مقالات سياسية

القارئ.. الكاتب

أقف على عتبة التأمُّل بسؤال صامت..إجابته أكثر ضجيجاً بداخلي..نحن نكتب عن قضايا الناس أم قضاياهم تكتبنا؟!.. المواطن العادي البسيط، يقرأ لنا..أم نحن نقرأه؟!..فقد يظن البعض أننا نكتب لنجعل عود الحياة مستقيماً.. ويفوت عليهم أن بعض الكتابات هي ما تأخدنا إلى الاستقامة. فالمواطن هو الكاتب، وقضاياه هي الكتابة..إذن.. نحن من نتعلَّم منه دروس الكتابة، والقارئ ربما يرى عيوباً خَلْقية تشوِّه وجه الحروف عندك في ساعة تظن أنك تدفقت جمالاً بالكتابة والتعبير.. وعادة كلَّت أفهامنا من أن تُدرك سرَّها، وقصُرت مداركنا أن توفِّق بينها، واصطكت الآذان من سماع أبواقها التقليدية.. تقتصر أن الكاتب هو المعلِّم والقارئ هو التلميذ، وتجهل أن العكس كثيراً ما يكون صحيحاً.

ومرة سألني أستاذي في الجامعة سؤالاً.. بعد أن قال لي (متى تكون الكتابة سهلة)؟ قلت له عندما يكون القارئ غبياً ومغفلاً.. فضحك زملائي واندهش الأستاذ، فاضطررت أن أُبرر ما قلته وما كنت أعنيه..(أستاذي الجليل لطالما أننا نخاطب قارئاً حصيفاً وذكياً ومطلعاً ومثقفاً، فلن تكون الكتابة سهلة إلى الأبد).. فالأستاذ ما كان يسأل لأنه يحتاج لهذه الإجابة، الأستاذ كان يريد إجابة تحدد فنون الكتابة وأساليبها، حتى تكون سهلة.. لكنه احتفى كثيراً بإجابتي، ولن أنسى هذا الدرس ولا هذا الأستاذ، وسأظل أكرر أن ثمَّة قارئ يقرؤنا يومياً ولا يقرأ لنا.. فالكتابة أحياناً كثيرة فعل افتضاح.. ويخيب أولئك الذين يستترون وراء الحروف الغامضة.

فحياة الكاتب ليست فقط حافلة بالأمور الغامضة المتوقعة، لطالما أن القارئ ذو عقلية واضحة متفتحة، وأن كل ما سوف نكتبه سيبدو ناقصاً أمامه، ربما نكون قد كتبنا كتاباً واحداً، أو أكثر من كتاب. فإن كل ما نعرفه لو كنا نعرف، أي شيء على الإطلاق.. هو كيف كتبنا الكتاب الذي كتبناه. كل الكتابات والروايات والكتب عبارة عن إخفاقات. الكمال بحد ذاته نقص. كل ما يمكننا أن نسعى لأجله، هو أن نحقق الأفضل. وذلك بعدم استسلامنا للخوف من المجهول، وفي مقاومة ذلك السحر في تكرار ما قد نجح في الماضي. أحاول تذكير نفسي بأن مهمة المبدع الكاتب، وكذلك مصيبته، والمتعة غير المتوقعة، تكمن في المُضي نحو الغموض في جعل الغموض يحدُّك من كل جانب. في أن تخرج من رحم المجهول. في كل مرة نصل إلى نهاية عملنا، نكون قد أخفقنا. فيما نحن نقفز بذهولٍ وجُرأة نحو المجهول
ومرة واحده أفردوا مساحاتكم للقارئ.. دعوه يكتب في زواياكم، يعبِّر عن ما يجيش بخاطره، ستجدوا أنفسكم تلاميذ أمامه، وسنرى أننا أمام عبقرية عُظمى هي عبقرية القارئ الصحافي، أو المواطن الكاتب.. فما أجمل أن يكتبوا ونكون نحن قراء!!.

