أخبار السودان

قضية ساعة (عسكر ومدنيين) .. مستقبل الشراكة في ظل الخلافات؟!

الضعف والهشاشة أكبر مهدد يواجه الحكومة الانتقالية الآن

* المكون المدني في دوامة انقسام وتآكل حاد وانكماش مستمر

* ما قاله البرهان أمر لا يخدم قضايا الانتقال

كتب- عبدالله عبدالرحيم

لقد  واجهت العلاقة بين مكوني الحكومة الانتقالية (العسكري -المدني) تعقيدات جمة ظلت تهدد الفترة الانتقالية مرة تلو الأخرى. فيما نتج عن المحاولة الانقلابية الأخيرة حالة من عدم الشعور بالرضا عن تلك العلاقة بين المكونين، فهل ستصمد خلال الفترة القادمة حتى إيفائها بمهمتها وهي الوصول لانتخابات دستورية تنقل البلاد إلى مرحلة الديمقراطية المنشودة؟

عبده مختار: تبادل الاتهامات أخطر من الفلول

وفي هذا يقول الدكتور عبده مختار الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي لـ(اليوم التالي) إن تبادل الاتهامات مابين طرفي المعادلة السياسية في الحكومة الانتقالية ‘‘العسكريين -المدنيين’’ تعتبر أكبر مهدد وأكبر خطراً على الحكومة الانتقالية من أنصار النظام السابق، إذ أن أنصار النظام السابق لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً ما لم يجدوا هذه الثغرات وهذا التردي والضعف في الحكومة المدنية. وأكد عبده مختار أن انعدام الثقة وتبادل الاتهامات بين المكونين سيزيد هذه الحكومة ضعفاً على ضعف وهشاشة على هاشة، وهذه أكبر مهدد يواجه الحكومة الانتقالية الآن أكثر من الأزمة الاقتصادية وأكثر من مؤامرات النظام السابق. ودعا مختار الحكومة بشقيها لتشكيل مجلس حكماء من شخصيات قومية متوازنة تتصف بالحكمة والحيادية والوطنية الخالصة تجد احترام وقبول لدى الرأي العام وليست  لها انتماء حزبي وهم موجودون وأن تشكل مجلس حوكمة وهذا هو دورها لإزالة هذا التوتر وتقريب وجهات النظر والشقة بين الطرفين حتى لا ينعكس أداؤها سلبياً على الحكومة الانتقالية، من أجل الاستقرار السياسي بين شركاء الحكم وتتحقق أهداف الثورة. وقال أيضاً هناك من الأسباب أوالخلافات نفسها، هو عدم التوفيق في اختيار عناصر الحكومة الانتقالية في الجانب المدني وقال إذا كان الاختيار جاء على أساس شخصيات وطنية مستقلة لكان هو أجدى وأنفع ولكان التقارب بينهم وبين العسكر وذلك لأن المؤسسة العسكرية وطنية وهي أقرب للحياد وإذا وجدت شخصيات وطنية متزنة وكفاءات غير منتمية هذا أدعى للتقارب بينهم ولاستقرار الحكومة الانتقالية. وقال إن الحاضنة السياسية ارتكبت خطأ منهجياً وإستراتيجياً بذلك الاختيار وهذه هي المآلات الحالية تجنيها من تلك الأخطاء، وزاد: لذلك يجب أن يعاد تشكيل هذه الحكومة والتخلي عن هذه المحاصصة السياسية والحزبية وأن تكون المعايير موضوعية على أساس الكفاءات المستقلة وهم كثر وجاهزون وأكثر كفاءة واقتداراً من الذين يديرون الحكم الآن بهذا الضعف والذي ولد أزمات وزاد من معاناة المواطنين بحسب قوله. لافتاً أن الاتهامات المتبادلة شيء مؤسف ومحبط للشعب السوداني، وقال هناك أخطاء من الجانبين ولابد من تداركها ولابد أن يعترف الطرفان بهذه الأخطاء، مشيراً إلى أن المكون العسكري أخطأ في قضية الانفلات الأمني التي تقع تحت مسؤوليته، خاصة أن الاستقرار والأمن أهم شيء للفترة الانتقالية. وأضاف مختار بقوله: إذا كان المكون العسكري حريصاً على  إيصال الشعب إلى الانتخابات، فعليهم بسد الثغرة الأمنية، وما يحدث من تفلتات بالإضافة إلى أزمة الشرق والمشكلات في دارفور وانتشار السلاح في كثير من مناطق السودان، لماذا لا يتحكم العسكريون في إنهاء هذه المشكلات الأمنية. بالمقابل أشار الدكتور عبده مختار إلى أن الجانب المدني وقع في أخطاء إستراتيجية كثيرة أولها المنهج الذي اتبعته الحكومة وهو خطأ منذ بدء تقلدها لمهامها، كما أنها لم تعمل بالأولويات المتمثلة في توفير المعاش والخدمات العامة. لذلك عليهم أن يجلسوا مع المكون العسكري ويتضافروا من أجل وضع إستراتيجيات تخرج البلاد مما فيه الآن.

