انتعاش صناعة النجوم في غياب البطل القومي العربي

عمان ? حلمي الأسمر: أصبحت الشبكة العنكبوتية، المنصة الأثيرة والأساسية لصناعة نجوم الفن والوعظ، في غياب البطل القومي العربي، وحينما تفتح الصفحة الأولى من الموقع الخاص برصد نشاط سكان هذه الأرض عموما، والوطن العربي تصاب بشيء من الحَوَل، بسبب تقافز الأرقام وسرعة العدادات، التي ترصد هذا النشاط.
ويكفي أن نعلم أن العالم يشاهد في اليوم الواحد، 8.8 مليار فيديو على يوتيوب، وإرسال 803 ملايين تغريدة على تويتر، ويرفع 186 مليون صورة على أنستغرام، وفق إحصاءات نشرها تقرير للبنك الدولي بعنوان «التنمية في العالم 2016: العوائد الرقمية»، فيما أعلن مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لموقع فيسبوك عن وصول عدد مستخدمي الموقع إلى 1.6 مليار مستخدم حول العالم، حيث يعتبر فيسبوك الشبكة الإجتماعية الأكثر شعبية في العالم العربي بحسب دراسة قالت إن قاعدة مستخدمي الشبكة في 22 دولة عربية سجلت نسبة نمو بحوالي 49 % .
وتذكر الدراسة الصادرة عن برنامج الحوكمة والابتكار في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية أن قاعدة مستخدمي هذه الشبكة الاجتماعية في العالم العربي زادت وتوسعت لتتجاوز مع نهاية شهر أيار/ مايو الماضي نحو 81 مليون مستخدم. وتظهر الأرقام أن حظ البلاد العربية من النشاط العام على الإنترنت إجمالا، لا بأس به، حيث يتوقع أن يصل عدد مستخدمى شبكة الإنترنت إلى نحو 226 مليون مستخدم بحلول العام 2018، وفقاً لـ «تقرير اقتصاد المعرفة العربي 2015-2016»، الصادر هذا العام عن «أورينت بلانيت للأبحاث».
لقد تحول هذا النشاط المحموم على شبكة الإنترنت إلى وسيلة سهلة وميسرة لصناعة «أبطال» بديلين عن البطل القومي المفترض في العالم العربي، إضافة إلى وسائل أخرى أقل شأنا، كوسائل الإعلام المختلفة مرئية ومسموعة ومقروؤة، إضافة إلى الكتب، التي غدت أقل وسائل المعرفة والإنتشار في هذا المجال، ويكفي أن يضع عالم واعظ «تغريدة» على تويتر، تتضمن بعض الأدعية والأذكار الصباحية، ليقوم بالإعجاب بها فورا المئات من متابعيه المقدر عدده ببضعة ملايين، وكذا هو الأمر بالنسبة لمغنية مثل نانسي عجرم، فيكفي أن تنشر تغريدة تهنىء بها العماد ميشال عون بانتخابه رئيسا للبنان، ليعجب بها ثلاثة آلاف من متابعيها البالغ عددهم 10.3 مليون متابع وليعيد تغريدها المئات من هؤلاء، فيما يضع مقدم برنامج سياسي تعليقا على صفحته فتجلب ملايين الاعجاب وآلاف التعليقات.
ولا تكاد تخلو قوائم الشخصيات الأكثر تأثيرا التي تصدرها بعض المؤسسات المتخصصة، من اسم أو أكثر من نجوم الوعظ والدعوة والفنون المختلفة كالغناء والرقص والتمثيل، والرياضة بالطبع، حيث أصبح هؤلاء الأكثر إلهاما ومتابعة من قادة المجتمع وصناع الرأي العام المفتَرَضبن، من كتاب وشعراء وإعلاميين، ومفكرين، ولعل التفسير الأكثر قربا لهذه الظاهرة، غياب البطل القومي الحقيقي الملهم، باعتبار أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، حبث تكاد الساحة العربية تخلو من زعيم وطني مؤثر يحظى بإعجاب الجماهير وإجماع سوادها الأعظم، الأمر الذي ترك الساحة خالية لصعود «نجوم» الفن والوعظ، واحتلالهم مكانة رفيعة في الوجدان الجمعي العربي. ويستذكر كبار السن كيف كان زعيم عربي كجمال عبد الناصر، يحظى باهتمام الجماهير العربية، حين كانت عيون وآذان الملايين تتجه لأجهزة الراديو، انتظارا لسماع أحد خطاباته الشهيرة، ولم يكن ينافسه في هذه الشعبية غير مطربة كأم كلثوم أو مطرب كعبد الحليم حافظ، حين كان يتم الإعلان عن بث حفلة لهما، أما اليوم فلم يعد ينتظر أحد سماع خطاب هذا الزعيم أو ذاك، فيما يتلهفون على متابعة ما «يغرد» به مطرب أو مطربة، أو واعظ أو داعية، على تويتر أو فيسبوك!
القدس العربي