“الزباين تلقى وصفة” ستات الشاي.. أرزاق بين لهيب الكوانين

الخرطوم ? صديق الدخري
من أعلى السرِّي ومن أسفل الظاهر، كانت لنا جولة عبر نافذة تظهر على إطارها الخارجي (الابتسامة) عنوة وكيداً لحق الحياة، لكن تتكشف لك الحقيقة حين تقترب من الأشياء، تلوح لك أشياء غامضة وربما غير مدركة، وتلك هي اللوحة الحقيقة التي تشكلها الظروف وتعجنها الأيام التي أجبرت العديد من (الأيدي الناعمة) أن تتخشن، فتصبح مبرداً لقص يد الحاجة عندما تمد لغير الله.
إنهن ستات الشاي، خلف كل واحدة منهن حكاية يحول بيننا وبينها ألف باب موصد، تركن أبناءهن للقدر، ونزلن الشارع يبحثن عن لقيمات تسد تقيم أود طفلة جائعة أو مصاريف لتعليم تلميذ تخلف عن الدراسة بسبب وجبة أو كسوة تقية لسعات البرد القارس هذه الأيام، جلسنا للعديدات منهن ليسردن تجربتهن القاسية علها تكون دواء يضمد بعض جراح مجتمع يتنكر للعرفان والعمل الشريف.
بطعم الحنظل
جلسنا إلى حليمة حمد التي تبيع الشاي بالقرب من جسر السوق المركزي الطائر، طرقنا باب الحكي معها خلسة، وسألناها: ما الذي أتى بها إلى هنا؟ فقالت بأسى لكن بكل حزم: “الظروف بلا شك، ومضت في حكايتها: كنت متزوجة من (…) ولدينا أربعة أبناء وكنا في أمن وأمان، لكن في الأعوام الأخيرة تبدلت الكثير من الأشياء وأصبحت الحياة متقلبة إلى درجة مربكة، فحالت دون تواصل مشورانا معاً، فوظيفة زوجي لا تسد رمقاً، فهو يعمل في وزارة ومرتبات الحكومة (لا بتودي ولا بتجيب) (محلك سر)، ضغطت علينا الظروف كثيراً، فهرب من المنزل، وبعد غيبة مقدرة إرسل إليَّ ورقة الطلاق، وترك أبناءه الأربعة تحت رعايتي وكفالتي، يظن أنه نجا، والحمدلله أنا الآن أعمل بكل جهد حتى يكبروا ويرفعوا عني كاهل الحمل ولو قليلاً في المستقبل”.
لا حس لا خبر
وعند فوزية محمد تتشابك الأشياء، ويؤلمك ألمها حد التخدير، فتقف قصتها غصة في حلقك، حين تقول: “الأب خرج منذ ثماني سنوات إلى دارفور بحثاً عن الرزق واللقمة الحلال، لكنه لم يعد حتى الآن ومنذ لحظتها لا (حس لا خبر لا تلفون)، اضطررت أن أنزل الشارع، فأنا الكبيرة في أسرتي، ولا بد أن أصرف على أمي وأساعدة إخواني السبعة الصغار الموزعين على مراحل التعليم المختلفة”. وتضيف: “ما أجبرني على النزول هذه الظروف الصعبة، فإذا تغيبت يوماً واحداً من المجيء إلى هنا لن نأكل أو نشرب، وتتعطل حياة أسرتي كلها”.
الحياة شراكة
أما فاطمة عبدالله التي بدا على ملامحها النضار وحبور الشباب، وهي توزع بخفة ورشاقة للزبائن أكواب الشاي والقهوة على زبائنها، انتبهت فجأة إلينا، فحدقت صوبنا متسائلة: من أنتم؟ وماذا تريدون؟ فأجبناها. فردت على استفسارنا: ما دعاني للعمل هنا المال (أنا دايرة قروش عشان أقدر آكل وأشرب)، لقد تغير الزمن، الحياة أصبحت بحاجة إلى شراكة، لا يمكن أن أضع كل الحمل على كاهل الأسرة

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. فى ظل الفضاء الواسع وتعددالمنابر تستغفرللخليل وابوالاسؤد الدولى لغياب حس اللغة والتعابير الجيدة ولكن فى هذا التحقيق جزالة فى الاسلوب وسرد بهيج بالرغم من الحزن الذى يطغى على التحقيق وهويطرح قضية ماساوية تكتنف ستات الشاى واهمس فى اذن المجتمع ان يتعاون مع هذه الشريحة وغيرها من الاسر الفقيرة والمتعففة وكذلك تفعيل شعيرة الزكاة بين اهل الاسلام ولجان الاحياء والمحليات لطرد شبح الفقر

  2. الشاى وستات الشاى وبيع الجامعه ومشروع الجزيره كلها نماذج لازمه واحده لن تزول الا بزوال السبب الذى اختلقها .
    والله المعين فلا تقنطوا .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..