أخبار السودان

سودان الحكمة المتشائمة

د. أحمد عبد الملك

في الوقت الذي أعلن في الخرطوم أن رئيس الشمال البشير ورئيس الجنوب "سلفاكير" قد اتفقا على تشكيل لجان مشتركة لحل القضايا العالقة بين الشطرين اللذين تقسّما يوليو الماضي، تم إرجاء التوقيع على أية اتفاقيات حتى عودة "سلفاكير" إلى بلاده "الجديدة"، في حين صرح البشير بأن الشمال ملتزم بعدم العودة إلى الحرب، وإيجاد الحلول. وتلك إشارة لوجود خلافات واضحة في موقف الطرفين خصوصاً حول القضايا الجوهرية بينهما.

وفي الوقت الذي يحاول فيه طرفا السودان، الشمالي والجنوبي، لملمة الجراح التي أثخنت العلاقات بينهما في الماضي، طالب زعيم المتمردين السودانيين الحكومة بالتوقف عن قصف المواطنين وإقامة ممرات إنسانية وتوفير مناطق آمنة للمدنيين في اثنتين من المناطق الحدودية المضطربة. وقال "مالك عقار" إن القصف الجوي الذي تقوم به القوات الحكومية أودى بحياة 74 مدنيّاً وأصيب أكثر من 100 شخص آخرون في ولاية النيل الأزرق في جنوب شرق السودان. ونفت الحكومة السودانية ما ذهب إليه "عقار" وأنحت باللائمة على المتمردين بشأن التسبب في معاناة المدنيين. وكانت الأنباء قد أشارت أيضاً إلى اندلاع قتال في جبال النوبة جنوب كردفان في يونيو الماضي.

وفي مصادفة قد تكون فريدة من نوعها يلتقي رئيس دولة مع نائبه الذي أصبح رئيساً لدولة أخرى! ذلك هو لقاء البشير مع رئيس دولة جنوب السودان "سلفاكير"، حيث وصل الأخير إلى الخرطوم في أول زيارة له للسودان بعد انفصال الجنوب في يوليو الماضي. وأجريت للرئيس الزائر مراسم الاستقبال الرسمية. إلا أن ناتج الزيارة لم يكن ليرضي الطرفين، وتم تأجيل توقيع الاتفاقيات المرتقبة نظراً لحساسية القضايا، خصوصاً ترسيم الحدود، والنزاع على منطقة "أبيي" الغنية بالنفط، والديون الخارجية للسودان قبل التشطير، وكذلك اتهامات متبادلة بين الطرفين حول دخول أسلحة من تشاد لدعم حركات متمردة في غرب السودان.

إن المظاهر الاحتفالية لزيارة "سلفاكير" للخرطوم لم تكن لتخفي التوجس من سيل الاتهامات التي تبادلها الطرفان. فحكومة السودان تتهم الجنوب بدعم قيادات حركة دارفور الشمالية وبأنها توفر لهم التدريب والمأوى، وتزودهم بالسلاح الذي يستخدم ضد قوات الشمال. كما طال الاتهام الشمالي رئيس الجنوب "سلفاكير" بالسعي لضم ولاية جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق -وكلتاهما يقعان في حدود الشمال- حسب الحدود الجديدة. واعتبر ناطق بالخارجية السودانية أن مسلك الجنوب عدائي، ويتجاوز الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين.

من جانبها قالت "هيومن رايتس ووتش الدولية" و"منظمة العفو الدولية" إن غارات للجيش السوداني (الشمالي) قد أسفرت عن مقتل 26 مدنيّاً وأجبرت عشرات الآلاف على النزوح من ديارهم. وقالت مستشارة مواجهة الكوارث في منظمة العفو الدولية "ردفيرا" بأنه لا مزاعم فيما توصلت إليه المنظمة. وجاء في تقرير لهاتين المنظمتين، اللتين تعتبران الأكبر في مجال حقوق الإنسان على صعيد عالمي، أن الجيش السوداني نفّذ عمليات قتل واعتقال تعسفية واحتجاز، وتسبب في اختفاء أشخاص، كما سجلت عمليات خطف وقصف جوي. وهي ممارسات -إن صحت- ربما تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما تتهم المنظمتان الدوليتان البشير بانتهاك وقف إطلاق النار الذي أعلنه الشهر الماضي من جانب واحد. ووصفت المنظمتان الدوليتان الأوضاع في التجمعات السكانية على الحدود بأنها قاسية، وأن الناس يعيشون داخل الكهوف وتحت الأشجار ولا يجدون مأوى ولا أدنى طعام، وأن الناس يأكلون أوراق الأشجار!

