أخبار السودان

حوار اللواء (م) الشيخ مصطفى المستشار بالمتحف الحربي : مايو كانت ثورة أصابها الاهتزاز «لمّا شالو منها العسكريين»

** اليوم الذكرى الـ48 لقيام ثورة مايو، التي خلفت منذ مجيئها وحتى رحيلها العديد من علامات الاستفهام، لجهة الفترة العصبية التي مرت بها البلاد، والتغييرات الأيدولجية لنظام مايو من المعسكر اليساري إلى اليميني، وما نتج جراءها من مفارقات. (آخر لحظة) جلست إلى سعادة اللواء الركن الشيخ مصطفى علي المستشار الحالي بالمتحف الحربي، وأحد ضباط الدفعة 18 الكلية الحربية، ومن الذين زاملوا الرئيس الراحل جعفر نميري قبل الانقلاب وبعده، ليحدثنا عن أسرار ثورة مايو ..

*ما علاقتك بـ(ثوار) مايو؟
علاقتي شخصية بالعقيد جعفر محمد نميري منذ تخرجي من الكلية الحربية وجدته قائداً بالقيادة الشرقية، وعملت معه بالجنوب لفترة عام ونصف، حتى عاد هو للخرطوم .
*هل كان نميري دكتاتوراً؟
شخصية جعفر نميري القيادية وانضباطه، والكاريزما القوية التي يمتاز بها، بجانب عفة يده ومحافظته على المال العام وحبه للبلد والجيش، وتقربه من الضباط والجنود وتلمسه لقضاياهم، جعل كل أفراد المؤسسة العسكرية يحبونه، ولذلك ارتبطنا به كقائد، ونحن العسكر لدينا عاطفة شديدة جداً، ونحب قادتنا وبنحاول نقلد القادة العظماء بالجيش علنا نضحى مثلهم، وافتكر نميري شخصية يجب أن تخلد، وهو يستحق الاحترام والتقدير .
*ما الأسباب التي عجلت بانقلاب مايو؟
أثناء التحاقنا للعمل بالقيادة الشرقية، كان الرئيس نميري في الإيقاف، قيد التحقيق جراء المحاولة الانقلابية التي يتزعمها الملازم خالد الكد في مطلع العام 1965.
* ما علاقة نميري بتلك المحاولة ؟
خالد الكد كان يضع في قائمته جعفر نميري رئيساً لوزارء حكومته، وبعد انكشاف محاولته الانقلابية وورد مسمى النميري ضمنها، تم إيقافه والتحقيق معه بشأنها، رئيس التحقيق آنذاك كان هو عمر الحاج موسى رحمه الله عليه، وهو الذي برأ جعفر نميري بعد استيثاقه بأنه لم يجتمع مطلقاً بالكد..
*لماذا أدرج نميري ضمن قائمة الكِد الانقلابية ؟
خالد الكد كان يرى أن نميري من الضباط المتميزين في الأداء والانضباط، ومن الذين يمكنهم قيادة الدولة إلى بر الأمان وهذا التنبؤ الذي أفضى به الكد أصبح حقيقة ماثلة بعد قيام ثورة مايو، أبرز ضباط الانقلاب هم الرشيد نور الدين والرشيد أبو شامة وعبادي وأخرون.
*هل كنت عضواً بتنظيم الضباط الأحرار؟
لم أكن مايوياً، أو من تجمع الضباط الأحرار، وما يجمعني بهم صداقتي القوية برئيس تجمع الضباط جعفر نميري الذي خدمت معه قبل مايو وبعدها.
*مايو كانت ثورة أم انقلاب؟
أنا أتجنب الحديث عن السياسة، لكن بفتكر أن مايو كانت ثورة بمعنى الكلمة، وما قدمته مايو كان غير مسبوق، لأن الفترة القصيرة التي أمضتها بالحكم استطاعت أن تحقق الكثير، «وإيجابياتها أكثر من سلبياتها .
*كيف كان تعامل نميري مع الوزارء ؟
