أجيال.. وأجيال.. ثم أجيال..

محمد عبد الله برقاوي
لم نكن نحن جيل العقد السادس شهوداً على مرحلة الجلاء وسجالات الأحزاب والطوائف ما بين مؤيدي شعار السودان للسودانيين والرافعين للافتة الإتحاد مع مصر، وحتى حينما إندلعت ثورة أكتوبر 1964التي بلغ مفجروها الآن من طلاب الجامعات والثانويات أعتاب السبعينيات من عمرهم المديد بإذن الله والرحمة لمن غابوا، فلا شك أن من قادوها من السياسيين إما أنهم باتوا في ذمة المولى العزيز وإما قد ناهز الأحياء منهم سني التسعينات.. فيما كان أبناء جيلنا صبية زغباً في مراحل التعليم الإبتدائي لم يبلغوا الحلم بعد عند ذلك المنعطف الهام من تاريخنا المتداخل السطور.
وجاءت إنتفاضة أبريل 85 وبلغ شبابها الآن عمر الكهولة ومضت معهم سنوات تراجع الوطن منقسما ومشتعلاً في سكرة حكامه الذين لم يحسنوا توظيف مناخات الحرية لتنمية الوعي الجماهيري لتنبت ديمقراطتنا ولو في حدها الذي يكفل تداول السلطة على أسس برامجية تنموية وخدمية بعيدة عن انغلاق الولاءات وتقديس الرموز أو حتى لنكن منصفين ونائياً عن تحجر عقلية الأفكار الريدكالية بشقيها اليساري العلماني والثيوقراطي الديني.
فأدى كل ذلك التعثر الى سقوط البلاد في مستنقات عميقة منذ إنقلاب يونيو 89 الأكثر شؤما عن سابقيه فأستأثرت فئة من العسكر وأغرار السياسة المتنطعين بقياد البلاد وأمعنت في ذل العباد مجموعات تسلطية هي أقرب الى عصابات المافيا منها الى نظم الحكم غير الراشد!!
لذا فإن أجواء الحراك المنيع الجائل الان لإقتلاع شأفتها من جذورها وتجريف بقايا جفاف أعشاب مشروعها السامة والقضاء على افاتها الضارة.. هي ليست ذات المناخات التي تولدت عنها ثمرات ثورة أكتوبر وما لبثت أن ضاعت بددا.. وليست طفلة إنتفاضة أبريل التي ولدت ميتةً وتبعتها الأم!!
فالجيل الذي نشأ وضاعت دروبه في زمن الإنقاذ وعاد الآن يتلمس خطاه لإستعادة جادة مستقبله قبل أن تداهمه عطالة الكهولة أو رذالة الشيوخة.. فهوالجيل الذي يستحق أن يجني ثمار التغيير وهو يسعى جاداً بعرق حناجره وساعد عنفوانه.. بل وبدم عروقه.. وقد تجرأ دون غيره على الإقتراب من مرقد الإنقاذ عازماً حملها عنوة ودفنها في مثواها الآخير.. ولكن لا بأس إن إمتدت اليه أيادي السابلة في الشارع من كل الأعمار والإتجاهات السياسية لدفع مسيرة (العنقريب) فقط لنيل الأجر وتبعوه إلى المدفن..
لكن يجب أن يعلموا أن مشاركتهم في التشييع ستنتهي بمراسم الدفن وعليهم ألا يطمعوا في تقاسم جلد الدب المدفون بالتساوي ولابالتفاوت مع أصحاب الحق الأصيلين من جيل المصلحة في الغد المختلف عن أمسهم الآفل.. فلكل جيل نصيبه من زمانه يديره بما هو ماثل من أدوات عصره وطريقة تفكيره وعقلية تحصيله.. ولن يقبل جيل الوسائل الحديثة أن يعتقله العواجيز في حظيرة ماضيهم الذي لن يعود بقديمهم فيكون صالحاً لكل زمان ومكان.. فملثما.. مضت أجيال بما حققت وما لم تحقق.. وتعيش الآن أجيال بأحلام مختلفة فستذهب لتعقبها أجيال لا ندري كيف ستحلم في يقظتها وسباتها!!
فدوام الحال من المحال!!