طيف أخير
أكتبك من جديد بداخلي..علَّ أن يكون الحب الذي كتبك أولاً كان مِعْوجاً..!
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يجب أن يستصحب الكاتب الإسفيري دوماً أنه يكتب إلى (الكافة)، أي جميع أطياف المجتمع، العالِم، والمُثقف، والطبيب والمُعلم، واختصاصي علوم الكمبيوتر والفيزياء. كما يجب عليه (أي الكاتب) أن يُدرك أن سِهام القارئ الناقد لا ترحم، وأن دنيا الإنترنت التفاعلية تحفظ حقوق القارئ أكثر من ما تحفظ حقوق الكاتب، فالقارئ في دنيا الإنترنت محمي وهو كالزبون في دنيا التجارة دوماً على حق. لقد انتهى زمان (بريد القراء)، في الصحف المقروءة، حيث كانت تصل ردود القراء بعد أن يبرد الحدث وحل محله (البريد التفاعلي) أي إمكانية الرد على المقال في لحظة نزوله على الإنترنت وإمكانية نشره في ثوان معدودة. أصبح القارئ مشارك وشريك في الرأي وليس ملتقِ فقط. هذا لا يعني أن دور (الكاتب المُبدع) قد انتهى، لا وألف لا بل أن الفرصة أصبحت متاحة أكثر أمام الكُتاب لنشر أرائهم على نطاق واسع جداً، كما أصبحت الفرصة أمامهم أوسع من ذي قبل في قيادة المجتمع وتوجيهه إلى الغايات التي يبتغونها. كما أصبح الكاتب يعرف كم بلغ عدد قراء مقاله، وما هي اتجاهات ردود القراء على آرائه، أي أن تفاعل القراء معه عبارة عن استبيان عام ومؤشر يعرف الكاتب من خلاله مكانته في قلوب قرائه. ما لم يتغير في مرحلة ما بعد الإنترنت ولن يتغير أبداً، هو أن الكاتب لن يستطيع أن يؤلف قلوب جميع القراء. هل يمكن أن يقبل القارئ من كاتب يُفترض أنه مُوجه للمجتمع أن يقول: (أطفالنا فلزات أكبادنا). لدي (فِلزة) واحدة من سبيكة الذهب اسمها( لميس).

  2. أهو نحن فاردين المساحة للقراء واعتزلنا الكتابة

    الكمال لله

    الزوايا او الاعمدة كأنها كراسي سلطة الاغلبية مكنكش

    ان لم تفردوا مساحة للقارئ ان يكتب او يناقش فــ ليتناول الكاتب على الاقل تعليقه او التعليق على تعليقه والاهم من كدا تناول هموم القراء وما يهمهم

  3. التحية لك يا صباح
    حقا القارئ السوداني ذكي ولماح، لذلك تظل الكتابة صعبة.. ولأنها مسؤولية ورسالة

  4. شكرن الأخت صباح محمد الحسن..نحن القراء نرى حروف الكاتب وكلماته من عل..وهو يراها في مستوى غابة وطول انسان..لذلك نحن القراء نرى تفاصيل تغيب عنه في الزوايا المعتمة..فنضحك ان ادعي تمام العمل..ولكننا نفرح عندما يشير الى سلوكنا المتوقع..ونراوقه في “الجايات” وهي لا تنتهي من التوالد والتكاثر التفرعي..الحياة لا نهاية لمفاجآتها وكذا الكتابة..القارئ يستنطق النص الذكي ويتطوره برؤيته الصامتة..شكرن مرتين..

  5. يقول أهل اللغة، (عيب خِلقي) بكسر الخاء، من الخِلقة بكسر الخاء وهي الفطرة، يعني موجود من أصل الخِلقة وليس بعارض. أختي الكريمة، لك التحية والود والاحترام.

  6. كنت اود ان اعلق ولكن دخلت ووجدت استاذي ابن خورطقت الفتية الكردفاني الاصل د/ عبدالرحيم سعيد سبقني في التعليق . وبالتاكيد لايفتي ومالكاً بالمدينة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..