النداء الأخير

النداء الأخير
د. علي أحمد السيد المحامي
من الواضح أن المجتمع الدولي الذي سبق وأعد اتفاقية نيفاشا كان يقصد من ذلك فصل جنوب جنوب الشمال عن شماله، فلاقى هذا هوى عند الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بالرغم من أن الحركة ترى أن الانفصال لم يكن رغبتها إلا أن المؤتمر الوطني دفعها لذلك دفعاً بإصراره على الدولة الدينية وإعاقته طريق التحول الديمقراطي، ولم يعمل على أن يكون خيار الوحدة خياراً جاذباً ويرى المؤتمر الوطني أن الحركة عملت من يومها على الانفصال رغبة منها في ذلك، فبددت أموال البترول ولم تقم بأي عمل تنموي يجعل خياره الوحدة هو الأفضل، وانها رتبت للانفصال وذلك بتسليح جيشها وإقامة علاقات دولية وأممية بخلاف الاتفاقية وانها عبأت شعب جنوب السودان من أجل التصويت للانفصال وان المجتمع الدولي يؤيدها لتحقيق الانفصال، والحقيقة الكبرى التي يجب ألا تفوت على احد ان المجتمع الدولي خطط تماماً لفصل جنوب السودان وفقاً لاتفاقية نيفاشا التي تبدو في شكلها العام تميل لخيار الوحدة كخيار أمثل حيث نصت الاتفاقية على حق شعب جنوب السودان عند ممارسة حق تقرير المصير باستفتاء:-
أ / لتأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام الشامل والدستور.
ب / أو الانفصال
ونظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام هو ان يبقى الوضع كما هو عند التصويت لخيار الوحدة، حكومة قومية في الشمال وحكومة في جنوب السودان وبرلمان لجنوب السودان وبرلمان قومي في شمال السودان ورئيس للجمهورية إذ كان من جنوب السودان أن يكون نائبه من شمال السودان والعكس صحيح، على أن يظل تقسم الثروة على ما هو عليه الآن، وعند الوحدة تدمج قوات الحركة في القوات المسلحة وتكون لها عقيدة واحدة، وكان من المفترض أن يتم الاتفاق عليها أي على تلك العقيدة منذ زمن بنظام القوات المشتركة المدمجة وهذا لم يتم حتى الآن وهذا ما تعنيه مواد الدستور الانتقالي (69/1 و118/2 و145/1 و226/10) ويظل الدستور الانتقالي ساريا يحكم الفترة الانتقالية وما بعدها الى ان يوضع دستور جديد، والذي قد يخالف الاتفاقية وإن خالفها ما هو مصير الاتفاقية لأنه لا يوجد نص في الاتفاقية يحكم هذا الامر، هذا بالإضافة اذا ما اتيحت الحرية والديمقراطية لشعب السودان الموحد بعد تقرير المصير فإن امره لن يكون رهيناً لإرادة الحركة الشعبية ولا المؤتمر الوطني، فقد تأتي قوة سياسية أخرى لها رأي وقرار بشأن الدستور بعد الفترة الانتقالية مباشرة.
صحيح ان المؤتمر الوطني يسيطر على البرلمان الحالي بأغلبية ساحقة وهو القادر على إصدار دستور جديد بعد الفترة الانتقالية، فما الحال اذا أتى بدستور لا يروق الحركة الشعبية ولا يروق للقوى السياسية، أو لا يروق لهما معاً، الذي أعلمه أن المؤتمر الوطني لا يرغب في الوقت الحاضر في تعديل الدستور أو الإتيان بدستور جديد، إن أتت الأمور وفقا لرؤياه والذي أراه ان الأمور لن تأتي بما يروق المؤتمر الوطني الذي كان يرى اصطفاف القوى السياسية الشمالية إلى جانبه عند المفاصلة ليستقيم له الأمر وليشهد التاريخ أنه لم يفصل الجنوب لوحده وأن الجنوب انفصل بعد فشل كافة القوى السياسية في إثنائه عن ذلك إلا انه لم يفعل على ما يدعو القوى السياسية لذلك، بل سعت القوى السياسية بإشراكها في الأمر حتى لا يقع الانفصال إلا ان المؤتمر يريد اصطفافها على طريقته الخاصة، ولما فشل في ذلك عمد ثانيةً لجمع أحزابه الخاصة فيما يسمى بلجنة دعم الوحدة وإن أضاف إليها مرشد الطريقة الختمية مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بعد أن عجز في ضم الحزب الاتحادي لمجموعة أحزابه المصطنعة، وليس لهذه اللجنة فائدة تذكر، لأنها سوف تأتمر بأمر المؤتمر الوطني، وحتماً لم يكتب لها النجاح وهذا مؤشر لما بعد الانفصال.
