تسول رسمي

أية دولة تتَّبعُ حكومتها سياسة التسول لتوفر لمواطنيها الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم دون أن يكون لها سياساتها الخاصة، ستتحول إلى دولة ينتشر فيها المرض، الجهل، الأمية والتخلف. ولن أكذبَ إنْ قلتُ إنَّ حكومة السودان جعلت التعليم يعتمد على ما يمنح لها من صدقات تقدمها دول دخل إليها التعليم عن طريق السودانيين، أو كواجب إنساني يقوم به المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، فالحكومة لم تضع التعليم ضمن اهتماماتها مثلما تضع الجيش مثلاً، ولذلك ظل السودان خلال سنوات طويلة يصنف واحداً من أكثر الدول سوءاً في مجال التعليم في العالم، فالحكومة تخصص له أقلَّ من 4% من ميزانية الدولة. والمؤسف حقاً أنَّها لا تفكر في أن تغير سياساتها تجاهه، حتى رؤيتها المستقبلية تعتمد على البحث عن طرق ووسائل للتسول تمكنها من الحصول على أموال تدعم التعليم، رغم أنَّ ما تحصلت عليه لم تستغله بأمانة، وليست حكاية منحة البنك الدولي بعيدة عن الأذهان.
في اجتماع ترأسته وزيرة التربية والتعليم أول أمس، دعتْ لتنسيق الجهود بين وزارة التعاون الدولي ووزارتها لاستقطاب الدعم للتعليم وتوجيهه حسب أولويات الوزارة، واستعرضتْ جهود الوزارة في توفير المعلومات اللازمة التي تسهم في توضيح الاحتياجات الفعلية وتحديد الأولويات لضمان دعم المانحين. وأكدتْ أنَّ العملية التعليمية تحتاج إلى الدعم والمساندة لمواجهة التحديات التي يواجهها تعليم الرحل والبنات، والتعليم النوعي وتقليل التسرب الدراسي واستيعاب الأطفال خارج المدارس وتوفير فرص التعليم للجميع. وزير التعاون الدولي أكد أنَّ وزارته تسعى إلى مساندة وزارة التربية لاستقطاب الدعم وتوجيه المنظمات لدعم التعليم، وأنَّ وزارته بصدد إصدار كراسة وطنية تحوي الأولويات على أساسها يتم توجيه دعم المنظمات. السؤال المهم: هل يعقل أن تكون دولة لها سيادة وتحكمها حكومة عمرها 28 سنة تتسولُ من أجل توفير التعليم الأساسي، ومنذ متى أصبحت وزارة التعاون الدولي وظيفتها التسوُّل. لعمري ليس هناك عار وجريمة أكبر من أن تصل أية حكومة لهذا المستوى، رغم ما لديها من حلول أقرب وأسهل وأنجع وأكرم. وزارة التربية والتعليم بدلاً من أن تجلس مع الحكومة وتحملها المسؤولية وتحثها على إيجاد حل وطني عاجل لمأساة التعليم، تتفقُ مع وزارة التعاون الدولي من أجل التسول لدعم التعليم. وهذا قطعاً لن يحل المشكلة بل سيزيدها لأنه سيصرف الوزارة من البحث عن الحلول الحقيقية. وأعتقدُ أنَّ واحدة من مآسي المسؤولين الذين يتولون المناصب، هو بحثهم عن الحلول لمشاكل البلد خارج إطار مسؤولية الدولة، وهم يعلمون تماماً أنَّ ما تصرفه الحكومة على برامج فارغة وما يهدر من أموال بسبب الفساد، يمكنه أن يغير واقع التعليم تماماً، ولكن لأنَّ المناصب أغلى عليهم من مصلحة الوطن والمواطن، فإنه ليس هناك وزير يفكر في توجيه الحكومة أو العمل معها، من أجل تحمل مسؤولياتها بكرامة معتمدة على نفسها. وإن فكرت وزيرة التربية في هذا الاتجاه سترحل عن المنصب في عشية وضحاها، لذلك نقول دائماً إنَّ مشكلة هذه البلد هي عقلية الحكومة، فكل المجالات تواجه نفس المشكلة وكل الوزراء يبحثون عن حلول ليست حلولاً، ولذلك انهارتْ كما انهار التعليم.
التيار