أهم الأخبار والمقالات

السودان ومظاهر الانهيار

الشفيع خضر

مع كل صباح جديد، يتفاقم الوضع في السودان ويزداد تعقيدا وتأزما، ويظل الحال كما البارحة، لا تلوح في الأفق أي حلول أو مخارج، بقدر ما تتأكد مظاهر الانهيار الشامل، وتتبدى في ذات الأفق ملامح الفوضى غير الخلاقة. فإطلاق الرصاص الحي على شباب الوطن المحتج سلميا بهدف القتل العمد المباشر، يُعد مظهرا من مظاهر الانهيار، وقبل ذلك هو جريمة تستوجب العقاب. أما الحديث عن طرف ثالث يطلق الرصاص فهو استخفاف بعقل القائل قبل السامع، والسؤال البسيط بديهي الإجابة هو: من المسؤول عن كشف وضبط هذا الطرف الثالث؟ وبالأمس، في مدينة ودمدني الجسورة، كان هناك من يطلق الرصاص على المتظاهرين السلميين وهو يمد لسانه استحقارا لقرارات مجلس السيادة الآمرة بعدم إطلاق الرصاص. فإما أن قيادة البلد لا تملك أي سلطة أو سطوة قيادية وإدارية على جنودها، فيعصون الأوامر ويطلقون الرصاص، ويفشلون فعلا أو عمدا في كشف وتوقيف هذا الطرف الثالث إن وجد، أو أن هذه القيادة تتسلى بالضحك على شعبها ولا تصارحه بالحقيقة، وتتعامل معه وكأنها تلعب معه لعبة «الاستغماية» في نسخة دموية، والحالتان من مظاهر الانهيار.

عندما يحتج رئيس القضاء بقوة على تصرف وسلوك ذات السلطة التي عينته، وعندما ينفذ أعضاء الهيئة القيادية، وأعضاء النيابة العامة، والقضاء الواقف، والأطباء، وقدامى المحاربين… وغيرهم، عندما ينفذون وقفات إحتجاجية ضد القمع الدموي من قبل السلطة تجاه الشعب، وعندما يستقيل أحد الولاة أو يرفض أحد الوزراء تعيينه أيضا احتجاجا على ذات السياسات، وعندما تمتد احتجاجات الأهالي لتصل حد إغلاق الطرق القومية الرئيسية التي بمثابة شرايين الحياة للبلد، عندما يحدث كل ذلك فلا توصيف له أدق من أنه من مظاهر الانهيار. ومن زاوية أخرى، ورغم أن ظاهرة زوار الفجر سيئة الصيت عادت كما كان الحال في زمن الانقاذ، ولم تسلم منها حتى النساء، ورغم ارتفاع حصيلة الحصاد اليومي لأروح الشهداء من الشباب الذين يتم قنصهم بعناية، وفي الغالب بتحضير مسبق، فمن الواضح، وحسب مجريات الأمور، أن رفاق هولاء الشهداء لن يتوقفوا عن احتلال الشوارع. أما تاريخ السودان بعد الاستقلال فيحدثنا بكل ثقة بأن أي نظام مر على السودان وارتكب خطيئة مخاطبة شعبه وشبابه بلغة الرصاص القاتل، فإن هذه المخاطبة، ومهما كانت قوتها ودمويتها، لن توفر له سر البقاء في كرسي السلطة، بل سيسقط منه، طال الزمن أم قصر.

نعم، دخلت البلاد في مرحلة تتطلب تكاتف كل الجهود بحثا عن مخرج ناجع وآمن يتصدى لهذا الوضع الخطير، والذي يزداد خطورة بهذا العجز المتمكن فينا والمتمثل في حالة التشظي والانقسام. صحيح أن جذوة الثورة لا تزال متقدة، وأن سلاح لجان المقاومة أثبت فاعليته واحتل مقدمة الصفوف في المعركة. لكن، حماية الثورة وتقدمها نحو الانتصار يتطلب أكثر من سلاح وعدة أنواع من الذخائر. وفي هذا السياق، نشطت عدة مجموعات داخل الوطن في إطلاق مبادرات تبحث عن مخرج آمن للبلاد من أزمتها الراهنة.