ترايو: معالجة الخلافات بالتراضي عبر الحوار الشفاف والمقنع

الأستاذ علي ترايو القائد بحركة جيش تحرير السودان جناح مناوي وضع خمس نقاط لهذه الأزمة المستعرة بين المكونين حيث قال في حديثه لـ(اليوم التالي) إن نجاح الفترة الانتقالية والانتقال بها إلى مرحلة أخرى يتوقف على ضرورة تحقيق التفاهم والتوافق بين الطرفين (العسكري والمدني) عبر إعادة القراءة والتقييم والتحديد الدقيق للأجندة التي طرحتها الثورة في مرحلتها الانتقالية وكذلك في كيفية تنفيذها بالتوافق بين المكونات. وفي الفقرة الثانية قال إن التوافق الضروري يعني معالجة الخلافات بالتراضي (عبر الحوار الشفاف والمقنع). وأضاف ترايو في رؤيته الثالثة إنه وبما أن المكون المدني هو في دوامة حالة الانقسام وتآكل حاد وانكماش مستمر، فإن الطريقة المثلى لخلق علاقة صحية بين المكونين ( العسكري والمدني) و والقادرة على نقل المرحلة الانتقالية بأهلية تقتضي إعادة مراجعة وإعادة تكوين المكون المدني بالشفافية المطلوبة. ورابعاً قال: لا أرى مستقبلا ناجحاً لأية شراكة فاعلة بين المكونين (العسكري والمدني) من دون الوصفة أعلاها والتي تعني توسيعاً لماعون المكون المدني (على قدم من المساواة والشفافية بين مكوناتها) وفقا لمبادئ إعلان الحرية والتغيير (طبعاً مع استصحاب المتغيرات). إذن هي الطريقة التي تجعل المشاركة مع المكون العسكري فاعلاً ومفيداً لكلا الطرفين ولصالح الانتقال. وزاد بقوله في المحور الخامس، إنه لن يكون هناك مستقبل ناجح لأية انتخابات ( (مبكرة) بتجاوز وحرق مرحلة تنفيذ القضايا التي حددتها المرحلة الانتقالية كأجندة.

نورالدين: لا توجد علاقة بين القوات المسلحة والعمل السياسي

أما  القيادي بالمؤتمر السوداني الأستاذ نورالدين صلاح الدين فيقول إن ما تم التوقيع عليه من إعلان سياسي يخص إصلاح تحالف قوى الحرية  والتغيير هي خطوة لتوثيق عرى تحالف يجمع كتلة قوى الإجماع الوطني ونداء السودان ممثلة في العديد من الأحزاب السياسية التي ساندت قيام الثورة وكانت جزءاً منها. بيد أن نور الدين أكد لـ(اليوم التالي) أن هذا التحالف سياسي ولا توجد أدنى علاقة ما بين القوات النظامية المختلفة والعمل السياسي، وقال إن المطلوب هو أن تعمل كل مؤسسة وفقاً لواجبها تجاه الانتقالية في الوثيقة الدستورية. وأكد صلاح إن الجيش مهمته الدفاع عن الوطن وحماية الثغور أما الشؤون السياسية فلا توجد علاقة بين المؤسسات الأمنية والعمل السياسي. وقال صلاح إنه كان يجب أن يحدث عكس موقفهم الراهن كأعضاء في مجلس السيادة يفترض أن يرحبوا بهذه الخطوة لما عليها من محاسن وفوائد. وأكد أن ما صدر من البرهان امس أمر لا يخدم قضايا الانتقال وليس له علاقة بروح الشراكة، وقال لو أن الانقلاب الذي فشل إذا نجح ما كان لقائده أن يقول ما قاله البرهان، وقال إن الاتهامات يجب ألا تطلق في الهواء ويجب أن تتم مناقشته في مجلس السيادة وليس على الهواء الطلق وقال عندما يقومون بإحباط الانقلاب فهذا واجبهم، في الحد الأدنى وعندما لم يتم تحالف سياسي فهو ليس من اختصاصهم وليس من شأنهم داعياً جميع قوى الثورة الالتزام بمنطوق الوثيقة الدستورية وأن أي خرق على الوثيقة الدستورية سيكون وبالها كبيراً ولم يكن محصورا على الطرف الذي قام بالخرق وإنما على الشعب كله.