نميري بعد وصوله الحكم مضى إلى اختيار أفضل الكفاءات بالمجالات المختلفة بالبلاد، ولايوجد شك بأن وزارء مايو كانوا «الكريدت» وسط بقية النخب السودانية الأخرى الموجودة، وللمعلومية «ماكان في زول بيقدر يتكلم في ديل» لنزاهتهم وعفة أياديهم وألسنتهم وتقاربهم في الأعمار، ما جعلهم في تناغم تام.
*كيف تقبل الشارع العام ثورة مايو؟
مايو حينما قامت الناس كانوا متشككين في هويتها، هل هي شيوعية أم قومية، لكن الذين كانوا يعرفون نميري جيداً كانوا متأكدين أن نميري غير شيوعي، ورجل قومي التفكير، ولاؤه للوطن والقوات المسلحة جعله في مأمن من التأثر بأي حزب سياسي، لذلك كان نميري محبوباً من الشعب، وهو مرعلى كل بقاع السودان على متن الدواب والجمال والعربات والطائرة والقطار، وهذا كان سر شعبيته التي خلفها وسط أبناء السودان كافة، أتذكر حينما حدثت الوحدة بين الجنوب، وتم توقيع اتفاقية أديس أبابا مع جوزيف لاقو، تدقفت الجماهير الهادرة إلى مطار الخرطوم وحملت العربة التي تقل نميري على الاكتاف.
* مايو بدأت حمراء شيوعية ثم تحولت في نهايتها إلى خضراء يمينية؟
اتفق مع هذه المقولة، لأن مايو في بدايتها وجدت مساندة قوية من الحزب الشيوعي، وأخيراً الشيوعي انقسم إلى قسمين، وبموجب ذلك خرج قادة من اللجنة المركزية للشيوعي وانضموا إلى مايو باعتبارها قامت لأجل مصلحة البلد، وأصبحوا وزراء في حكومتها، أمثال مرتضى أحمد إبراهيم وأحمد سليمان وكانوا من العباقرة، وأعلنوا انحيازهم لمايو، ثم التحق بها سياسيون أفذاذ كصلاح أحمد إبراهيم، وتبددت الشكوك في هويتها، وتيقن الناس بأن مايو تسير نحو القومية، وربطت الأحزاب جميعها، لكن الحزب الشيوعي تنكر لمايو، ووزراؤه أعلنوا انسلاخهم منها، لكن الثورة مضت باندفاع قوي جداً نحو الأمام.
*بعد قيام الثورة بعام واحد أبعد ثلاثة من ضباطها في تقديريك ماهي الأسباب؟
إبعادهم تم نتيجة التباين والاختلافات الشديدة في وجهات النظر فيما بينهم، والبقية لأن بعضم كانت لديه انتماءات سياسية، وآنذاك لم يعرف في المؤسسة العسكرية الانتماء السياسي للأحزاب، وأغلب منسوبي المؤسسة العسكرية من الضباط كانوا مستقلين، وكان لما يقولوا ليك الضباط دا شيوعي أو أخو مسلم، كان أمراً شبه نادر في تاريخ الجيش في ذلك الوقت.
* التصنيف السياسي لأولئك الضباط هل هو سبب إبعادهم من قائمة الضباط الأحرار؟
بدأت بعض معلومات اجتماعات الثورة تتسرب، وتذهب إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وتنظيم الضباط الأحرار شعر بأن هنالك ضباط من التنظيم على مستوى القيادة يقومون بتسريب المعلومات إلى الحزب الشيوعي، وكانت المحصلة أحالت الضباط بابكر النور وفاروق حمدنا الله وهاشم العطا من الوزارة، وإبعادهم من التنظيم رغم أنهم كانوا من الضباط المتميزين جداً، لكن ولاءهم السياسي للشيوعي كان المسيطر عليهم أكثر من الانتماء لتنظيم الضباط الأحرار.