وهناك أيضا مبادرات من خارج الوطن أهمها مبادرة الأمم المتحدة والتي أوكل أمر تنفيذها لبعثة «يونيتامس» الأممية المكلفة بدعم الفترة الانتقالية في السودان، وعلى ذات الطريق جاءت زيارة مفوض الأمن والسلام في الاتحاد الأفريقي للبلاد. وكما أكدنا كثيرا، لا أعتقد أن هناك من يرفض الإنصات لأي من هذه المبادرات ما دامت تنطلق من منصات تحظى باحترام الجميع، مؤسسات كانت أو شخصيات، وما دامت هذه المبادرات تقر وتعترف بأن الأزمة السياسية التي فجرتها إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الانقلابية قد أدخلت البلاد في نفق مسدود، مما يهدد في المقام الأول أمنها وسلامة شعبها، وما دامت تسعى إلى لجم العنف وحقن الدماء، وشل الأيادي التي تبطش بالمواطن والشباب المسالم، وما دامت تعمل من أجل التوافق على الآليات التي يكون في مقدمة مهامها استعادة مسار الفترة الانتقالية في اتجاه تحقيق شعارات ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة ممثلة في تصفية كل أشكال وبؤر النظام المباد، والسير في طريق التحول الديمقراطي وتمكين الحكم المدني، والعمل على تجنيب البلاد كوارث الصراعات الدموية والحروب الأهلية. ومع ذلك، هناك نشعر ببعض القلق تجاه ظاهرة تعدد المبادرات، وخاصة تلك التي تأتي من خارج السودان. فتعدد هذه المبادرات سيجعل البلاد وكأنها سوق لتبضع هذه المبادرات، مما يثير الربكة ويضيّع الأولويات، ويخلط مصالح الغير بمصالح البلاد. ونحن نرى أن الأفضل لبلادنا هو توحد هذه المبادرات، مع تنوع مراحلها وآلياتها، لذلك نجدد ما طرحناه في مقالنا السابق من تأييد ودعم لمبادرة الأمم المتحدة على أن تنسق بدرجة عالية مع مبادرة مدراء الجامعات السودانية التي قطعت شوطا كبيرا في التواصل مع كل قوى التغيير في البلاد، بحثا عن توحد خطابها السياسي وعن المشتركات بين المواثيق المتعددة التي طرحتها هذه القوى. والملاحظ في كل هذه المبادرات دعوتها لعقد مؤتمر مائدة مستديرة كآلية للتوافق حول المخرج من هذه الأزمة. نشير بأننا سبق وطرحنا إقتراح مؤتمر مائدة مستديرة، وذلك في مقال لنا في مايو/أيار 2020، عندما وصلت الفترة الإنتقالية، حسب وجهة نظرنا إلى طريق مسدود.

عموما، أعتقد أن أي مبادرة وأي مؤتمر للمائدة المستيرة، لن يكونا ذا معنى وجدوى إذا لم ينطلقا من فرضيتين رئيسيتين: الأولى، أن صيغة الشراكة بين المكون العسكري والمكون المدني، والتي ظلت تحكم الفترة الانتقالية منذ بدايتها، قد فشلت تماما. والفرضية الثانية، ضرورة وحدة إرادة التغيير في منبر ومركز قيادي موحد. ومرة أخرى، أحيي مبادرة مدراء الجامعات السودانية والتي تبذل مجهودا عظيما لخلق أرضية مشتركة بين قوى التغيير المدنية، غض النظر عن حجم أي من هذه القوى أو أطروحاتها.

