تقدم العمر مفخرة مصحوبة بــ جقلبة

الخرطوم – معتصم الشعدينابي

لا يشعر الشخص بفقدان السنين وبالتالي تقدم العمر، إلا بعد فواقه من غفلة صغيرة من الوقت يكتشف أنها استغرقت عشر سنوات على الأقل، ومن ثم يبدأ في المغالطة، ويسأل نفسه كم لبثت ويحدد خياراته بين يوم أو بعض يوم، مستبعداً احتمال أن تكون الفترة التي قضاها غافلاً “مع أنه استهلك كل ثانية فيها بالتمام والكمال” مستبعداً أن تكون هذه الفترة عاماً أو بعض عام.

والشعور بـ (الكُبُر) مفخرة على كل حال مصحوبة بـ (جقلبة)، حين تنبهك إليها عوامل الزمن الحاسدة والحاسمة، وتظهر هذه العلامات بخلاف (شيب الشبان) والصلع وغيره، أحياناً في المواصلات العامة، فحينما يهب الشاب واقفاً ويدعوك لتجلس مكانه في أي مركبة، فاعلم أنك قد بلغت من الكبر عتياً وإن لم يوهن العظم منك ويشتعل الرأس شيباً.

في عين أمو غزال

وأعلم أنك وإن نجوت من الحالة أعلاه وتمكنت من خداع أو مراوغة عامة الناس ومن لا يعرفونك في الشارع العام، وحتى أبناء دفعتك بالتشبث بمظهرات الشباب من لبس وأسلوب حياة يشمل المشي واللبس والأكل والكلام، فإنك لن تستطيع تمرير هذه الحيل على أسرتيك الصغيرة والكبيرة وعلى نفسك بالطبع، وإن كنت تنال بعض نصيبك من التدليل في الأسرة الكبيرة، فإنك مهما تقدم بك العمر فلن تكبر في نظر والديك (بمعناها القريب) وأحياناً من باب (القرد في عين أمو غزال)

ولكن ما لا يمكنك مغالطته بأي حال، هو واقعك في الأسرة التي أنت ربها والمسؤول فيها عن زوجة وأطفال، فبعد كل ما سقته من مقدمات أجدني مضطراً للاعتراف بأن (الزمن سرقني)، وأنا ما زلت أفكر وأخطط وأحلل وأدلل، باعتبار أن عمري متوقف في محطة (التسعطاشر سنة)، ولكن نكزة صغيرة من متاب معتصم أحمد محمد الحسن عبدالكريم، وهذا هو اسمي الرباعي في الأوراق الثبوتية وليس (معتصم الشعدينابي)، أفقدتني بعض صوابي وأعادت إلي بعضه الآخر.

الخمسة الأعوام قد مرَّتْ

نعم أخبرتني متاب بأن الخمسة الأعوام قد مرَّتْ، وأنه قد حان وقت تخرجها من (الروضة)، وأنا ما زلت أذكر الأيام الأربعة التي قضيتها بروضة نادي الشعديناب أو نادي النصر بالشعديناب في العام (…………….19)، ويخيَّل إليَّ أنها ستعود، ولكن هيهات.

ومازلت أذكر الكثير من تفاصيل المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وأذكر طلاب الدفعة، ولكني أذكر (طشاش طشاش) المرحلة الثانوية والجامعية بدرجة أقل طشاشاً، وطشاش الجامعة بحمد الله أزاله (الواتساب) إلى حد ما فأعاد لنا الأسماء والأشكال والصور واجتهدنا معه بالتعاون على تذكر الأحداث الغريبة والطريفة طبعاً.

واسمحوا لي هنا أن أُحيي دفعت في مدرسة الشاعديناب الابتدائية (بنين طبعاً) فرداً فرداً، ولن أذكر أسماء بالطبع (ماتشيلو هم) ودفعة شيخ مجذوب المتوسطة، التي عرفت بالتميز، وأعني المدرسة وليست دفعتنا التي حظيت من التميز بنصيب.

أخرجتني متاب

ولا أنسى دفعة الدامر الثانوية وقبلها عطبرة الصناعية التي قضيت بها 45 يوماً قبل أن أتحول للدامر الثانوية، وبما أني وجدت مساحة في هذا الزمن الذي سيطرت فيه فئات معينة على المنابر، فأكرر الثناء لكل الدفعات التي زاملتها (بدون ذكر تواريخ) ومنها مجموعة (أصدقاء المرحوم صديق الجعلي) بجامعة السودان، ويمتد الشكر طالما أن هناك متسعاً لكل (القروبات) التي أشارك فيها في (فيسبوك) و(واتساب).

وهذا يدل على أنه كلما تقدم بك العمر تضيق سعة الذاكرة لديك وتضطر لاستبدال بعض البيانات بأخرى، ولكن دائماً يكون المتساقط من المعلومات والبيانات ما أدخل حديثاً لأن بيانات الطفولة لا يمكن التعدي عليها لأنها في مكان (غريق من الذاكرة).

عموماً تخرجت متاب وأخرجتني من مرحلة الانصغار التي كنت أتوارى فيها، وكشفتني أمام أعداء وأصدقاء وزملاء كثر لا داعي لحصرهم.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. مقال جميل يعكس جمال دواخلك أخي معتصم قرأت سطورك وكانت أخاف أن ينفلت مني سطر دون أن أقرأه حفظك الله وحفظ الله متاب وجعل الخير فيها وفيك وفي إسرتك الصغيرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..

  2. أنا عمري 55 ولكن عندما يحترمني الشباب وينادوني بعمو أو يفسحوا لي في مجلس لا أعتبرهم يفعلون ذلك شفقة علي لكبر السن أو الوهن الذي يبدو علي ولكني أنظر لذلك من زاويتهم التي مررت بها من قبل عندما ينتابك الشعور بأنك لست في مقامه وقد يكون له ولد في عمرك وهذا التعامل مع الشباب مما يبعث على السعادة والشعور بالقيمة ولا ينتاب المرء الشعور بتقدم العمر إلا عندما يخلو بنفسه متأملا تبدل ملامحه وخاصة الشيبة التي تبدو وكأنها تظهر فجأة دون تدرج وذلك بانشغال الشخص في خضم الحياة ولا يرى شيبته حتى تكتمل (الصورة الجديدة).

  3. الأخوة الاعزاء (سكران لط)، و الازهري، والحنين، وعمار، لكم الشكر … هو ليس كلام حناكيش بالطبع … وانما فرفرة واضحة وهي كما قلتم أزمة منتصف العمر … لكن كل مافي الأمر هو احساس انتابني في لحظة وعبرت عنه كما كان .. واعترفت بالكبر واطالب الآخرين بالاعتراف .. شكرا لكم

  4. الأخوة الاعزاء (سكران لط)، و الازهري، والحنين، وعمار، لكم الشكر … هو ليس كلام حناكيش بالطبع … وانما فرفرة واضحة وهي كما قلتم أزمة منتصف العمر … لكن كل مافي الأمر هو احساس انتابني في لحظة وعبرت عنه كما كان .. واعترفت بالكبر واطالب الآخرين بالاعتراف .. شكرا لكم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..