فجر عزرائيل

? الحياة جميلة من حيث المبدأ، جديرة في حد ذاتها بالعيش، لكن التجربة الانسانية المتراكمة تقول في مجملها أنه لا يكون ثمة طريق أو طريقة إليها في أحايين كثيرة، إلا ركوب ضدها (الموت) والتعايش معه كواحد من عناصرها وحقائقها وموجباتها المهمة.
? وينطبق على سوداننا الحبيب الذي لا يزال فداؤه النفوس ما ينطبق على الحياة، وكان الود، لكننا فشلنا حتى إشعار آخر، أن نجعل كوكب الأرض والحياة هذا مكانا آمنا وجاذبا ومريحا لكل سكانه، وكان الود، لكننا فشلنا حتى إشعار آخر، أن يكون هذا الوطن آمنا وجاذبا ومريحا لكل أبنائه.
? تأخر الفجر السوداني كثيرا، ما في ذلك شك، ولا يتمتع أغلب السودانيين الآن، إن لم يكن كلهم، بالحد الأدنى من الطمأنينة أو كفاف العيش أو الحرية، أو حتى مجرد العشم في غدٍ لا تحيط به المخاوف والهواجس والظنون السوء.
? هذه حقيقة لن يفيد إزائها أن نقول للناس أن ثمة فجر سوف يأتي قريبا لأن معظمهم لا يملك الوقود النفسي والعملي الذي يعبر به نحو هذا القريب، على أن السودانيين ينفذون آحادا وزرافات، الآن وأمس وغدا، إلى فجر لاشك أنه أفضل وأرحب، لا سيما لمن صدق منهم.
? منهم من ينفذ إليه كرها ً لطيفاً ومنهم من ينفذ إليه طوعا ً أكثرلطفا، ومنهم من ينتظره ويتوخاه، ومنهم من يتحرق شوقا إليه ولا يجد إليه سبيلا.
? ذلكم هو فجر عزرائيل. وليست هذه دعوة لمحبة الموت ولا تسويق للزهد في الحياة بقدر ما هو توصيف دقيق للحالة السودانية كما يعيشيها أهلها وأسياد جلدها ورأسها.
? على العكس تماما. فإن هذه هي حالة الحري بأن يصنع التغيير الإيجابي العزيز في حياة الناس. فمثلما يشكل المسلح الذي لا يخاف الموت خطورة قصوى على حياة الآخرين. فإن الأعزل الذي يتحرق شوقا إلى الموت يجسد أعظم الأمل في تطوير حياته وحياة الآخرين وتغييرها إلى الأفضل.
? لأنه أحرى الناس بأن يعبر بنا ويجسّر لنا الفجوة التي يحول بيننا وبين تجسيرها وعبورها حب الحياة وكراهية الموت.
? وهي حالة يكفي تحققها في مجموعة قليلة من الناس فما بالك بها وهي تتحقق الان في ملايين الانفس السودانية المقدسة ؟
? ولعمرك فإنها أحسن “حتة” يمكن أن يجد فيها المرء نفسه، ولا يوجد مثلها عزة وقوة وسؤددا وفخارا. فهنيئا لنا معشر السودانيين بها.
? وبالمقابل، فإن أسوأ “حتة” يمكن أن يضع فيها البعض شخصا ما هي أن يجعلوا من لحظة أو فكرة موته خلاصا وانتصافا راجحا للملايين من المصابين والمغبونين.
? وشئنا أم أبينا فإن السيد عمر حسن احمد البشير “مختوت” في هكذا “حتة” من قبل ثلة من النفعيين والانتهازيين وقصار الضمير والنظر.
? ذلك لأن استمرار وجوده في سدة الحكم طيلة هذا الوقت لم يقترن لدى ملايين السودانيين إلا بما سلف إيراده من الأدواء والمشاكل التي قال فيها أبو الطيب: كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا.
? ولا “ينقذ” السيد البشير من هذه الحتة إلا واحد من 3 خيارات لا يبدو أنه يمتلك شجاعة تكفيه لمجازفة أحدها : هي التنحي أو المثول أمام المحكمة الجنائية أو الموت طوعا أو كرهاً.
? لا يبدو البشير شجاعا بما يكفي لأن يتنحى مثله مثل مبارك أو بن علي أو على عبد الله صالح .
? ولا يبدو شجاعا لدرجة أن يمثل طواعية أمام المحكمة الجنائية الدولية مثل الرئيس الكيني وقادة الحركات المسلحة.
? ولا تبدو فكرة التصالح مع لحظة الموت التي انتظمت ملايين السودانيين جراء سياساته “الفقرية” الرعناء وحروباته الأهلية الخرقاء قد أخذت طريقها إلى عقله بعد.
? بيد أن هذا المخرج الأخير لن ينتظر قرارا منه أو من جوقة المنتفعين والانتهازيين من حوله وعندها “سيتمتع” البشير بصفة أول رئيس سوداني بعد الاستقلال “يقضي نحبه” وهو على سدة الحكم.
? وليست هذه هي المفارقة أو المأساة. المفارقة والمأساة الانسانية الحقيقية أن يشكل موت شخص ما – أي شخص- فجرا وخلاصا وفألا لملايين رماهم حرصه على سلطة وحياة لم يحسن التصرف فيهما في غياهب المساغب وهوات الهلاك.
? ولله في خلقه وفي موتهم وحياتهم حكم وعبر وعظات.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..