المنوعات

ورطة الكاتب..!

«الكتابة هي انفتاح جرح ما»: فرانس كافكا..!
الفرق بين كتابة النص الأدبي وصناعة المقال يكمن في بعض التفاصيل الطريفة والعميقة في آنٍ معاً ..
فكتابة المقال حالة ذهنية أو عمل يومي من المَعيش، لا ينفصل فيه الكاتب عن واقعه، بل يظل يشرح ويفنِّد إشكاليات ذلك الواقع، ثم يقترح لها الحلول..!
أي أن تأثر الكاتب بواقعه وتأثيره في مجرياته هو أمر مرهون بالمعاصرة في مثل هذا النوع من الخلق، بينما النص الأدبي هو بوح مُشرع على عالم الخيال والتجريب.. فالخيال هو طفل النص الأدبي المدلل بينما هو عدو المقال اللدود .. والموضوعية التي تكون شرطاً لقبول القارئ لفكرة المقال هي ــ ذاتها ــ التي تجنح بقارئ النص الأدبي إلى الملل..!
الكتابة النخبوية ــ أو المعقدة ــ قد ترفع في كثير من الأحيان من شأن كاتب النص الأدبي فتجلسه على مقاعد الخلود مثلما فعلت رواية «الصخب والعنف» التي اعتبرها النقاد معجزة حققها خيال الروائي العظيم «وليم فولكنر» فاضطرإلى كتابة ملحق في طبعتها الجديدة يشرح فيه بعض غموضها! .. هنا رفع الغموض من شأن «فولكنر»، في الوقت الذي رفعت فيه البساطة من شأن «توفيق الحكيم» الذي حقق الخلود أيضاً لا بغموض مقالاته بل بأسلوبه السهل الممتنع ..!
الغموض في كتابة المقال جدار يفصل بين كاتبه وقارئه، بينما هو في النص الأدبي غلالة رقيقة منسدلة على جسد النص، لا تفسد رؤية القارئ لجمالياته بقدر ما تضفي عليه المزيد والمزيد من السحر..
النص الأدبي الذي يتغذى من وجود كاتبه يتخلَّق باعتباره كياناً مستقلاً منفصلاً عن كاتبه، لدرجة أن القارئ قد يحتفيبشخصية روائية أكثر من احتفائه بكاتبها، كما حدث مع شخصية «شيرلوك هولمز» التي خلقها خيال «السير آرثر كونان دويل» تلك الشخصية التي طغت شهرتها على شهرته ..!
و«دويل» هو أول كاتب في التاريخ نهشته الغيرة من شخصية صنعها خياله فاتخذ قراراً بموتها، عندها جاءته آلاف الرسائل – من قرائه الغاضبين الساخطين على فعلته – مطالبة إياه بأن يبعث «شيرلوك هولمز» إلى الحياة، فما كان منه إلا أن فعل ..!
وقد يكون إجماع الناس على عظمة كاتب النص الأدبي أسهل بكثير من إجماعهم على عظمة كاتب المقال، ربما لأن المرجعيات النقدية التي يتكئ عليها القراء النمطيون والنخبويون على حد سواء في تقييم النص الأدبي ثابتة ومتشابهة نوعاً، بينما في كتابة المقال لا يمكن للكاتب بأية حال أن يرضي جميع الأذواق، فالذي يُرضي القارئ النخبوي قد يحصُد امتعاض القارئ البسيط، والذي يعجب القارئ العادي قد يثير استياء القارئ المثقف.. وهكذا..!
وبينما تكون استمرارية الكتابة هي الضمان الأوحد لنجاح كاتب المقال قد يحقق كاتب النص الأدبي العظمة والخلود بكتابة نص أوحد لا شريك له .. فكاتب المقال بستاني يحصد من الثمر على قدر ما يبذل من جهد في الغرس والري والتشذيب، وإن هو غفل عن غرسه يوماً، ضاع جهده..!
بينما كاتب النص الأدبي هو مهندس وعامل بناء في آنٍ معاً، وقد يشيد هذا المهندس العامل مبنى واحداً يكون مزاراً وضريحاً ــ في ذات الوقت ــ يحكي عن عظمته إلى الأبد..!
مواضيع ذات صلة:
أحدث المقالات

أوهَـام النُّخبـة ..!
الوجه الآخر للتاريخ ..!
أسمى معاني الغرام..!

