التفصيلات اليومية تستخدم هاهنا رافعةً لتجسير المسافة بين الخارجي-المادي والجواني النفسي- الروحي(.. ومن أمثلة هذا التخلص والانتقال السلس أو المنعطف Volta قصيدة ويتمان “إلى قاطرة في الشتاء” To a locomotive in Winter). وتمكن هذه الآليات والتقنيات الفنية من صناعة علاقات جديدة تهدف لرج التصورات الذهنية الثابتة الرتيبة وإنتاج رؤية جديدة تجعل العادي والمألوف يبدو كما لو كان غير مألوف وغير عادي. إن هذا التكنيك الأدبي-الفني يسمى بالتغريب أو التعجيب أو الاستدهاش (Defamiliarization).. ويعود المصطلح لشكلوفسكي أحد مؤسسي مدرسة الشكلانية الروسية وهو من خصائص الشعر الجيّد قديماً وحديثاً (والفكرة في الواقع ترتد طويلاً الى زمن أرسطو والنقد الاغريقي والروماني والعربي القديم ، لكن شكلوفسكي هو من صاغ المصطلح ونظّر له على نحوٍ أحذق تأسيساً):
أكلما ندهتكِ المغاربُ قلتِ نعم…؟
أكلما أوصدتُ ناحيةً من الليل
تفتحينها…؟
لا تغضين النصل عن الجرح أبداً
ولا تحسنين الطريق إلى النهر..
آليات تحشيد طاقة الحنين تشتغل في الكثير من قصائد هذا الديوان. ومن ذلك تلكم القصيدة بعنوان (غرباء)..
وهي غربة تأتي متدثرةً بنشيدٍ خفيت ووجعٍ مكتوم وحسراتٍ نبيلة. يتجلى ذلك من خلال تدميج شكل الإيقاع الخافت في صوت “المتحدث داخل القصيدة”(ال persona كما يقال في خطاب النقد الأدبي ومعلوم علاقته المعقدة بشخص الشاعر/الكاتب الحقيقي ، لا سيما حين يختلط “بالأنا” الميتافيزيقية أو الصوت الميتافيزيقي
للشاعر) مع ذبذبات صوت الماضي التي تجسدها تلك الحكايات المنسوجة على القهوة (قهوة لم تعدها الأمهات ولا ضمختها الحَكَايَا). وتتبدى لنا خلال ذلك نغمة الشاعر وهي تمزج -على صعيدٍ موازي- بين الحزن والأسف على تلك الأزمنة الراحلة المنطوية في الماضي البعيد
والغبطة بكونها حاضرةً باستمرار في الحَكَايَا (مفردة “الحكايا” التي تتكرر في الديوان مراتٍ عديدة لتصنع لنا في النهاية هذا المناخ الغائم المستحضر للماضي-الحي. والحكي والحكايا تحضر ضمن رُبْطَة من اللوازم “الموتيفات” (motifs) النشطة التي تنساب بهدوء في نص الديوان كنهرٍ غامض وأليف في آنٍ واحد) ؛ “مكبسلاً” بذلك هذا الشعور الملتبس الغامض المتجسد في صور مثل(مقاهٍ منسية.. صمت المنازل الأجنبية.. الطرقات الخاوية.. والسهاد الأزلي). يوفر كل ذلك للقارئ زوايا نظر جديدة واحساساً جديداً بالأشياء من حوله ، وبالتالي معرفةً جديدة:
للغرباء رائحة المدن البعيدة ،
لهم وحشة الروح
وحسرة الجناح..
للغرباء أغنيات قديمة ،
ينشدونها في الطرقات الخاوية ،
عند أول الليل ،
وفي سكة المطر..
للغرباء قهوة فاترة ،
في مقاهٍ منسية ،
قهوةٌ لم تعدها الأمهاتُ يوماً ،
ولا ضمختها الحَكَايَا ..
للغرباء نهرٌ من حنين ،
لا يصل إلى مبتغاه أبدا
لا تسكن في ضفتيه القرى،
ولا تصطفيه المنازل..
للغرباء سهاد أزلي ،
صمت المنازل الأجنبية ،
لهم شجر في البيوت البعيدة ،
وحنان وراء الرتاج..
