الحمير من وسيلة مواصلات أصبحت لحم يباع بستين ألف الكيلو

المظاهر الكاذبة التي أشار إليها صلاح بكثرة المستشفيات والجامعات وطرق الإسفلت والعمارات الفارهة وبصفة خاصة ما اسماها المليون عربة في الخرطوم وهى التي لم يعرفها أو يشهدها السودان في فترة الاستعمار هل هي دليل إدانة أم تقدم للحكم الوطني.
فما أغفله الأخ صلاح انه يقارن خرطوم اليوم بخرطوم الانجليز فخرطوم الانجليز لم تتعدى الأحياء التقليدية في الخرطوم العاصمة التي يرجع تاريخها لمئات السنين والمتمركزة حول النيلين الأبيض والأزرق لم يكن عدد سكانها يبلغ نصف مليون نسمة والآن يتحدث صلاح عن مليون عربة في الخرطوم في عهد الحكم الوطني فهل هذا حقا مفخرة
ولكن ما لم يوضحه من أين ولماذا أتى كل هذا الكم من المواطنين للخرطوم وإذا صح ما تدعيه أو يدعيه الحكم الوطني إن تطورا ملموسا حدث لصالح المواطن فى تعليمه وعلاجه ومستوى معيشته بسبب هذه المظاهر الكاذبة فلماذا هجر مواطنو الأقاليم مناطقهم للخرطوم فكم منهم بقى في الولايات وكم منهم هجر السودان وللخارج وكم منهم يبحث عن طريق للهروب إذا كان حال المواطن أفضل مما كان عليه في عهد الانجليز.
وإذا كان في الخرطوم مليون عربة فهل لك أن تقول لنا كيف يتكدس الملايين يوميا حتى منتصف الليل في مواقف المواصلان بحثا عن الوسائل للعودة لمناطق سكنهم في الأطراف التي طوقت العاصمة وكم تتكلف أجرة عودتهم إن كانوا يملكون ذلك وكم مليون منهم يعودون راجلين وكم منهم لا يجدون مأوى وكم منهم أصبح متسولا في الطرقات بحثا عن قطعة رغيف وربما حبة دواء
وهل تعلم إن الانجليز وفروا خطوط الترام التي تغطى العاصمة دائريا في خطوط تربط كل العاصمة وبكلفة لا تتعدى قرش واحد مما يعنى إن الجنيه الواحد(قديم) يغطى تكلفة المواصلات لما يقرب شهرين بعد خصم (الجمعات) فهل كنت تشهد يا صلاح بعد الرابعة طهرا أي تكدس في الطرقات بحثا عن وسائل المواصلات
أما العاصمة فقد ربطها الانجليز مع الأقاليم بخطوط سكك حديدية تصل لكل عواصم المديريات وبأقل تكلفة ممكنة ببضعة جنيهات لا يقبلها المتسول اليوم واهم من هذا كله فان الأقاليم والولايات لم تكن طاردة بسبب ضيق العيش كما هو الحال الآن حتى يهاجر المواطن للخرطوم اذ لم يكن هناك ما يدفع المواطن ليهجر منطقته بحثا عن ملاذ له فئ الخرطوم وعن مخرج لأي جهة خارج السودان
فكيف إذن يكون حال البلد أفضل كما تدعى وهذا هو واقعه اليوم يؤكده تكدس أكثرية أهل السودان في الخرطوم مع أنها ليست ولاية منتجة بل كل الولايات تتمتع بإمكانات إنتاجية أفضل من الخرطوم ولكن انهيار الجنيه السوداني حطم قدرتها الإنتاجية فكيف للمواطن أن يبقى فيها ولم يعد ما حققه من عائد يفي بأي من احتياجاته
إذن لابد أن تقدم لنا إجابة شافية توضح لماذا لم يسير الحكم الوطني ليطور ما كان يتمتع به المواطن بدلا من ينتقص منه ويصادره لدرجة العدم تحت هذه المظاهر الخادعة حتى صدق في السودان مقولة(أغنى بلد وأفقر شعب) بلد اجمع العالم على انه مرشح ليكون سلة غذاء العالم فعجز في أن يكون سلة غذاء أهله
عفوا الأخ صلاح لماذا لا تنظر لما خلفته معاناة المواطن المعيشية من انهيار في قيم وأخلاقيات المجتمع وانتشار جرائم الاحتيال والاتجار فئ السلع القاتلة والأدوية الفاسدة وبيع لحم الحمير فان كنا ذلك الزمان شهدها وسيلة مواصلات فالحمير اليوم تذبح وتباع لحما بعد أن بلغ كيلو الضان ستين ألف جنيه وبعد أن سادت المجتمع ثقافة جني المال بأي وسيلة حتى لو كانت النهب المسلح بالقوة والعنف نهارا وعلى عينك يا تاجر ومن تكدس العطالة والحديث يطول عن نوع الجرائم الغريبة إلى لم يكن يشهدها السودان وكل هذا إن كنت لا تعلم يرجع للمعاناة التي طالت المواطن الغلبان في كل أوجه حياته
فهل كان هذا يحدث لو إن الحكم الوطني سار في درب الانجليز و أضاف للمواطن المزيد من الخدمات بالمجان وتوسيع ماعونها بدلا من أن يصادر ما كان يتمتع به وليخدعه تحت وهم المظاهر الكاذبة حتى يكون الاستقلال جديرا بان نفخر به ونحتفل به عن قناعة
سؤال أخير:
الانجليز الذين طردناهم وغادروا لبلدهم ترى لو إنهم فتحوا اليوم أبواب انجلترا لشعب السودان للدخول والإقامة ليستعمرونا في بلدهم طواعية فمن سيبقى منه غير القلة التي أثرت من فشل الحكم الوطني وغيرك أنت يا صلاح إن كنت من هذه القلة) ولى عودة
اعزيك استاذنا الفاضل الكريم النعمان واعزي نفسي وطوب الارض في رحيل الرجل الباسل والمهذب الكريم حيدر طه ولازلت اذكر جيدا خطوات مشيناها معا والنحت في الصخر ونافذة السودان ونشرة الاخوة الباقين وبؤرفواد وعمنا العقاد تغمده الله بواسع رحمته والراحل هاشم الرفاعي ومجاهد والفريق فتحي وود المامؤن واستاذنا فاروق ابوعيسي وبقية العقد الفريد من الذين حملوا الامانة في تلك الايام لك ودي وخالص التحايا .
اتمنى من الله العظيم رب العرش العظيم ان يعيد الاستعمار الانجليزي ونستعمر مدى الحياة