* كان تسريحهم هو الشرارة الأولى المحركة لإنقلاب هاشم العطا؟
بالتاكيد كانت أقالتهم من التنظيم هي الباعث الأساسي لقيام هاشم العطا بمحاولته الانقلابية الفاشلة فقدت القوات المسلحة ضباط «ماساهلين» مثل بابكر النور الذي ينمتي إلى الدفعة (7) من الكلية الحربية ، وحمدنا لله من الضباط المتميزين، وهو من الدفعة العاشرة، وهو الذي قاد المواجهة مع القائد العام بجوبا، وهاشم العطا كان رجل صاحب أخلاق متميزة جداً، والثلاثة كانوا ضمن تنظيم الضباط الأحرار.
* كان هنالك تململ وسط الضباط خاصة بعد استلاء نميري على الحكم؟
لا أبداً، لم يكن هنالك أي نوع من التبرم من الضباط حيال الرئيس نميري، وإذا وجد ربما يكون بدافع البحث عن منصب لم ينله، وهي تندرج تحت الأطماع الشخصية لضباط قلة لم يجدوا مواقع كبيرة تعادل مواقعهم في تنظيم الضباط الأحرار، ولكن رغم هذا، القوات المسلحة كانت تقف بقوة خلف ثورة مايو.
*ما الفرق بين الانقلابات العسكرية التي مرت علي البلاد منذ انقلاب الفريق عبود مروراً بانقلاب النميري وانقلاب البشير؟
«شوف المؤسسة العسكرية دي ما بتستلم السلطة» إلا في حالة وجود خطر محدق بالبلد في أمنها وسلامة مواطنيها، وفي كل الحالات التنمية التي حدثت في عهد عبود لم تسبقها تنمية غيرها، وفي عهد نميري حدثت تنمية كبيرة في كافة المجالات، والتنمية التي حدثت في عهد الإنقاذ مشهودة للعيان، وسيأتي التاريخ ليذكرها مثل ذكره لعبود ونميري وكل العسكريين الذين استلموا السلطة لم يكن من بينهم أثرياء.
*هل ترى نجاحاً للحكومات العسكرية في محاور التنمية؟
معظم قادة الثوارات العسكرية بالبلاد كانت نظرتهم لقضايا البلاد من الزواية القومية وكانوا متجردين، ونفتكر أن الجيش قومي بمعنى الكلمة، ولهذا الذي يخرج من صلب القوات المسلحة يجب أن يكون قومي التفكير، والعمل والصفات التي يمتازون بها من الانضباط العام في حياتهم الخاصة والعامة.
*بم تمتاز تجربة نميري من غيرها تجارب الانقلابات الأخرى؟
الظروف التي حدثت في ظلها ثورة مايو كانت ظروف صعبة وبالغة التعقيد، لأن الثوارت التي سبقتها حدثت في ظل استقرار، والبلد كانت «بخيرها» أما مايو فكانت ثورة غير، ورغم هذا استطاعت أن تحقق التنمية المتوازنة بالبلاد.
أول عقبة واجهت نميري هي حرب الجنوب، لأنها كانت تستنزف الدخل القومي للبلاد، وكانت كل المنصرفات الخاصة بالقوات المسلحة توجه لشراء الدبابة والطائرة والطلقة والمدفع، ورغم هذا نميري نجح بدرجة كبيرة في إحداث تنمية بالبلاد، علاقة نميري إقليميا ودولياً مع رؤساء الدول كانت متميزة ونتيجة ذلك كانت تأتيه المساعدات من الخارج ووضعه كان أفضل.
*جهاز أمن مايو هل كان يدير مقاليد الأمور بالدولة؟