القوي الخارجية
قلت إن المجتمع الدولي عمد عند صياغة الاتفاقية لفصل جنوب السودان عن شماله فجاءت نصوص الاتفاقية تحمل في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب فسكتت فيما يجب فيه الإفصاح عنه وأفصحت فيما هو مفهوم، وأوضحت ما هو واضح غير أنها تركت أموراً كثيرة جديرة بالتوضيح ومن الأهمية بمكان وأجلت مكامن الخلاف فيما بعد وأمسكت بيدها عن كل ما وعدت من مَن وأغلقت كل الصناديق التي وعدت بفتحها وأرسلت لنا منظماتها للتجسس وإثارة الفتن وأشعلت النار في دار فور أو زادتها اشتعالا، وكل ما تم الاتفاق مع فصيل مسلح في دارفور سلحت فصيلا آخر وهكذا الى يومنا هذا. ثم اتخذت من المحكمة الجنائية طريقاً آخر لزعزعت الاستقرار في السودان وذلك بتوقيف رأس الدولة، لم يكتفِ المجتمع الدولي بما قدمنا بل شجع المؤتمر الوطني للبقاء في الحكم فأمن على الانتخابات رغم علمه بتزويرها، وقال ذلك صراحة بحجة ضرورة إجراء الاستفتاء في مواعيده وقال المجتمع الدولي عن طريق ناطقه الرسمي الولايات المتحدة الاميركية إن تزوير الانتخابات من عدمه ليس مهما بل المهم هو الاستفتاء وهنا افصح المجتمع الدولي عن نيته الحقيقية من الانفصال فسمح بتزوير الانتخابات في مقابل إجراء الاستفتاء في جنوب السودان وفي ميعاده.
الواضح أن المجتمع الدولي في سبيل فصل جنوب السودان تناسى أو أجّل خلافاته فأصبح أكثر اتحاداً عما كان في السابق، فلا خلاف الآن بين أمريكا وأوربا والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا حيث أصبحوا ملة واحدة وحقاً أن أهل الكفر كلهم ملة واحدة، وفي الآونة الأخيرة استباح المجتمع الدولي سيادة السودان، وأخذت كل دولة من دول الاستكبار العالمي ترسل من حين الى آخر وفودها للسودان للتفتيش حيناً والحوار حيناً آخر، وتقديم المبادرات التي تقصد منها الانفصال السلس وليس عدم الانفصال بعد أن تؤكد أن الانفصال واقع لا محالة الى ان وصل بها الأمر بتقديم الحوافز من أجل الانفصال، وكذلك حوافز ما بعد الانفصال، وكلها حوافز كاذبة أشبه بتعهدات الدول المانحة وصناديق الأعمار التي تم اعتمادها عند توقيع الاتفاقية فذهبت إدارج الرياح فالذي لا يقبله عقل أن يساوم شخص على بتر جزء منه نظير مقابل وهمي أو غير وهمي.