إن الحالة السودانية لا تبعث على الأمل، بعد أن فقد السودان حوالي ثلث مساحته -التي ذهبت للدولة الجديدة- وبعد أن فقد مناطق النفط الغنية في الجنوب، وهو ما زال يعاني أزمات قبلية حول تجمعات النفط وفي كردفان. والآن أصبح يعاني ما يعتبره التسلل عبر حدوده للجماعات المنتمية للجنوب حيث تسود لغة الرصاص بين الطرفين. بل إن مستشارة مواجهة الكوارث في منظمة العفو الدولية "ردفيرا"، أكدت مرور طائرات للشمال فوق مناطق سكنية -وبشكل يومي- وزعمت أنها تقوم بإسقاط قنابل بطريقة عشوائية على السكان.

إننا نعتقد أن الأمور على الحدود السودانية- السودانية قابلة للاشتعال -على رغم مظاهر احتفال انفصال الجنوب، ومشاركة البشير في ذلك الاحتفال، الذي رأى فيه أكاديميون ومفكرون (شماليون) انفصال جزء عزيز من وطنهم وسط فرح الحكومة الشمالية ورموزها، ودون حسم مشكلات الخلاف بين الطرفين.

وكما أشرنا في حديث سابق فإن الأطراف الخارجية ستلعب دوراً مهمّاً في تطور الأحداث في دولة جنوب السودان، ولعل أهمها الدور الإسرائيلي، ولربما الغربي عموماً، نظراً للنفوذ المسيحي في الجنوب، على رغم غالبية السكان الوثنية، إلا أن الجهل والفقر والعصبية القبلية في الجنوب ستكون عاملاً مهمّاً في زعزعة الأمن والاستقرار، بل والسعي لخلق "بؤر" تقضّ مضجع الشمال، الذي لم يتأهل -في حقيقة الأمر- كدولة ناهضة مقارنة بالثروات الطبيعية الموجودة فيه، ناهيك عن الملاحقات الدولية بحق الرئيس البشير وتعدد الاتهامات له بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور غرب السودان. وحتماً فإن الاختلاف العرقي الديني -بين الشمال والجنوب- قد يزيد من اشتعال شرارات الحرب بين الطرفين، خصوصاً إن تطور الجنوب وأقام دولة المؤسسات مستفيداً من النفط ومن المساعدات الغربية، ومن يدري فلربما نجح الجنوب في ضم كردفان وولاية النيل الأزرق، وبذلك يخلق كارثة اقتصادية للشمال.

إن الانفصال لم يكن لصالح الشمال حقاً، تماماً كما هو حال كل الانفصالات للمناطق والبيئات التي عادة لا تهتم بها الحكومة المركزية، وتبقى الأقليات في حالة من البؤس والشقاء وعدم التمدن. وهذا ما حصل خلال نظم الحكم المتعاقبة للسودان بإهماله الجنوب.

ومع هذا نأمل أن تسود الحكمة بين شمال السودان وجنوبه، ولكن ما يدور بين الطرفين، وأحياناً تجاهل الإعلام لخطورة الموقف في ذلك الجزء من العالم العربي، يجعلنا أقل تفاؤلاً بسيادة تلك الحكمة.

جريدة الاتحاد

تعليق واحد

  1. صحيح ما قاله الهالك المجنون القذافي بأن السود سيسودون وأظنها ستكون سنوات قليلة بل أشهر بل أيام حتى تنظم دولة الجنوب صفوفها وتضم جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ثم بعدها تفكر في الخرطوم بعد أن تصبح الخرطوم أشلاء متناثرة وفرق متحاربة، فهذه هي الحقيقة المرة التي لا يطيقها الطيب مصطفى ولا من شاكله لأن الأمور ستصبح بالمقلوب يعني الفوق تحت والتحت فوق ، يعني يا صوارمي طائراتك دي بعد شوية ما حا تلقى ليها وقود عشان تحلق وتقتل الضعفاء والمساكين الآمنين في عششهم، وحسبما ذكره المقال فإن دولة الجنوب ستتطور غصباً عن هؤلاء اللئام سواءً بدعم الدول الأوروبية وأمريكا لها أو بمواردها من بترول وما إلى ذلك. هذه معادلة سهلة جداً لا تحتاج إلى متخصصين في الكيمياء أو الفيزياء لفهمها وإنما أبسط عنقالي إذا سألته سيخبرك بما يجري الآن في السودانين (الشمالي والجنوبي)، فهلا استعديتم يا ناس منبر الحرب الخاسرة (الطيب مصطفى وأعوانه من الغافلين)…………………………