هذا الكلام غير صحيح، والجهاز أنشيء بعد قيام مايو بفترة ليست بالقصيرة، أنشأه مأمون عوض أبو زيد رحمة الله عليه، والعساكر «ديل منضبطين علشان كدة بيدهم الحكم» ولايوجد في التاريخ العسكري أن أحداً منهم قد إغتنى أو سرق، وأنظر لقادة مايو أمثال أبو القاسم محمد إبراهيم خرجوا من الحكومة «بسجم خشم» لم يكن لديهم ثروة أو عقارات غير المعاش، وناس حسن بشير نصر، وطلعت فريد «مرقوا ما عندهم أي حاجة»
* السعودية سلمت الرئيس نميري حوافز مادية حال تطبيقه للشريعة؟
هذا الكلام محض افتراء، والشريعة دي مافي «زول» عملها إلا جعفر نميري وهذه حقيقة لأن نميري كان رجل فارس.
*وما الذي دفع نميري إلى تطبيقها؟
تغيير نزعة الدولة وتوجهها نحو التدين كان سبباً لتطبيقه الشريعة .
لكن الراحل الترابي كان يقف خلف الكواليس …
الترابي في فترة سالوه عن الشريعة، قال نحن «لو قعدنا» عشرين سنة مامكن نستطيع إعلان تطبيقها، ونميري عندما اتخذ القرار «ما شاور زول « وقراره هذا سيظل في البلد دي إلى يوم القيامة
* ماذا تعرف عن الرئيس نميري؟
حينما كنت ضباط صغير خدمت مع نميري، وحينما أصبحت ضابط كبيربرتبة العقيد أيضاً عملت معه، يعني أنا ممكن أقرأ الأشياء المتعلقة بالنميري بوضوح، واتكلم فيها عن دراية ليس كذب، ونميري لديه ميزات عديدة، وهو لم يكن ميالاً لاقتناء المال، وكان بحب الجيش بصورة خيالية، وحينما وصل للحكومة أراد أن يقدم خدمات للبلد، لأنه هو زوجته بثينة اطال الله عمرها، لم يكن لديهم أبناء وأردا أن يخلد ذكراهم، والوزارء اللذين عينهم كانوا مثله «مافي راجل يقدر يهبش « المال العام، لأن القائد والأسد الكبير نميري حارس عرينه، وهو لم يمد يده للمال.
*هل صحيح أنه لم يمتلك منزلاً خاصاً به؟
هذه حقيقة طبعاً، وشيخ زايد حينما علم بأمره سلمه مالاً، حتى يشتري له منزلاً، وما كان من نميري إلا أن ابتاع منزلين بلندن، وسجلهما باسم حكومة السودان، وبعد أن قامت الانتفاضة وأتت مجموعة عمر عبد العاطي لأجل كنس آثار مايو ظنوا به السوء «ومشوا لندن علشان يشوفوا الحرامي الكبير نميري ودا القروش دي وين» فكانت الصدمة بالنسبة لهم من السفارة علموا بأمرها..
* الأسباب التي أدت الانتفاضة، هل كانت موضوعية برأيك؟
الزمان داك الناس ما كانت بتقرأ الأمور بطريقة صحيحة، والتسابق على السلطة والمكاسب الحزبية الضيقة جعلت التجمعات الحزبية تتجه إلى إسقاط مايو، وبفتكر أنهم نجحوا، ونحن كنا شهود على كل ذلك، لكن أفتكر أن أي واحد فيهم بكون ندمان .

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. لأن القائد والأسد الكبير نميري حارس عرينه، وهو لم يمد يده للمال. يعني الناس على دين ملوكها مقولة صحيحة ، إذا لماذا انتشر الفساد وسرقة المال العام؟؟؟

    لانهم كانوا على دين وتيدن الترابي وعمر البشير

  2. لأن القائد والأسد الكبير نميري حارس عرينه، وهو لم يمد يده للمال. يعني الناس على دين ملوكها مقولة صحيحة ، إذا لماذا انتشر الفساد وسرقة المال العام؟؟؟

    لانهم كانوا على دين وتيدن الترابي وعمر البشير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..