مقالات وآراء سياسية

الجيش والإسلاميون وإيران.. التحالف الخفي الذي يورّط السودان في حروب الكبار

عبد المنعم سليمان

في الوقت الذي ينزف فيه السودان جراحًا مفتوحة من حربٍ داخليةٍ ضروس، يجد نفسه مجددًا في قلب صراعٍ إقليميٍّ متفجّر..

لا بقرار مجموعة عسكرية مختطَفة فحسب، بل بيد قوى سودانية أيديولوجيةٍ ضيّقة، تدير سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، بعدما اختطفت القرارين السياسي والعسكري، وزجّت بالبلاد في لعبة أممٍ كبرى، لا طاقة لها باحتمال تبعاتها.

فمنذ اندلاع النزاع المسلّح بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عادت إيران إلى المشهد لاعبًا متجدّدًا في خارطة الصراع، من بوابة الدعم العسكري، لتعزّز صلاتها التاريخية بجناح الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية، أولئك المعروفين بـ”الكيزان”.

ولم يكن هذا الدعم مجرّد تضامنٍ أيديولوجي عابر، بل اتخذ أشكالًا ملموسة: طائرات شحن إيرانية تابعة لشركة “قشم فارس” تحطّ في مطار بورتسودان ليلًا ونهارًا، محمّلة بشحنات من الأسلحة والطائرات المسيّرة، ومصحوبة بخبراء من الحرس الثوري الإيراني، يتولّون تشغيل المنظومات المسيّرة، وتدريب الكوادر السودانية على استخدامها.

هذا العبث الذي تمارسه الحركة الإسلامية يأتي في لحظة اشتعال جبهةٍ أخرى في الشرق الأوسط، حيث تتبادل تل أبيب وطهران الرسائل الملتهبة عبر ساحاتٍ متعددة: من سوريا إلى البحر الأحمر، مرورًا باليمن وغزة، ووصولًا الآن إلى السودان. ما يشي بأن اختيار طهران للسودان كموطئ قدمٍ متقدّم لم يكن عبثيًا، بل هو جزء من استراتيجية محسوبة، تستثمر في فراغٍ جيوسياسي وتصدّع داخلي، لتُكرّس حضورها في خاصرة البحر الأحمر.

في المقابل، لا يمكن فصل هذا التمدّد الإيراني عن الأفق الأمني الإسرائيلي؛ فتل أبيب ترى في أيّ تعزيزٍ للوجود الإيراني في البحر الأحمر تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، لاسيما إذا اقترن بقدرات الطائرات المسيّرة التي وصلت بالفعل إلى أيدي تنظيمات متطرفة، مثل كتيبة “البراء بن مالك”، الذراع العسكرية الأقوى للحركة الإسلامية في حربها التي أشعلتها في السودان. ومن هذا المنظور، يمكن فهم التحركات الاستخباراتية الإسرائيلية السابقة في العمق السوداني، والغارات المدمّرة في عام 2012، التي استهدفت مهرّبين وقوافل كانت تنقل سلاحًا إيرانيًا عبر السودان إلى غزة.

السودان، إذًا، لا يخوض حربًا داخلية فحسب، بل يتحوّل تدريجيًا إلى حقل اختبار لصراع القوى الإقليمية الكبرى. فالكيزان، عبر الجيش السوداني، وإن كانوا يواجهون قوات الدعم السريع، إلا أنهم يستندون إلى عكّاز إيراني، في معادلة قد تُعيد إنتاج النموذج السوري بنكهة سودانية. وهنا تبرز مخاطر التدويل غير المُعلن للصراع، وتحويل السودان إلى ورقةٍ في يد إيران، تُوظَّف ضمن مروحة تهديداتها الإقليمية في مواجهة إسرائيل وحلفائها.

وفي ظل هذا المشهد المركّب، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يحتمل السودان أوزار هذا الاصطفاف؟ وهل يدرك الفاعلون المحليون أنهم باتوا بيادق في رقعة شطرنجٍ يتقاذفها الكبار؟ فما بدا حربًا “إسلاميةً” من أجل السلطة، قد يتحوّل قريبًا إلى حرب وكالة، تستنزف ما تبقّى من نسيج الدولة السودانية.

ولأن البلاد لا ينبغي أن تكون حقلًا لتجارب الأيديولوجيات، ولا مسرحًا لصراعات الآخرين، فإن إنقاذ السودان اليوم يبدأ أولًا بمحاصرة الحركة الإسلامية، وفكّ ارتباطاتها بالأجهزة العسكرية والأمنية، واستعادة القرار الوطني من قبضة الطامحين إلى أمميةٍ زائفة، تُقام على ركام الوطن.

‫2 تعليقات

  1. الحرب الايرانية الاسرائيلية وضعت السودان فى موقف صعب ولكن لابد من التذكير بان الدولة العبرية وضعت البحر الاحمر ضمن استراتيجيتها الأمنية منذ أول لحظة من تأسيسها وتعمقت هذذه الاستراتيجية بشكل أعمق بعد حرب يونيو 1967م ويعود الى قيام الجيش المصرى فى التحكم فى مضيق باب المندب فى أقصى جنوب البجر الأحمر وهو ما نبه اسرائيل بان البحر الاحمر منطقة تقرر مصير الدولة حياة أو موتا واليوم يكون الوضع أعقد بكثير مع وجود قوات الحوثى التى طفقت تطلق صواريخها على الموانئ والمدن الاسرئيلية على البحر الاحمر عسقلان وأشدود وغيرهما والحوثى ذراع ايرانية أمتدت لتحاصر الجزيرة العربية حتى ان ايران تباهت ذات يوم بانها احتضنت الجزيرة العربيىة من كل الاتجاهات وذلك تحقيقا لاعتقاد شيعى بانهم سيستولون على الجزيرة العربية وينبشون قبر الرسول فى المدينة المنورة….. تمضى الأحداث أبعد من ذلك فاسرائيل نفسها لها نبوءات توراتية ( بأن الصهيونية المسيحية الإنجيلية القائمة على الإيمان بعودة المسيح، وأن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل، وتجمّع اليهود في فلسطين، وبناء هيكل داؤود) فالمسألة لها جذور دينية وسياسية وعسكرية بدون شك… والسودان وسط هذه المعمعة يفتقر قبل كل شئ الى القيادة التى تقرأ وتستوعب التاريخ لاستشراف المستقبل وليس الركون الى الحسابات الاتية المتعجلة ولا توجد دولة فى العالم يتملكها هاجس البقاء كاسرائيل لنبوءات توراتية تؤكد زوال دولة اسرائيل الشئ الذى تؤكده نصوص القران كذلك .. كل للتاكيد بان اسرائيل لا تلعب فيما يتعلق بوجودها وتبنى قدراتها العسكرية على الأساس وكم من المرات تؤكد القيادات العسكرية قدرات بلادهم للوصول الى اية نقطة يريدونها فى المنطقة وهذا يتاكد اليوم وما تشهده ايران واذرعها فى المنطقة.. هناك حلفاء مخفيون لايران ويتمثلون فى عناصر الحركة الاسلاموية والتى احتفت كثيرا بثورة الخمينى بل ان بعض ساستنا كالامام الصادق المهدى قد تماهى الى حد ما مع الخطاب الثورى الايرانى… محنتنا عميقة فبلدنا لم يعد ملكا لنا بل صار ورقة تلعب بها فئات من الحركيين ولا تلتزم بابسط قوانين العلاقات بين الافراد والدول قانون ( عدو عدوك صديقك وصديق عدوك عدوك) غاين نحن ..اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..