تدفق الذهب على “دارفور” يجلب التقاتل بين القبائل

الغارديان ـ ترجمة: مايسة سلامة الناجي

في غرب السودان وسط أرياف “دارفور” بطرقها الغير ممهدة، والأكواخ المصنوعة من الطوب الممتدة على طول الطريق، توجد منطقة “جبل عامر”، وهي منطقة مقفرة وشديد الفقر، كما تبدو، لكن تحت أرضها يوجد معدن الذهب.

وخلال العام الماضي، بدأ هذه المعدن الثمين يغير من طبيعة الصراع الحاصل في منطقة “دارفور” منذ عشر سنوات، أو على الأقل جزء من المنطقة، ليحوله من قتال عرقي سياسي إلى قتال حول امتلاك الذهب.

اقتتال من أجل الذهب

وأسفر القتال بين القبائل المتناحرة ب”جبل عامر” على مناجم الذهب الممتدة لنحو ستة أميال، عن مصرع أكثر من 800 شخص، وتشريد 150 ألف آخرين منذ يناير الماضي. ووجهت تلك القبائل العربية التي سلحتها الحكومة سابقا لمساعدتها على قمع المتمردين بنادقها في وجه بعضها البعض لتستولي على المناجم، كما انضمت إليهم جماعات الثوريين التي كانت تعارض الحكومة في الحرب على المعدن النفيس.

ووفقا للتقرير المفصل الأخير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة “بان كيمون” في مجلس الأمن، فإن عدد القتلى في حرب القبائل على مناجم الذهب هو أكثر من ضعف عدد جميع الذي قتلوا خلال الحرب بين المتمردين والجيش والقبائل حول استقلال “دارفور” عام 2012.

وحتى العام الماضي، كان الصراع في “دارفور” مقسما بين الحكومة وميليشيات القبائل وثلاث جماعات متمردة، بينما حولت الحرب في “جبل عامر” في الوقت الراهن التقسيم وسط القبائل العربية نفسها، لتنقلب ضد بعضها البعض. لكن جهود السلام الدولية لا زالت تركز على تهدئة الجماعات المتمردة، وجعلها تستسلم للحكومة طبقا لصفقة “الخرطوم” التي وقعت مع اثنين من الجماعات المنشقة عام 2011.

“دارفور” ـ الصراع والأزمة والاستقلال

بدأ الصراع في “دارفور” بين الرعاة الأفارقة والرعاة العرب من البدو أصحاب المواشي، حول أحقية الملكية ورغبة كل طرف في الحصول على الأرض. ونما الصراع إلى ما وصفته الخارجية الأمريكية بالإبادة الجماعية، حين بدأت الحكومة برعاية الميلشيات العربية في قمع ومحو الثوار المتمردين الأفارقة.

وأسفر القتال في دارفور، في نهاية الأمر، والذي امتد منذ عام 2003، إلى مقتل أكثر من 200 ألف شخص، وإجبار حوالي مليوني شخص على الخروج من منازلهم، وفقا لجمعية حقوق الإنسان وتقارير الأمم المتحدة. وفي عام 2009، وجهت المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني، “عمر البشير”، تهمة بارتكاب جرائم حرب من جراء الدور الذي لعبه في تحفيز العنف والتسليح، تهم رد عليها بالرفض.

وقد تجدد العنف المتجذر في السودان في الآونة الأخيرة، بعد أن فقدت الحكومة السودانية جزءا كبيرا من أراضيها الجنوبية قبل عامين، حين انفصل جنوب السودان عن باقي الدولة في عام 2011. وعلى إثر الانفصال فقدت الدولة السودانية معظم إنتاجاتها النفطية التي تبلغ قيمتها نحو 4.4 بلايين پاوندز بريطانية، مما أدى بالاقتصاد إلى انكسار شامل وأزمة حادة.

ولتغطية النقص الذي حصل من غياب عائدات النفط، شجعت الحكومة السودانية المواطنين على التنقيب عن الذهب. وأصبح نصف مليون من السكان يشتغلون كعمال مناجم، يجوبون “دارفور” وشمال البلاد بكاشفات المعادن الثقيلة، وفقا لوزارة المعادن.

وساعدت ثورة الذهب هذه على زيادة الإنتاج بنسبة %50 مقارنة بالعام الماضي، بارتفاع 50 طنا من المستخرجات، مما يجعل السودان ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا وفقا لبيانات رسمية وتقديرات الخبراء. وأصبحت صادرات الذهب شريان الاقتصاد السوداني، حيث وفرت الحكومة 2.2 بليون دولار في العام الماضي، والتي تشكلها أكثر من %60 من عائدات صادرات الذهب.

وأفادت مصادر بأن ربع الإنتاج السنوي من الذهب يتم تهريبه إلى الخارج، مما يعني فقدان الحكومة لمبلغ يصل إلى 700 مليون دولار خلال العام الماضي.

تهريب الذهب.. كيف وإلى أين؟

في صبيحة أحد أيام يناير، توجهت العشرات من سيارات “لاند كروزر” إلى بلدة “آل الشريف” بالقرب من “جبل عامر” منجم الذهب. جهز الرجال أنفسهم وعتادهم، واصطفوا وراء المدافع الرشاشة، وصفوا قذائف “الهاون”، وبدأ إطلاق الرصاص.

يقول “فاتح”، عامل اختبأ في منزله عند بدأ الهجوم: “رأيت 30 سيارة، جاؤوا من جميع الجهات وأخذوا يطلقون النار عشوائيا على المنازل. يضربون النساء والأطفال وحتى الماشية، وكل ما رصدته أسلحتهم”.

وقال سكان “دارفور” إنه على مدى العامين الماضيين، وصلت فرق من عصابات التنقيب على الذهب من “التشاد” ومن جمهورية “أفريقيا الوسطى”، وحتى من دول غرب أفريقيا البعيدة مثل “نيجيريا” و”النيجر” المجاورة، لكي يتم تهريب الذهب عبر بعض الوسطاء على الجانب الآخر من الحدود التشادية. وهناك منهم من يذهب به إلى العاصمة “نجامينا” حيث يتم تحميله مخبأ في الأمتعة وبضائع البريد السريع عبر الرحلات الجوية التجارية، ثم يصل إلى المقصد النهائي، وهو في أغلب الأحيان إمارة “دبي”: سوق الذهب الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط.

ويتم تهريب بعض الذهب إلى “الكاميرون”، حيث يصدر ويشحن إلى أسواق الذهب في الهند و الصين.

ومنذ بداية صراع العصابات حول الذهب، تدهور الأمن في منطقة “دارفور” بشكل مهول، ورتفعت حدة عمليات الاختطاف والسرقات من قبل المليشيات العربية منذ منتصف عام 2012، مما أدى إلى توقيف برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة من أن يصل إلى العديد من المناطق الفقيرة، كما عطل مشاريع تنموية مدعومة من طرف بعض الجمعيات الإنسانية، والتي كانت قد قدمت في شهر أبريل لتطوير المنطقة ما يقارب واحد بليون دولار.
هيس بريس

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..