القدس العربي

‫18 تعليقات

  1. “….عموما، أعتقد أن أي مبادرة وأي مؤتمر للمائدة المستيرة، لن يكونا ذا معنى وجدوى إذا لم ينطلقا من فرضيتين رئيسيتين: الأولى، أن صيغة الشراكة بين المكون العسكري والمكون المدني، والتي ظلت تحكم الفترة الانتقالية منذ بدايتها، قد فشلت تماما…”
    كيف تحكم عليها بالفشل وانت وحمدوك من اسس لإتفاق 21 اكتوبر الكارثي الذي أطر لهذه المشاركة؟
    واذا كنت فعلا مقتنع بالقشل لماذا لم تنتقد مساهمتك في هذه المبادرة ؟
    السياسيين في السودان بقوا مجرد حربويات كل يوم هم في مقال جديد … هل هكذا تحل القضايا؟

    1. ينتقدها كيف و هو نتاج اليسار الرث. أربعة عقود متفرق في صفوف حزبكم و لم يخرج بغير هذا المستوى المتدني من الوعي. تلومه على شنو ما منكم و فيكم شيوعي كوز احمر.

    2. حتى لو كان مشاركا الآن يقول لك فشلت يعني كنا غلطانين فهل تريده يستمر في الكذب ولا يقر بالفشل؟؟ هذا في حد ذاته انتقاد للنفس فماذا تريد أكثر من كده؟ وماذا تستفيد من كتابة أسفه ؟

      1. صحيح يا كج لا معنى في قولة “انا اعتذر” … والمقصود هنا ايضاح القصور السابق وتخطيه … ودا الشيئ المفقود في كل كلام الوزراء السابقين . ومقال الشفيع هنا لا يحدد اوجه القصور السابق ناهيك عن تخطيه…

    3. مشكور دكتور الشفيع ولك اجر المحاولة ويا مجودي الرجل لا خان ولا سراق و لا قتل ولا قسم البلد ولا شرد البشر وقل كلمة الحق ووفر غضبك لم يقتل الشباب السلميين في الشوارع او المرتزقة والانتهازية جماعة الموز او الكيزان اللصوص الحرامية المصريين يحكموا البلد غصبا عن شعبها وخليك رجل واستحي وابعد من شغل الدجاج الالكتروني

    4. السيد الشفيع من الآكلين في كل مائدة
      ضاعت مصداقيته بشكل كامل و الآن يبحث عن دور هو ليس مؤهلا له على الإطلاق

  2. اقتباس. . (وما دامت هذه المبادرات تقر وتعترف بأن الأزمة السياسية التي فجرتها إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الانقلابية)..

    …. المساوم التاريخي الشفيع خضر كان يكتفى دوما بوصف انقلاب البرهان باجراءاث، في هذا المقال أصر المساوم على كلمة إجراءات وأضاف إليها على مضض كلمة الانقلابيه..

    …يا شفيع ذكرت لك مرارا وتكرارا لا تحاول أن تخادع شباب وكنداكات الثوره فهولاء يملكون كم من الحصافه والفكر المستنير والولاء لهذا الوطن يفَوق تصور مقدرتك الذهنيه ايها المفكر..!!

    …. الثوار خبروك انت ومساومتك التاريخيه التي تدعو لمسامحة الكيزان القتله وعودتهم الي العمل السياسي فرضتها على الوضيع الرعديد حمدوك وجلبت له في مكتبه المجرم القاتل الغازي العتباني وفرضت عليه شلة المزرعه مستشارين له لينفذوا مساومتك التاريخيه..

    … لا يفوتني ذكر بدعة أمام ألبوخه الهبوط الناعم التي كانت في تناغم واضح وتنسيق تام مع المساومه التاريخيه،وكانت النتيجه وأد بريق ثورة ديسمبر المجيدة خاصة بعد انقلاب البرهان الذي شاركت فيه وحاولت الترويج له بمعية فضل الله برمه،، الواثق البرير،، حيدر الصافي ، يوسف محمد زين، وبعض من رجال الطرق الصوفيه لفترة ولكن الثوار كانوا لكم بالمرصاد…

    … اشتعلت الثورة مجددا وكانت اكثر القا بفضل شبابها الغر الميامين واجهوا آلة قمع الكيزان ودعاة الهبوط الناعم والمساومه التاريخيه ومن تبعهم من الغاوون بشجاعة منقطعة النظر قدموا فيها الشهيد تلو الشهيد..