وفي قصيدة “إطراق” تأتينا حارَّةً صورٌ من مرايا هذه الاستعادات العزيزة (أستعيدُكَ أبداً : بِبُحَّة الصوتِ ، برائحةِ الفجرِ غِبَّ المطر، بحلوى الحَكَايَا، بقهوةِ المحطاتِ، بالشوارعِ القديمةِ، بالضحكةِ الصافيةِ، بحُنُوِّ الأمهات، بالأغنياتِ المزهرةِ، بليمونِ البيوتِ، بالإطراقة النّديّّّة).
ويعمل عنصر “الصمت” الذي يجري في نصوص الديوان على نمط الفواصل الطويلة بين المقاطع الشعرية ( stanzas) (على الأخص ، في قصائد مثل: مأوى، جناح، اقتفاء، مغارب، عبق، مطر، غمامة، رجاء، وحشة، غزال، طفولة، أنتِ.. الخ، ويلاحظ أن جلَّها تأتي في صيغة نكرة دون التعريف مما يفتحها على معانٍ ودلالاتٍ أعنف تدفقاً وأبعد جرياناً )، يعمل على تأكيد وتكثيف طاقات معاني واشارات الحزن والأسف والحنين وتلك المسترجعات الماضوية التي تلف نصوص الديوان كغلالة شفيفة. في المقابل، في قصائد مثل (فراق، التفتيش الأخير، شرود، مشارق ..الخ)، يتناوب الصمت المتقطع مع سرعة جريان النص وتدفق تياراته العارم على الصفحة الشعرية. وهو تناوب يمثل في مستواه الأدنى الموضوعات التي يشتغل عليها الشاعر، الذي توزعت أزمنة طفولته وصباه ما بين أم درمان وكسلا ، وفي صيغته الأعلى يحيل لطبيعة تناوبات الحياة ودورانها الجوّال بين حزنٍ وفرح وموتٍ وحياة وفراقٍ ولقاء وغربةٍ وهجرةٍ وإياب ووحشة وأُلفة. وضمن هذه الهندسة الشعرية، تتبدى لك معظم قصائد الديوان كما لو كانت “سوناتات” قصيدة نثر خاصة ينسجها الشاعر على منواله، متوسلاً بها نقل التجربة الحياتية الخاصة كما استدخلها في شعوره وإبراز متعتها الجمالية الخاصة. هذا بحسبان أن من وظيفة الشعر أن يلتقط الشاعر تلك “اللحظة” المفعمة بالحياة والوجود كما خبرها وأن يَنْقلها لنا طازجةً وساخنةً وطرية .. ويكون تجويد الشاعر لصنعته بقدر تجويده لتقنيات هذا الالتقاط وذلك النقل.
ففي قصيدة “مشارق” نقرأ (ها هي المشارقُ يا غالية.. وها الفجرُ ينمو على مرِّ الطرقاتِ اليتيمة، وها أنتِ نورُ النوافذ في الليلِ، أنتِ أغنياتٌ وقرى وضيئة، وأنت لمسةُ القلبِ عندَ الحنان … وها ماضٍ نحوك والدنيا على كاهلي، ومبللٌ بالأوقاتِ البعيدة، أستدلُ على وجودكِ بالمطر، أستدلُ على غيابك بالأمسيات الغاربة، وأنتِ لا تزالين أنتِ، طعمُ المساكن في الهجرات، ورائحةُ الأرض عند الحنان … وكأن المسافةَ لا تنتهي، وكأن العمرَ غُصّة…). وفي نص (التفتيش الأخير) الذي تتجمع فيه رؤى وعاطفة هائلة من الشوق واللهفة والأسف والرحيل، ويتدرج فيها الوصف- كما في قصائد أخريات مضى رصدها- من الطبيعي الخارجي الزمكاني الى الداخل النفسي المعقّد (من الكبرى العتيق الى أعالي الروح) ومن نواحي “الفاو” ومقاهيها المحاذية للطريق وسواقي مدينة كسلا الشجيّة ورائحة أشجار ليمونها وبخورها العبّاق وحافلاتها وأكشاكها التي تنبعث منها الأغاني “البجاوية” الطروبة؛ وثمة تفاصيل أخرى يرصدها لنا الشاعر عبر صوت المتكلم في القصيدة، مثل فوّال