المؤتمر الوطني الآن في حالة صفق شديد وصراعات قادته وخلافاتهم ومواقفهم متناقضة وعاجزة من إيقاف هذا التدخل الخارجي الفاضح، بعد أن أصبح أمر السودان مادة ثابتة لأجهزة الإعلام العالمية واصبح محل نشاط لدى أجهزة الاستخبارات العالمية، والمؤتمر الوطني يعاني من العزلة الداخلية من قبل القوى السياسية المعتبرة بالإضافة لانعدام المرجعية القادرة على إدارة الازمة، أصبح غير عابئ بما هو قائم ولما كان الدين النصيحة فإنني اقدم هذه النصيحة للمؤتمر الوطني لوجه الله ان الوطن فوق الجميع فوق الأحزاب وفوق المكايدات السياسية والشماتة، فلنلتقي على كلمة سواء ولنقر جميعاً بأن هاك خطرا واقعا لا محالة ولكن يمكن تفاديه او تفادي جزء منه فلنجلس معاً فوق الأرض قبل أن نرقد تحتها قريباً، ولنتفاكر دون استعلاء أو استكبار ودون تهديد أو وعيد أو ترغيب، ودون عنتريات لن تقتل ذبابة فالوهن والضعف والاضطراب واضح وضوح الشمس في يوم مشرق والحلقة تضيق يوماً بعد يوم والضغط الدولي يزداد شراسة ويرجع ذلك لضعف الجبهة الداخلية فإذا وحدنا جبهتنا الداخلية فإن كل مظاهر التدخل الخارجي سوف تقف عند حدها فتوحيد الجبهة الداخلية كمشروع قدمته قوى الاجماع الوطني فرفضها المؤتمر الوطني حينها، باعتبار أن الامر عرض لغرض، يقول توفيق الحكيم (ساءت علاقتي بالسادات قبيل حرب اكتوبر 1973م عندما أعلن في مجلس الشعب ما معناه أن الرؤيا غير واضحة أمامه، وثمة حالة من الضباب بما يخص مواجهة الموقف في أزمة الشرق الأوسط، فهو غير قادر على وضع خطة لمواجهة إسرائيل من ناحية ولمعالجة الوضع الداخلي من جهة ثانية فجاءني المفكرون يسألونني الرأي كيف نتصرف؟.
فقررنا أن نكتب له رسالة نقول فيها بما أنك تعيش حالة ضباب وعدم وضوح في الرؤيا فلماذا لا تستشير البلد؟. وقد قلنا له في نهاية الخطاب لا بد من حل سريع (لأن الغليان في باطن الإناء يهدأ إذا انكشف الغطاء) إن الشعب يريد أن يقتنع ولا بد لراحة باله من عرض حقائق الموقف أمامه واضحة من كل جوانبها وعليه أن يقدر وهذا يقتضي النظر في بعض الاجراءات التي تسير عليها الدولة وقد غضب السادات غضباً شديداً بسبب هذا البيان وفصل جميع من وقع على ذلك البيان ممن كان يعمل في مؤسسات الدولة ووضع معظمهم وآخرين في السجن بالرغم أن كل ما فعلوه هؤلاء هو مجرد النصح).
نعود فنقول إن الأمر ليس فيه غرض بقدر حفاظنا على الوطن موحداً أو منفصلاً بسلام، لما بعد الانفصال فلنلتقي جميعاً تحت سقف واحد دون عزل لأحد أو تهميش، لنتفق إما وحدة حقيقية يرتضيها الجميع أو انفصالاً دون عداء ولنتفق اتفاقاً واضحاً لما بعد النفصال حول المسائل التي وردت في في قانون الاستفتاء التي حواها المادة (67/3) وهي:-
1. الجنسية
2. العملة
3. الخدمة العامة
4. وضع الوحدات المشتركة المدمجة والأمن الوطني والمخابرات
5. الاتفاقيات الدولية
6. الاصول والديون
7. حقول النفط وانتاجه وترحيله
8. العقود والبيئة في حقول النفط
9. المياه
10. الملكية
11. أي مسائل اخري يتفق عليها الطرفان .
وأعني بالاتفاق اتفاقنا جميعاً حكومة ومعارضة وحركة، ولنتفق علي سودان ما بعد الانفصال والاعتماد على نصوص الدستور لا يفيد، فالدستور هذا كان عمل الحركة والمؤتمر الوطني وقد انفصل التوأم السيامي هذا فلا بد من ترميم الجسد الجديد شمالاً وجنوباً، حتى لا يصبح ذلك الجسد معاقاً مدى الحياة فلتفق اتفاقاً لا كاتفاقية نيفاشا دون تدخل أجنبي وليكون لهذا الاتفاق بنداً واحداً وهو كيف نحافظ على السودان متحداً أو منفصلاً.
الاحداث
راي سديد وموفق ادعو مجرمي المؤتمر الوطني للجلوس مع اهل البلد لارجاعها لاهلها بدل ان ياخذها منهم لصوص اخرين
نرجو من القائمين بالامر أن يكونوا على قدر المسئولية فالإنفصال واقع و ليس عيباً لكن العيب أن يضيع السودان شماله وجنوبه بعد الإنفصال ويبقى تحت إمرة الأجانب بدلاً من السودانيين شماليين أو جنوبيين
يجب أن تقوم كل القوى الساسية بنفرو واحدة لإنقاذ الوطن من شرور القوى الكبرى التي بتحث عن موطء قدم لحل مشاكلها الإقتصادية ولو بقتل الاخرين