حنفي: الفترة الانتقالية هذه من أصعب الفترات

ويقول الخبير الأمني حنفي عبدالله من الواضح أن الفترة الانتقالية هذه تعد من أصعب الفترات الانتقالية التي مرت على البلاد بتعقيداتها المختلفة باعتبار أن السابقات كانت الأمور فيها سهلة، وهذه الفترة تعج بوجود الحركات المسلحة التي أتت وفق سلام جوبا وهو ما كان غير موجود والمرونة للانتقال السلس . وقال حنفي لـ(اليوم التالي) إذا تناولنا الفترات الانتقالية من عبود وحتى الانتفاضة كانت الأحزاب السياسية الموجودة راسخة وأيدولوجياتها  معروفة لذلك كانت العلاقة بين العسكر والمدني مرنة جداً وقال كان هناك اعتراف ومرونة في عملية الانتقال في ثورة أكتوبر وكان هناك تنظيم سياسي واضح وواحد في تلك الفترة دون تعقيدات.

أكد حنفي أن من أصعب الفترات هي القادمة إذ أنها تتميز بكثرة القوى السياسية والتنظيمات المتعددة بجانب الاستقطاب الذي تقوم به في محاصرة شباب الثورة. وأشار حنفي في الجانب الثالث إلى البعد الاقتصادي وتداعياته الكبيرة على المشهد بالإضافة للهشاشة الأمنية وانتشار السلاح والتفلتات الأمنية ميراً إلى أن جمع السلاح كان شعاراً فقط. وأشار إلى الاستخدام السيء للحريات حتى إنها وصلت للعاملين بالدولة وقال إن ما تم من توجيه إساءات للشرطة والأمن والجيش له الأثر البالغ في مسيرة هذه الفترة لا تزال تداعياته مستمرة. وأكد حنفي أن واحدة من المتغيرات المهمة في الراهن الآن هو ظهور ‘‘الميديا الإعلامية’’ إذ أنها لم تكن بهيئتها الراهنة وقال إنه تم استخدامها في نشر اللافتات الإثنية بغير ما يحدث سابقاً حيث كانت اللحمة الوطنية قوية. وقال إن الصراعات الأمنية والاضطرابات انتقلت عبر الميديا، وأن إحدى بذور الخلاف بين المكونين هي المحاصصات ومحاولات اقتسام الكيكة فالفئات التي لم تجد نصيبها بدأت تصارع القوى العسكرية ما أدى لهبوط الروح المعنوية لهذه القوات بالإضافة لما وجدته القوات المسلحة من تداعيات حول شركاتها الخاصة التي كونتها من المال المستقطع من رواتب جنودها ومحاولة المدنيين تعميمها مؤكداً أن كل هذا الاحتقان أدى إلى اتساع شقة الاختلاف بين المكونين. وأشار حنفي أن هذا الصراع سيظل مستمراً وسيكون المواطن هو المتضرر في ظل الحديث المستمر عن هيكلة القوات المسلحة التي لا زالت كشوفات جدولتها مستمرة وقد أنهت خدمة أكثر من 35% من تركيبتها ولا زالت تنهي. وطالب حنفي بضرورة تناسي المرارات السابقة قاطعاً بأن الأحزاب هي التي تصنع الانقلابات في السودان، مؤكداً بأن هذه هي الفرصة الأخيرة بالنسبة لهما للاتفاق.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..