أبو خالد والفَسَحَة ودكان فكي ومسطبة الغروب وحبوبة مريم، والتي تتحول إلى تلكم السكينة الداخلية المشرئبة إلى بعدها الكوني فتتفتق في آخر الليل “نوراً وحقيقةً”. وعبر هذا كله فإن كسلا المنقولة لنا هنا هي كسلا أخرى .. كسلا تبدو لنا كلوحةٍ منسوجةٍ من شقوقِ الأرض وأقاصي الروح .. كسلا تأتينا هكذا محمولةً في قطار الشرق كما تأتينا أم درمان كمال الجزولي في قطار الثامنة (قصيدة الجزولي أم درمان تأتي قطار الثامنة). في القصيدة نقرأ (التفتيشُ الأخير، القِربَة، الكُبرِى العتيق، النهرُ هادئ وعميق … السهوبُ في بداءتها، المنحنياتُ الخضراء، أعالي الروح … الشاحناتُ تحت رواكيب قَيلولتِها تحتسي قهوةَ الطريق، تلوحُ بداياتِ المدينة في الأفقِ الممتد … انتظرتها يا سيدي منذ آماد، منذ الأزل، انتظرتها بكل أحوالي … في زمانٍ ما سآتي إليها، عارياً من الناس، مسروقاً بالحزن والأسف، ستأتي المدينةُ صافيةً وطيبة .. بعد قليل … لحظةُ الحلم … تنمو البيوتُ رويداً رويدا على جانبي الطريق، مغمورةً بالشجرِ والناس، بالأغنياتِ القديمة، بالصباحاتِ والحَكَايَا…).
تشتغل في ديوان “الصباحات” باقة من تكتنيكات الشاعر كتكرار التشبيهات عن طريق أداة (كأن، كأنك) ومجازات وايقاعات داخلية على مستوى المفردات والعبارات والمقاطع(تكرار مفردة “ربما” كما في قصيدة “حياة” حيث يبدأ بها كل سطر ومقطع جديدة في القصيدة)، مثلما تشتغل حزمة موتيفات متعددة على نحو مقاومٍ ولحوح(الحكايا، الشاي، القهوة، المحطات، الانتظار، المغارب، الخ)؛ وتظهر تناصات الشاعر مع الخطاب الصوفي الشعري العرفاني (ابن عربي والنُّفَّري -المواقف والمخاطبات- والحلاّج والبسطامي وغيرهم .. يتجلى ذلك داخل نصوصه وفي اقتباساته وفي عتبات قصائده وفي مفتتح المجموعة الشعرية، كما في عبارات : قال لي، قلتَ لي، ورأيتك… الخ)، تتضافر كلها لخدمة تجيّش الحنين وحشد الذكرى في نصوص الديوان وتكثيف إيماءات أخرى فيه.
وتبقى قصيدة (الخرطوم الأخيرة) من أمتع نصوص الديوان بعمقها ودقيق وصفها وفلسفة مقاطعها الهايكووية وطاقتها التنبؤية لمآلات المدينة-الوطن القاسية الراهنة بعد سنوات من كتابة القصيدة:
يغرقُ كلُّ شيء في ليلِ المدينةِ الأبدي،
تغرقُ الطرقاتُ في صمتها،
البيوتُ في النِّحول ..
في المدينةِ اليائسة،
ترى كم من الوقت مرّ..؟
كم من الانتظار…؟
كم
يأساً
وضغينة؟
• هكذا تبدأ القصيدة مستبصرةً خرطوم غارقةً في الظلام تلفها طرائد الليل وشآبيب الندم، مستعذبةً سِرّها الأبدي فيمسي المتحدث في القصيدة “غريباً في طرقاتٍ غريبة” يبحث “عن جهاتٍ مفقودة” في اشارة لغربة الروح داخل الروح وغربة المكان داخل المكان وغربة الطريق داخل الطريق وغربة هذا الوطن داخل الوطن:
في المدينةِ التي يلفُها النّدم
التي تستعذب اسرارَها وموتَها
يوجعني ما تبقى:
نافذةٌ يتيمةٌ
افتحُها في الغياب
وحشةٌ غائرةٌ
مطرٌ قاتمٌ وكهولة
في الشوارعِ الداكنة
تنطمرُ الحياة
وينطفئ كلُ شيء ..