  2. لا عذر لاحد فيما حدث لبلادنا بل ولا اعفي نفسي كمواطن فقد ساهم الجميع في المأساة. كلنا مجتمع يمجد العصبية والقبلية ولا يزال بل وتترفع كل قبيلة على الاخرى ولا نستطيع ان ننكر ذلك. ما حدث في
    الجنوب وما يحدث الان في الاطراف الجنوبية مما تبقى في الشمال هو ثمرة لكل ما ذكرت مما يجعل من الصعب حدوث الالفة والانسجام بين جميع الاطراف

  3. الحكومة فصلت الجنوب بأتفاقية نيفاشا المجحف سوف ينضم جنوب كردفان والنيل الازرق للجنوب بنفس الاتفاقية وعقلية وتفكير قادة الانقاذ الوطنى بأتفاقهم على تفتيت الوطن الكبير لجعله دويلة السودان بدل دولة السودان وسلفاكير فى زيارته الاخيرة للسودان لايريد أى حل لمناطق التهميش إلا عبر أتفاقية نيفاشا وسلفاكير يعلم تماما تلك الاتفاقية تصب كل بنوده لصالح الجنوب وعرف مفاصل ضعف الانقاذين بدء أكل لحمة الكتف من أين وأخرج دولة الجنوب من فك الاسد الانقاذى رجل باع الانقاذين بأفكاره الففذ فى سوق المواسير من دون أن يشعرو ولم يصدقو حتى الان الجنوب قد إنفصل وأصبحت دولة مستقلة ذات سيادة وإنفصل معه كل الثروات من أراضى خصبة وثروة حيوانية وذهاب بعض الحيوانات النادرة مثل الفيلة والجاموس والتياتل والاسود والنمور والزراف والابقار الجنوبية طويل القرون إضافة الى الغابات الشاسعة وأخشاب التيك النادرة والتى لاتوجد إلا فى غابات الجنوب لو نبذنا الكراهية والعنصرية وطورنا الجنوب فى التعليم والصحه والسياحة فقط لكفت دخل لوفرنا العملة الصعبة لبلد المليون ميل بدل كب مصادر الدخل فى جيوب المنتفعين فى حكومة الانقاذ وتبديده فى بناء القصور وإنشاء الشركات الوهمية الغير مفيد للمواطن والوطن . نعلم أن فى العالم الحاكم يأتى للحكم لخدمة المواطن والوطن لكن حكومة الانقاذ أتى فى السودان لخدمة نفسه . والحاكم هو موظف لدى خدمة الشعب لا أن يخدمه الشعب إنتهى ….

  4. حتى عهد قيب وفي سنين السبعينات والثمانينات من القرن الماضي حينها كنا طلاب في المرحلتين المتوسطة ( ثانوي عام ) والثانوية ( ثانوي عالى ) وكانت تكاد جل المدارس إن لم تكن كلها بها داخليات وخاصة المدارس الحكومية بل وحتى المدارس الابتدائية ( الاولية ) ولهذه الداخليات أثر عظيم في دعم الروح الوطنية والتربية الوطنية الحقة الخالية من الزيف فقد كان الكرسي والدرج والسرير الذي تنام عليه والاواني التي كنا نأكل فيها والمرافق العامة من فصول وعنابر داخليات ودورات مياه وميادين في مختلف ضروب الرياضة وأدوات الرياضة كل هذه الاشياء كانت ملكا مشاعا للجميع وفي نفس الوقت كنا نحافظ عليها باعتبارها ملكا لنا كيف لا وهي خاصة لاستعمالنا ولأخوتنا من بعدنا وهنا ظهر المفارقة بين من عاش طالبا داخليا وبين من عاش طالبا مشردا ومطاردا بالاتوات والرسوم من قبل الدولة التي كان يفترض أن تقدم له التعليم المجاني فاصبح بقدرة قادر أن هذا الطالب مصدر جباية لخزينة الدولة لذا عندما يتسنم أي منصب حكومي وتكون الخزينة بيده أو دفاتر ايصالات الجباية بيده فإنه غالبا ما يكون همه الاول كيف يحصل على المال وبطرق غير نزيهة وتصبح الدولة غنيمة له ولا يحس بمرارة الدفع التي عاناها سابقا بل تنقلب الصورة في بيت الشعر ;( وللاوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق)
    و ويصبح الفهم السائد هو(للموظف في دم كل وطن يد سلفت ودين مستحق)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..