مقالات وآراء سياسية

السياسة المصرية تجاه السودان : احتواء أم دعم مشروط؟

زهير عثمان حمد

 

لا يمكن فصل الموقف المصري من الأزمة السودانية عن سياق أوسع من المصالح الإقليمية والاستراتيجية التي تحكم علاقات القاهرة بالخرطوم. فمنذ اندلاع الصراع ، بدأت مصر وكأنها تتعامل مع السودان باعتباره امتدادًا جيوسياسيًا يجب ضبطه ضمن رؤية مصرية لا تتقبل التحولات السياسية التي قد تخرج عن السيطرة أو تفرز واقعًا جديدًا لا يخدم مصالحها.

 

الأسباب الجيوسياسية والاستراتيجية

تعود جذور التوجُّه المصري إلى عوامل تاريخية وجيوسياسية متشابكة. فالسودان يشكل حاجزًا أمنيًا جنوبيًا لمصر ، خاصة مع امتداد الحدود المشتركة لـ1,276 كم، والتي تخشى القاهرة من أن تتحول إلى ممر لأزمات إنسانية أو أمنية في حال تفاقم الصراع. كما أن العلاقة الوثيقة بين نهر النيل ومصير البلدين تجعل من السودان شريكًا محوريًا في ملف سد النهضة الإثيوبي ، حيث تسعى مصر لضمان عدم انحياز الخرطوم إلى أديس أبابا ، وهو ما يفسر حرصها على تعزيز التحالف مع النخبة العسكرية الحاكمة في السودان.

 

تصريحات الوزير عبد العاطي: رفض التعددية السياسية

تصريحات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي برفض تشكيل أي حكومة موازية في السودان تكرّس هذا المنحى ؛ إذ إنها تعكس حرص القاهرة على إبقاء السودان تحت الإطار الحكومي القائم ، رغم أنه لا يعبّر عن التوافق الوطني بقدر ما يعبر عن مخرجات الحرب. هذا الموقف ، الذي جاء خلال الاجتماع الأول لآلية التشاور السياسي بين مصر والسودان منذ سبع سنوات ، يطرح تساؤلات حول الدور الذي تسعى القاهرة للعبه في تحديد مستقبل الحكم بالسودان. خلف هذا الرفض مخاوف مصرية من صعود قوى سياسية جديدة قد تعيد إنتاج نموذج “حكم الإخوان المسلمين” – كما حدث في السودان خلال حكم عمر البشير – أو تفتح الباب لتدخلات إقليمية منافسة (كتركيا أو قطر) ، ما يهدد النفوذ المصري.

 

بين إعادة الإعمار والمصالح الاقتصادية

البيان المشترك الصادر عقب الاجتماع يضع “إعادة الإعمار” كأحد محاور التعاون بين البلدين وهو طرح يحمل أبعادًا اقتصادية تتجاوز مجرد الدعم الإنساني. فالحديث عن تشكيل فريق مشترك لدراسة التجارب الدولية في إعادة الإعمار ، وتعزيز الاستثمارات المصرية في السودان ، يعكس توجهًا مصريًا للاستفادة من الوضع الراهن لتعزيز نفوذها الاقتصادي ، وهو ما ظهر في ملتقى رجال الأعمال المصري السوداني الذي انعقد بالقاهرة.

 

لكن هذه المساهمة المصرية في إعادة الإعمار تأتي مشروطة بقبول الحكومة السودانية الحالية دون السماح بأي أطر سياسية أخرى قد تتعارض مع هذا التوجه. وهو ما يفسر سعي مصر لإعاقة أي ترتيبات سياسية بديلة مثل تلك التي كانت تُناقش في نيروبي لتشكيل تحالف سياسي يضم القوى غير المنخرطة في الحرب. خلف هذا الشرط رغبة مصرية في تحويل السودان إلى سوق مفتوح للشركات المصرية (خاصة في قطاعات البناء والطاقة) ، وهو ما تحقق جزئيًا عبر اتفاقيات استثمارية بلغت قيمتها مليارات الدولارات قبل الحرب.

 

الرهان على الجيش وإقصاء الحلول السياسية

من الواضح أن مصر تراهن بشكل كامل على بقاء المؤسسة العسكرية كفاعل رئيسي وحيد في المشهد السوداني ، وهو ما أكده وزير الخارجية السوداني في المؤتمر الصحفي حين قال إن “الحرب في السودان لن تنتهي إلا بانتصار القوات المسلحة”. هذا التصريح يعكس رؤية متماهية مع الموقف المصري ، الذي طالما اعتبر أن الحفاظ على الجيش السوداني كقوة مهيمنة هو الضمان الأساسي لاستقرار السودان وفق الرؤية المصرية.

 

خلف هذا الرهان أسباب متعددة:

 

التجربة التاريخية: اعتادت مصر التعامل مع المؤسسة العسكرية السودانية كطرف موثوق به منذ عهد جعفر النميري ، ما عزز قناعة بأن الجيش هو الضامن الوحيد لعدم انزلاق السودان إلى الفوضى.

 

مواجهة الإسلام السياسي: تُنظر إلى القوى المدنية ، خاصة ذات الخلفية الإسلامية ، كتهديد محتمل للأمن القومي المصري ، خاصة بعد تجربة حكم الإخوان في  مصر (2012م – 2013م).

 

الحفاظ على التحالفات الإقليمية: يُمكِّن دعم الجيش السوداني مصر من توحيد المواقف مع حلفائها التقليديين (مثل السعودية والإمارات) ، الذين يشاركونها التوجس من التغيير السياسي الجذري في المنطقة.

