الشعب يعاني ولكنه حر كريم ولم يعد ذليلاً
الشعب يعاني شظف العيش بمشقة ولكنه حر كريم ولم يعد “الخادم” الذليل وهم السادة !
صحيح لقد ضاق الناس ذرعا بما آل اليه حال معاشهم اليومي ، وهو حال موروث من نظام الإنقاذ .
الصحيح ايضا لقد شق علي الناس الحصول علي الخبز والوقود و المواصلات، وبلغت معاناتهم ما بلغت .
ثم جاء وباء ( الكورونا ) ليفاقم الحال ويبدله من صفوف متراصة خارج البيوت تبحث لها عن خبز حاف وقطرة بنزين، الي تكدس وتكوم داخل البيوت تشبثا بنعمة الحياة وتفاديا لفيروس قد يكون عالقا في يد مستهتر يمدها ليصافحك، وقد يكون مصابا ولا يدري فيكون قد قتلك بينما كان يريد أن يخصك بالسلام !
لكن ما سقط من ذاكرة الساخطين والمتبرمين المثقوبة ، الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ،ان هذه المعاناة لم تبلغ من عمرها بالكاد عاما ما بعد الإنقاذ، ودولة التمكين ما تزال قابضة علي مفاصل الدولة ،وتسيطر علي القوات المسلحة والشرطية واجهزة الامن ،ومليشياتها ماتزال تجتمع وتنفض وسط مراقبة ومداهمات لجان المقاومة الشعبية في مختلف المدن السودانية كما نري ونسمع .
حكومة حمدوك ورثت حزينة خاوية علي عروشها ،ووضعا إقتصاديا مازوما بلغ حد الإفلاس ! بينما الاموال المنهوبة ماتزال تعمل خارج سيطرة كل من بنك السودان ووزارة المالية .هاهي شركات القوات المسلحة والاجهزة الامنية تدير نشاطا إقتصاديا وماليا موازيا للإقتصاد الوطني ! و ليست له علاقة لا بالحزينة العامة ولا ببنك السودان !
ويقف متفرجا علي معاناة الناس ومشقتهم كانه يمد لهم لسانه ساخرا ليقول لهم ” تاني عشان تسقطوا نظام الإنقاذ وترموا بالرئيس البشير في كوبر ! ” .
لكن وسط كل هذه المعاناة يظل السودانيون أحرارا اصحاب الكرامة غير المنقوصة ،تشراب اعناقهم بالعزة والكبرياء .
هل يتجرا الآن اي فاقد تربوي او جنجويدي او “بلطجي” ان يقتحم جامعة للبنات في اي مدينة من المدن وينتهك حرمة الحرم الجامعي بغرض التحرش الجنسى المفضوح ؟ وتلك كانت فضائح النظام موثقة ومسجلة بالصوت والصورة !
هل يتجرا حاليا اي” هلفوت” فاقد الهوية والتربية والاصل، ان يمد يده يجلد سودانيا طاعنا في السن في عرض الشارع ؟
هل يستطيع اي كلب من كلاب الاجهزة الأمنية الماجورة ان يقتاد معارضا من بيته والشمس في رابعة النهار وسط قمع وبطش وإهانة لافراد اسرته ان ابدوا ضربا من المقاومة او الإستنكار ، ثم يقودونه الي مكان مجهول تحيطه العتمة ويطوقه الظلام ،ربما لايعود منه ثانية ،وإن عثر عليه صدفة ، سيكون فاقدا لعقله او مشوها في كيانه النفسى ومشاعره وروحه ولايعود إنسانا سويا كما كان قبل الإختطاف !
هل تستطيع الاجهزة الامنية الثمانية السرية من كتائب ظل والأمن الشعبي وامن الطلاب وامن الحركة الإسلامية وغيرها ان تدخل عنوة اي بيت من بيوت الأحياء الشعبية يروعون اهله ويفتشونه تفتيشا مذلا ومهينا ،وعندما لا يجدون ضالتهم ، تمتد اياديهم القذرة يسرقون ماتيسر لهم من مال شحيح كانت تدسه ربة البيت تحت وسادتها وهو عبارة عن “حق الخضار “!
السودانيون بعد ديسمبر 2018 يعانون المعاناة نفسها التى كانوا يعانونها وفوقها الموت والإبادة والبطش والإغتصاب والسجن والإعتقال والتنكيل خلال سنوات الإنقاذ الإنقاذ العجيفات .
ولكن الفرق الآن انهم يعانون وهم أحرارا يمتشقون كرامتهم وترتفع قاماتهم بالكبرياء والعزة .
” لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كاس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم وجهنم بالعز اطيب منزل” عنترة بن شداد .
من اجل الحرية والكرامة والعدالة والسلام ثار الشعب السوداني وبذل آلاف المهج الغالية والدماء الغزيرة الزكية. لم يبذل كل تلك الارواح الغالية فقط من اجل قطعة خبز حاف او جالون بنزين !
بل ثار من اجل قيم واشواق وآمال وتطلعات ومطالب ومفاهيم عميقة من اجل بناء الدولة الجديدة ،التى جسدوا نموذجها المدهش في “دولة منصة الإعتصام” الراقية التى كان الناس يقيمون فيها الصلاة رجالا ونساء سواسية ،ويغنون ،وينشدون الشعر ،ويلونون جدارياتها بالتشكيل الذي يعبر عن تنوع السودان وثراءه ، ثم يتشاركون ما ياكلون، وما يشربون فى اروع مثال للعيش المشترك والتناغم في محبة وسلام . كان نموذجا قد اخرس كل دعاة الجهوية والقبلية والعنصرية وانصار الدولة الدينية. واسقط كل شعارات المشروع الحضاري التى ذهبت مع رياح الثورة ذهابا ما بعده عودة .
إذن الشعب السوداني مستعد للمزيد من المعاناة في سبيل الدفاع عن ثورته والمضى بها قدما حتي تبلغ نهاياتها التى سالت من اجلها الدماء الطاهرة ( حرية عدالة سلام ) ،إن كانت الدولة العميقة في حربها المستعرة ضد إرادة الشعب السوداني بالتآمر تارة وخلق مثل هذه الازمات تارات اخري من اجل تقوض ثورته والعودة به القهقري . نقول لها هيهات هيهات وشتان بين ان نعاني ونحن أحرارا وبين ان نعاني ونحن الخدم و وكانوا هم السادة !
جعفر عبد المطلب
كرامة ايه ونص الشعب تحولوا إلى شحادين في الشوارع والاستوبات، والنص الباقي سماسرة ومحتالين.
الذلة التي يعيشها الشعب السوداني الان لم يشهدها حتى في زمن المجاعة.