    …. تلطخت يداك يا شفيع انت ورهطك من بايعوا الانقلاب بدماء ست النفور، ومروان وشعيريه، وابن الجنوب جون وغيرهم من الشهداء الاماجد…

    … يا شفيع تبت يداك ابعد عن لجان المقاومة ولا تحاول أن تفرض عليهم أفكارك التي اوردت بالوضيع حمدوك مورد التهلكه..
    … المجد والخلود لشهدائنا الاماجد..
    .. الذل والعار للانقلابيين القتلة اللصوص وكل من ساندهم حتى ولو بكلمة واحدة مثل ( إجراءات)….

    1. خليك من دكتور الشفيع أنت متى تصبح رجل حقاني وتقول كلمة الحق اقول لك استحي لعنة الله على الكيزان ليوم الدين

      1. يا نوبي الظاهر فهمك في اللغه العربيه دون المستوى، حاشوف واحد يترجم ليك تعليقي بلغة أحبتي وأهلي النوبيين..

    2. في مثل هذه العنتريات تكمن مشكلة السودان و ما أكثرها لذلك على منكم أن يخاطب نفسه اولا و يرى مواطن الخلل في نفسه حتى يدرك ما يقول و إلى ذلك الحين سيظل كل إناء بما فيه ينضح

    3. لا فض فوك

      الزول المستهبل ده لا يزال يأمل في إعادة ولي نعمته إلى الحكم و المشهد السياسي
      و بهذه الطريقة الشعب سيختار طريق دموي جدا فقد قال الشعب كلمته عدة مرات ضد الكيزان و العسكر و لن يقبل مرة أخرى أن تتم مصادرة اختياراته

  3. هناك نشعر ببعض القلق تجاه ظاهرة تعدد المبادرات، وخاصة تلك التي تأتي من خارج السودان. فتعدد هذه المبادرات سيجعل البلاد وكأنها سوق لتبضع هذه المبادرات، مما يثير الربكة ويضيّع الأولويات، ويخلط مصالح الغير بمصالح البلاد.

    نأمل صد باب المبادرات الخارجية والتركيز على مساعي الداخل

  4. اقتباس.. لاتوصيف له أدق من أنه من مظاهر الانهيار.
    دا توصيفك للانهيار ودا مستوى تفكير واحد كان قياديا في حزب يرى انه فريد زمانه. انت احد مظاهر الانهيار.. كل مواقفك ومواقف حزبك القديم جزء أصيل من الازمة الحالية وما قبلها. المفروض كلكم تتحاسبوا كيزان وشيوعية انتم دمرتم البلد.

  5. تخيلو الثوار و انا معاهم داخل المستشفيات بيقولو المصابين منهم برصاص خارق للدروع Hallow Point High Felicity باصابات في الارجل و الأكتاف و الآن في الصدر و الراس، المصابين كنهم بيقولو للأطباء اقطعو يدينا دي لو ما نافعة عايزين نحصل المواكب الجاية، أصحابنا استشهدوا يعني شنو يدينا.
    السودان ده حاصلة فيهو ثورة بركانية رهيبة حتحرق اي خائن و عميل؛ التقيل جاي وراء، اها يا جرذان الباشبوزق، حتشوفو الثوار الجد جد لما تولع. ثورة حتى النصر.

  6. الكل على علم بمواقف الشفيع خضر المخزيه.
    فهو مهندس الهبوط الناعم.
    هو من أراد فرض الأمر الواقع العساكر بثوب مدني كمبارس.
    الشفيع خضر تؤاط مع الانقلابيين ولا ذال يعمل على تغيب الوعي ولكن هيهات الشعب تجاوزكم بمراحل فهو واعي بقضيته الاساسيه. حكم مدني كامل. لا تفاوض لا شراكه لا مساومة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..