 

القضايا الإقليمية: البحر الأحمر والمياه كأوراق ضغط

الملفات الأخرى التي ناقشها الاجتماع ، مثل أمن البحر الأحمر والحقوق المائية ، تكشف عن حرص مصر على تأمين مصالحها الإقليمية من خلال السودان. فالتأكيد على رفض التدخل الأجنبي في البحر الأحمر ، والسعي لحشد الدعم لموقف مشترك بشأن سد النهضة ، يوضح كيف أن مصر ترى السودان كحليف ينبغي ضبط مواقفه بما يخدم الاستراتيجية المصرية ، لا كشريك متكافئ.

 

البحر الأحمر: تسعى مصر لتعزيز وجودها في هذا الممر الاستراتيجي ، خاصة مع تنافس تركيا والإمارات على النفوذ فيه.

 

سد النهضة: يحتاج الموقف المصري إلى دعم سوداني لمواجهة الموقف الإثيوبي ، وهو ما يجعل مصر حريصة على ألا تتنازل الخرطوم عن مطالبها التاريخية في تقاسم مياه النيل.

 

خاتمة: شراكة أم احتواء؟

الطرح السياسي المصري في قضايا السودان يبدو ، في جوهره ، محاولة لاحتواء السودان كأرض وثروة ، وليس دعماً خالصًا لتحقيق الاستقرار وفق إرادة السودانيين أنفسهم. فبينما تتحدث مصر عن الحفاظ على وحدة السودان واستقراره ، فإن مواقفها العملية تعكس سياسة تهدف لضمان عدم خروج السودان عن النفوذ المصري ، ولو كان ذلك على حساب حلول سياسية أكثر شمولًا واستدامة.

 

إن معالجة الأزمة السودانية تتطلب مقاربة أكثر توازنًا تأخذ في الاعتبار تعقيدات المشهد السوداني ، بدلًا من فرض رؤى خارجية قد لا تعكس المصالح الحقيقية للشعب السوداني. ومع ذلك ، يبدو أن مصر ، في سعيها لموازنة مخاوفها الأمنية والاقتصادية ، تفضل “استقرارًا هشًا” تحت سيطرة الجيش على مخاطرة التحول الديمقراطي الذي قد يفتح الباب لقوى تعتبرها معادية.

 

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. السودان بالنسبة لمصر هو الفرق بين الحياة والموت ، مصر تسرق مياها مقدارها 86 مليار متر مكعب من المياه مجانا حلالا بلالا ،، مصر تسرق 6مليار متر مكعب من الطمي اانظيف وبدون هذا الطمي لن يسطيع انتاج كيلو واحد من الخيار ،، مصر تسرق اكثر من مليار كيلوجرام من الاسماك ، ووو ورغم ذلك تسرق وتسنولي علي اراضي سودانية في شمال حلفا مساحتها الفين وثلاثمائة كيلومتر مربع (مثلث اشكيت ارقين ادندان) مصر سرقت اراضي،في شمال شرق السودان مثلث حلايب بير شلاتين ،تعادل مساحتها مساحة دول الخليج العربي ،،،ووووووو مصر لن تستطيع العيش والجياة دون اراضي السودان ولن تسمح اطلاقا بوجود حكومة علي راس السودان بدون موافقتها بل هي التي تشكل تلك الحكومات منذ عبود ونميري والبشير والبرهان ، مصر لن تترك السودان يحكمها مجموعة يعبثون بامنها وحياتها ومستقبل شعبها ،، مصر لا تهمها الشعب السوداني الامي الجاهل الذي يصدق بان الاشجار تزغرد والقرود تهلل وتكبر باسم الله ،، مصر تريد للسودان الدمار الكامل والسحق الذي يسمح بمصر تعيش 50عاما على الاقل بدون ان يزعجها سوداني واحد ، وبعد الخمسين سنة ستفكر في تدميرها مرة اخري ويزحف الشعب السودان علي ركبتيه ويعيش علي فتات ترميها الحكومة المصري من نفس الثروات المسروقة والمنهوبة من ارض السودان ،ولو لم يكن هناك كيزان وجنجويد لاخترعت مصر غيرهما

  2. )( أن مصر ترى السودان كحليف ينبغي ضبط مواقفه بما يخدم الاستراتيجية المصرية ، لا كشريك متكافئ.)> ;كلام سليم والعيب فينا

  3. ( البحر الأحمر: تسعى مصر لتعزيز وجودها في هذا الممر الاستراتيجي ، خاصة مع تنافس تركيا والإمارات على النفوذ فيه) اين نحن من هذا لماذا لا نستغل التنافس لصالحنا. وكل الدول تسنغل اي ظرف لمصالحها بل احيانا تلم الدول تخلق الظروف لتستغل ثروات الدول التي يحكمها ساسة فاشلين لا يعرفون منى الوطن.

  4. ( سد النهضة: يحتاج الموقف المصري إلى دعم سوداني لمواجهة الموقف الإثيوبي ، وهو ما يجعل مصر حريصة على ألا تتنازل الخرطوم عن مطالبها التاريخية في تقاسم مياه النيل.) اين كانت مصالحنا قبل سد النهضة هل مصر اصرت ان ندافع عن حقنا في المياء.

  5. (الطرح السياسي المصري في قضايا السودان يبدو ، في جوهره ، محاولة لاحتواء السودان كأرض وثروة ، وليس دعماً خالصًا لتحقيق الاستقرار وفق إرادة السودانيين أنفسهم. فبينما تتحدث مصر عن الحفاظ على وحدة السودان واستقراره ، فإن مواقفها العملية تعكس سياسة تهدف لضمان عدم خروج السودان عن النفوذ المصري ، ولو كان ذلك على حساب حلول سياسية أكثر شمولًا واستدامة.) ليت السودانيين ينتبهون ويوقفوا كل اطماع الدول. طبعا لاننا الحلقة الاضعف.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..