تغرقُ الخرطومُ في ظلامِها الأخير ..
ولا شيء سوى الشواهدُ التي تومضُ
القبابُ والاضرحة
ثكناتٌ ومعاول ..
ها اجوبُ الطرقاتِ وحيداً
غريباً في طرقاتٍ غريبة
أبحثُ عن جهاتٍ مفقودة
—
عن نواحٍ بيضاء
لم يطالها الحطام بعد
في بلاد ضيّعت فوانيسَها وأهالت التراب..
—
ينتشرُ الحطّابون في النّواحي القديمة
يتصيّدون بقايا النورِ
بفؤوسِ العتمة..
يتصيّدها الأنبياءُ الكَذَبَة
بسماواتٍ زائفة..
في عتمةِ الليلِ هنا..
ما الذي يومضُ في النواحي البعيدة ..؟
ما الذي بغتةً ينطفئ ..؟
أهي التماعةُ الفجرِ على تلالِ الحياة…؟
أهو النهرُ تغسِلُه الشموسُ الواهنة..؟
أم أنها الفؤوسُ ثانيةً..؟
تتضامن في هذه القصيدة حزمة من مرموزات وتشكلات وإزاحات ومجازات الليل والغرق والفؤوس والشوارع الخالية القاتمة لتعطينا هذه الصورة الكلية لوطنٍ غارق في ليِّله الخاص وتيهه السريالي وحروبه التي لا تنتهي. الصورة الوصفية التي يقدمها المتحدث في القصيدة تنتهي بصيغة خمسة أسئلة في خاتمة القصيدة طالباً منّا الاجابة حيث لا إجابات .. انما حسبنا وحسبه التأمل والتفكير والتدبر العميق (reflections)! .
ديوان (صباحات قروية) يقدم لنا تجربة وجودية عميقة وقصيدة نثر عذبة أنيقة الهيئة وذات تكنيكات فعّالة منبثقة من الجهاز الفني للشاعر أنس مصطفى. إذ يكشف فيه عن المزيد من طريقته الخاصة في كتابة هذا الضرب الفني الممتع؛ طريقة تتقابل وتتناص مؤتلفة ومختلفة مع مدراس سودانية وعربية أخرى في كتابة قصيدة النثر. وبهذا، فهي تجربة جديرة بالدرس والاعتبار النقدي، وحسب هذه المقاربة أن تحث وتحفز على ذلك راصدة بعضاً من ملامحها وتساؤلاتها واستراتيجياتها الفنية.
مقال في غاية الأهمية حول المجموعة الشعرية الجديدة (صباحات قروية)للشاعر المرموق أنس مصطفى الذي يثابر بثبات لتحقيق مجد شعري راسخ.
التحية لدكتور عبد الماجد الناقد والكاتب المميز وللشاعر أنس مصطفى.
كتابة تشكل نصا جماليا موازيا لطزاجة موضوعها ومبصرة بما يجري في مضمار قصيدة النثر والتي اوشكت ان تتصدر المشهد الشعري ان لم يكن قد تصدرته بالفعل، واقول اوشكت لأن الجمهور العربي، ولا اقول نخبه، لا زال يعاني من تاثير العتيقات البوالي المفروضة عليه لألف عام ونصفها.
التهنئة للدكتور الشاعر والناقد عبد الماجد الحبوب على هذا المقال العلامة في إضاءة القصيدة الجديدة والتهنئة للصديق الشاعر البالغ العذوبة باهدائنا هذا الربيع من مفكرته التي تنزف ازهارا
تناول رائع لهذه المجموعة الرائعة من أشعار المبدع أنس مصطفى.
شكرا دكتور عبد الماجد الحبوب على هذا الإتحاف، دمت متألقا.