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. الاستاذ منى انتى مثقفة لاشك فى ذلك ولكنك تقحمين إقحاما فى كتاباتك ، اكتب بصورة بسيطة ، وابعد عن الإفتتاحية باقوال وامثلة ، ثم لا تنقل مقولاتك السابقة على انها حكم او كلمات مضئية ، اترك غير ينقلها مثلما تنقلى انت ، ياليتك طحنتى ثقافتك هذه بالبهارات السودانية لتخرج سبكة سودانية جديدة .أكتبى وابدعى دون الإشارة إلى انك تقراين للأدباء فى كل العالم بل اكتبى من قلبك السودانى وجدانك السودانى ، لا تدعى تربية السعودية تجردك من اهم شئ نملكه وهو تفردنا السودانى عندما نكتب نكتب بعمق ومن الداخل دون فلسفة او تكلف ، اقترح عليكى ان تزور الارياف والمدن السودانية وتشوفى احيائها لعلها تشبع وجدانك لتكونى مثل استاذك البونى الذى نشأ وعاش بل ولازال يعيش فى قريته العيكورة التى يضرب بها الأمثال ، كل ادباء وشعراء ، وعلماء وساسة السودان أتوا من الارياف ومدن الاقاليم ولم يأتوا من الخارج وقتها كانت جامعة الخرطوم يدخلها الغبش وابناء الريف لتشبع وجدانهم وشطارتهم وتأثرهم بصفاء البئية القروية والعادات السمحة والتآلف والتكاتف والتراحم والمحبة دون شروط او اهداف بل محبة من القلب للقلب ، حينما تعيشين فى جو معافى مثل هذا سيخرج إبداعك كما خرج إبداع الطيب صالح وهو إبن قرية صغيرة فى الشمال وسيخرج منك حتى لو عشتى بعدها فى اوربا او امريكا او الخليج ، انظرى لكل من حولك من المثقفين والمتعلمين والكتاب ستجدى انهم سكرى بسحر السودان حتى الثمالة ، سوداننا هذا فيه بشر من طينة مختلفة ولكن لا ترى إلا عندما تخرجى من العاصمة القذرة والرتيبة والمكتظة والطاحنة ، ستلتقى الانسان فى روعة إنسانيته وعقويته وبساطتته وإن لم تستطيعى الخروج من الخرطوم فأسكنى امدرمان فى احيائها العريقة واحياء اهلها الطيبين ستجدى كل السودان امامك ، جربى أن تحلبى الاغنام وتركبى الحمار وتردى الماء من البئر او تلقطى الويكة او تطبخى خضار ظازج من الجروف والجناين وجربى ان تعوسى الكسرة ثم ادلفى للبحر وخذ حمام وسباحة فيه وتناولى بعدها قصب السكر والبطيخ واركبى بوكسى موديل 81 فى الصندوق وراء ، تحتاج إلى أن تملأى رئتيك بدعاش خريف ريفينا ودعاش النيل ، وتحتاجى ان تشاركى فرحة عريس وعروس بأيقاعات بلدنا المحبوبة وتحتاجى ان تجكسى فى نهاية الحفلة ، تحتاجين كل ذلك حتى تتبدل كتاباتك وتتعتق وتنسجم مع اهلنا واترك حياة الجفاف والسنوات العجاف التى ترعرعت عليها فى الإغتراب . بالمناسبة انا عازمك رحلة صيد مجانية على حسابى فى بوادى ، غابات وصحارى السودان .

  2. وانتى يا السمحة ام عجن ال٣٠ مليون قسمتيها على الصحفيين وله وظفتيها فى عدم نقد بنك النيل .فقد خنتى الامانه الصحفيه ولكن الله سوف يسالك عن اخذ هذا المبلغ .كنت احترمك والقراء لك.ولكن يظل الاستاذ عيسى الحلو كاتبى الاول فى النقد الادبى لانه عنده ادب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..