خليل فرح (3)

٭ ما زلنا في قراءة مقدمة ديوان خليل فرح الذي جمعه وحققه الأستاذ علي المك وذلك بمرور الذكرى الـ97 لرحيل خليل فرح فقد رحل بجسده في الثلاثين من يونيو عام 2391م وأصدر علي المك الديوان عام 7791م.
٭ قلت ان خليل فرح كان نموذجاً للمثقف الايجابي الذي تغنى لمعاني النضال السامي والحب العفيف والجمال الآخاذ في الطبيعة والبشر وعلي المك في مقدمة الديوان التي أسماها تواضعاً بكلام والسلام أفرد حيزاً لخليل في الحركة الوطنية قال فيه: «كان خليل فرح عضواً بجمعية الاتحاد السوداني التي تكونت عام 1291م في بيت محي الدين أبوسيف ومن أعضائها المؤسسين توفيق أحمد البكري وبشير عبد الرحمن وكلهم من طلاب كلية غردون عصرئذ واتصل بها خليل وكان هدف الجمعية وحدة وادي النيل ثم صار من أعضائها مدثر البوشي والأمين علي مدني وعبيد حاج الأمين وبابكر قباني وتوفيق صالح جبريل وغير هؤلاء.
٭ ولم يقف أعضاء الجمعية والمعتنقون لمبادئها عند هذا الحد بل نزلوا إلى الشارع مع الشعب يرفعون شعار شعب واحد نيل واحد دين واحد وهو المبدأ والشعار الذي يدين به أعضاؤها إلى اليوم وهو أيضاً الشعار الذي هزم به الاتحاديون الانجليز وهم في أوج جبرتهم ومعهم سدنتهم رغم السلطة والمال.
٭ ثم وبعد هذا الشعار نفسه احتلوا الأغلبية الساحقة من مقاعد أول برلمان سوداني.
وكانت الاجتماعات تتم منتظمة في خفاء خوف بطش السلطة الانجليزية وان بطشها لشديد وربما أشار إلى هذا خليل حيث قال:
خبى كاسك لا ينوبنا ناب
أصله خشم المركز ذئاب
نحن من الليث في جناب
ما بيصح تبريم الشناب
٭ والمعنى ظاهر ان الشرطة تتربص بشاربي الخمور «انظر الهوامش» غير ان المعنى قد يشير إلى تربص الشرطة عموماً وأخذها الوطنيين بالشدة ولعل الاجتماع في دار فوز كان أساساً لمثل هذا الغرض السياسي وان اتخذ سمة الندوة أو الجمعية الأدبية و«القعدات» وينفرد منا شخصان نعرف ما هدفهما انهما محي الدين جمال وتوفيق صالح جبريل من دعامات تلك الجمعية السرية «الاتحاد» وقد دأبا وكان مع بعض أعضاء آخرين يقومان بالصاق تلك المنشورات عند الغسق في أماكن عديدة بالمدينة.
٭ ومن بعد جمعية الاتحاد ظهرت جمعية اللواء الأبيض ويرى حسن نجيلة ان الجانب الثائر من أهل جمعية الاتحاد انضم للواء الأبيض بينما وقف الجناح الآخر موقف الصديق العاطف وان لم يشترك في حوادثها اشتراكاً ولك ان تراجع مثل «ماك غلطان والشرف الباذخ» وغير هاتين لترى ذلك واضحاً.
٭ إذن فقد كانت مشاركته أشعاره وألحانه التي أزكت الشعور الوطني بما كانت تحض عليه من حب الوطن وضرورة تعليم المرأة ..الخ ودوره كان أشبه شيء بما قام به الفنان سيد درويش في الأغنية المصرية إذ على يديه تم تحريرها من محبسها التركي المهجن بتراث عصور الانحطاط الفكري حتى سطحت مصرية صميمة متناولة حياة أبناء الشعب البسطاء وقضاياهم:
بلادي.. بلادي.. بلادي..
أنت حبي وفؤادي
أو
طلعت يا محلا دورها
شمس الشموسه
يلا بنا نملا ونحلب
لبن الجاموسه
٭وكان سيد درويش يستلهم ألحانه من مناضلي الحياة اليومية من العمال والصيادين ويتطلع لتلحين الأوبرا وكتب الأوبريت وربما تميز عنه خليل بكتابة الشعر وبوضوح الرؤية السياسية وشمولها إذ كان يؤمن بوحدة وادي النيل كله فإن كان اعلام وثوار 4291م هم قادتها السياسيون والعسكريون فإن خليل فرح هو الوجه الثقافي لتلك الثورة.
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة