السيد عبدالرحمن المهدي كرجل اعمال (1-2)

السيد عبدالرحمن المهدي كرجل اعمال (1-2)
عرض لكتاب “الجزيرة ابا: همس التاريخ” د. الطيب احمد هارون
(الكتاب من دار جامعة السودان المفتوحة للطباعة 2014)(309 صفحات).
د. صديق امبده
مقدمة: هذا كتاب يستحق القراءة ومجهود تجب الاشادة به عدة مرات وليس مرة واحدة. قيمة الكتاب وفرادته تكمن في الكم الهائل من المعلومات التي جمعها الكاتب خلال 16 عاما من شفاه الانصار والمعاصرين والمشاركين في ذلك التاريخ (حوالي 200 شخص) ومن محفوظاتهم الشخصية. تبع ذلك أن كان الباحث استاذا في مدارس الجزيرة أبا الثانوية ووجد وثائق الدائرة او المتبقي منها في سراي الامام عبدالرحمن ، والذي كان جزئيا مقرا لدائرة المهدي، ثم اكمل كل ذلك بالمراجع المطبوعة والرسائل الجامعية ومن دار الوثائق القومية. وهو سفريجد قيمته في مضاهاة المحكي شفهيا بما هو موجود في الوثائق و من ثَم الوصول الي الحقائق، وقد سبقه في هذا المنحي ربما فقط الاستاذ زلفو في كتابيه عن شيكان وكرري. الكتاب في سلاسة راوية مشوِّقة ، وهو يندرج في اطار تأريخ ما أهمله التأريخ ، ولذلك اسماه الكاتب “همس التاريخ” لانه يحكي بعضا من المسكوت عنه في تاريخ الانصار والجزيرة أبا والسيدعبد الرحمن المهدي. الكاتب الدكتور الطيب هارون من أبناء الانصار الملتزمين إذ يقول “أ نا من أبناء الانصار الذين يكنِّون لامامهم نوعا من الاحترام يشبه التقديس “. لكنه كمؤرخ يقول “عندما بدأ التاريخ يتكلم قررت ان اصمت، وبدأت احاسيس التقديس والعصمة تتلاشي.” صفحة 9 . والكتاب في رأي المؤلف يتضمن “حقائق تأريخية تنشر لاول مرة، معلومات يندهش لها حتي أبناء الجزيرة أبا أنفسهم ، لأنه لم يكن متاحا التداول فيها، بل كان التداول فيها يهدد حياة متعاطيها”. ص 5
سنتناول في الجزء الاول من هذا العرض سيرة ومسيرة السيد عبدالرحمن المهدي منذ قدومه الي الجزيرة أبا في حوالي 1908 و كان حينها “فقيرا معدما يتنقل علي ظهر حمار ويرافقه ملازمه عبدالله الزاكي” (الكتاب ص71) ، حتي أصبح رجل أعمال من الدرجة الاولي وأصبح في منتصف العشرينات من أغني الشخصيات في السودان إن لم يكن أغناها علي الاطلاق، وذلك عن طريق بناء صرحه المالي العملاق “دائرة المهدي”. كان السيد رجل اعمال بحق يري فرص الاستثمار والتوسع فيغتنمها لتنمية رأسماله ، و لم يكن زاهدا في الدنيا مثل ابيه الامام محمد احمد المهدي الذي قال فيه رجل من دغيم ” الشيخ محمد احمد ده يا نبي يا فيهو روح نبي. أنا اهديته بقرة شايل وفي ساعتها اهداها لغيره”. الرجل الذي كانت البقرة من رزقه وضعت زوجته طفلا وجاء الي الشيخ محمد احمد وقال ما عندو حاجة ، فقال له الشيخ” شيل البقرة ديك،وذلك قبل أن يبارج صاحب الهدية المجلس( ص51 ).
في سنة 1908 سمحت الحكومة للسيد عبد الرحمن بالتحرك لأماكن غير امدرمان (وكان محظورا عليه ذلك من قبل) ، وكتب سلاطين باشا (مسئول المخابرات) الي مدير مديرية الدويم ليعطي السيد أرضا لزراعتها، فتم تسجيل بعض اراضي أبا له شريطة ان يستصلحها في خمس سنوات. وعند بداية استصلاح وزراعة الارض نازعته القبائل التي كانت موجودة فيها فرفع عليهم قضية مدنية وكسبها. ويري الكاتب أن السيد عبدالرحمن كان مواجها بمشكلتين ، هما ضرورة تعمير الارض حتي يتم تسجيلها له وهو فقير معدم ولا يقدرعلي نظافة الارض وتعميرها في المده المطلوبة، وثانيهما أنه وحيد في مواجهة جماعات من السكان ينازعونه ملكية الارض. و لذلك قام بالاتصال بالانصار يدعوهم للهجرة اليه في الجزيرة أبا لمساعدته بسواعدهم في استصلاح الارض و دعمه ضد منازعيه ، أي “لهدف سياسي واقتصادي بحت”ص 72 . بدأ السيد في ارسال المناديب الي غرب السودان ومعهم منشورات (بالدواية) يدعون فيها الانصار ويخبرونهم أن ود المهدي موجود في ابا ويدعوهم الي زيارته. واستمر ارسال المناديب منذ 1908 وحتي 1920 فجاءت أعداد كبيرة منهم (من خمسين قبيلة من دارفور وكردفان) لانهم توقعوا أن يعلن السيد الحرب علي الانجليز ليجاهدوا معه طلبا لاحدي الحسنيين النصر او الشهادة. وقال السيد في وقت لاحق مؤكدا ذلك ” كانت اليد العاملة التي نفذت كل هذا التوسع(الزراعي) ، يد المحبِّين الذي هاجروا من شتي القبائل والاقاليم ، وخاصة من الغرب، ليكونوا بصحبة ابن المهدي. وقد كان قصدهم الهجرة والجهاد في سبيل الله، أسوة بما فعل آباؤهم مع الامام المهدي، -وليسمعوا مني كلمة أعلن بها الثورة علي الحكم الاجنبي- فوجَّهت روحهم الفدائية القوية نحو العمران”.( صديق عبد الرحمن ازرق:علاقات الانتاج الزراعية في مشاريع دائرة المهدي- مجلة دراسات استراتيجية العدد 5يناير/فبرير/مارس 1996: ص61 )
عند وصول الانصار الي أبا وثَّق السيد علاقته بهم بالبيعة (بايعنا الله ورسوله ومهديه وبايعناك علي ان لا نشرك بالله شيئا ولا نعصيك في معروف. بايعناك علي تقوي الله والسمع والطاعة فيما يرضي الله ورسوله ، وقراءة الراتب أو ما تيسر منه ” ص83 .و تبعها بالدعاء (آمنت بالله ربا ،وبالاسلام دينا ، وبسيدنا محمد نبيا ورسولا ، والامام المهدي دليلا وخبيرا ، وبالامام الصادق الامين (أي السيد عبد الرحمن ) وسيلتنا الي الله تعالي ). وقد طُوِّرت البيعة والدعاء فيما بعد لتشملا كلا من الامامين الصديق والهادي وسيلة الي الله تعالي). ويري الدكتور الطيب أن بيعة الانصار للسيد كانت بغير ثمن إذ أنهم ألزمو انفسهم له بالطاعة وعدم العصيان وفي المقابل لم يلتزم لهم بتحقيق أي شيئ. اي أن له سلطة توجيههم فيما يريده منهم وليس لهم شرط الخروج عليه لانه لايوجد شرط للخروج (لان البيعة لا تسقط الا بالموت). وقد انصب توجيهه كله لهم في المستقبل لتحقيق مشاريعه الاقتصادية والسياسية( ص 83).
علاقة السيد بالحكم الثنائي: بتوجيه من مدير المخابرات في يناير 1909 وافقت الحكومة علي تمويل اعمال السيد الزراعية ، وبين عامي 9 و 10 منحته سلفية مباني. كما منحته الحكومة الافضلية في توريد عطاءاتها منذ 1914 وذلك بالاضافة للاراضي الزراعية والعقارية التي سجلتها له. وقد جاء في الكتاب أنه “كان لنجاح السيد عبد الرحمن في المهمة التي اوكلت اليه في ديسمبر 1915 فيما يتعلق بالمجهود الحربي ما جعل الحكومة تستشعر بأنه أضحي لزاماعليها مكافأة رجل كان علي درجة من الشجاعة جعلته يجاهر علنا لخدمتها في اكثر الاوقات شدة”ص 88. ولكن علاقة السيد والحكومة البريطانية كانت متأرجحة وكان رغم كل ما فعله لها مثار شك فمنعته احيانا من جمع الزكاة ومنعت الانصار من قراءة الراتب وطلبت منه الامتناع عن زيارة الجزيرة ابا والاحتفالات وقراءة الراتب. لكن في عام 1925 راجعت الحكومة قراراتها وقررت منحه قرضا مقداره 4500 جنيه لتطوير زراعته في أبا. وفي نفس العام 1925/1926 تم ترشيح السيد لوسام الامبراطورية من حاكم عام السودان حينها السير جيفري ارشر. وقد جاء في خطاب الترشيح أن من اسباب استحقاقه للوسام” ولاءه الاكيد لبريطانيا واستجابته لكل مايطلب منه في معالجة ما تتعرض له الحكومة في السودان من مشاكل، وخدمته النافعة عند دخول تركيا الحرب ومقاومته للدعاية المصرية” ص 92 . وربما يري القارئ أن بعض هذه المواقف علي الاقل مواقف سياسية لها مايبررها ، وقد ترجمت لاحقا في مطالب الاستقلالييين.
كان مناديب السيد عبد الرحمن الذين يرسلهم الي دارفور ليستنفروا الناس للذهاب للجزيرة ابا يعملون تحت سمع وبصر المخابرات مما زاد الامام مهابة في نفوس المحبين ( ص85 ). و يقوم المناديب بتنويرالراغبين في الهجرة انهم حين يصلون الي أبا سيسجلون إما في طائفة الانصار أوالمهاجرين (العمال لاحقا) ، والاخيرين غير مخيَّرين في حياتهم وانما يذهبون الي حيثما وجَّه الامام ويؤدون أي عمل يوكل اليهم. ويؤدي المهاجر القسم (انا تبع الامر والنهي) ولايعمل شئيا لنفسه ويكون مجهوده كله لصالح السيد. وحين يصلون إلي أبا يؤكد لهم السيد ذلك ويخيَّرهم بأن من لايستطيع الصبر علي الشدائد”ما ينكتب عامل ويقعد مجاور” . وكلمة الحق ظاهريا هنا هي ان السيد يحذِّرهم وينبِّههم الي ماهم مقدمون عليه عندما يؤدون القسم علي أن يعملوا عمالا لديه بالمجان . و هو هنا كأنما يبرئ ذمته بأنه اخبرهم وخيَّرهم بين ان يكونوا عمالا او مجاورين. لكن المؤلف يري ان السيد عبدالرحمن قد استغل عدم تفقههم في الدين عندما سخَّرهم ليعملوا لديه بالمجان لأن الفهم الصحيح للعمل لدي الغيرهو الحديث الشريف (اعطوا الاجير اجره قبل ان يجف عرقه).
تم انشاء دائرة المهدي في عام 1925وسجلت كاسم عمل عام 1931 (والارجح أنها قد بدأت اعمالها بموجب قانون الشركات الصادر عام 1925- ازرق ص 70) ، ثم سجلت شركاتها المختلفة تحت قانون الشركات 1925. وكان عدد هذه الشركات كبيرا وقد شملت شركات زراعية وعقارية وتجارية وخدمية وصناعية. لقد كان السيد عبد الرحمن رجل أعمال لا يكل عن التفكير في التوسع ، فبعد بدايته زراعة القطن فكر في حلجه فانشأ محلج ربك ، وبعده معصرة زيوت ربك، ثم بدأ في زراعة الخضر والفاكهة والبرسيم والقمح الخ . وبلغ به التفكير أن انشأ اسطبلين للخيول الاصيلة في كل من الجزيرة ابا والرميلة بالخرطوم (لخيول السباق) ، وعددها يربو علي المائة وعشرين حصانا ، وكان يستورد فحول الخيول من انجلترا وكينيا ليحسن بها النسل في اسطبلاته . أما من ناحية ادارة الدائرة فيري الباحث أزرق أن الدائرة كانت لها ادارة حديثة علي قدر عال من الكفاءة ،مثلها مثل الشركات الاجنبية ولاتقل عنها في اساليب الادارة والحسابات. كما يري أن التراكم الرأسمالي للشركة وللسيد عبد الرحمن كانت مصادره الرئيسية ثلاثة: هي 1. العمال الذين أتوا مهاجرين من مناطق غرب السودان ويعملون بالمجان لديه، واسماها العمالة الرخيصة ذات الولاء المطلق، 2. الزكاة والهدايا للسيد عبدالرحمن (من جماهير الانصار) و3. عطايا الحكومة وهباتها وقروضها للسيد (ازرق ص 67-68) .
تنظيم واستخدام العمالة الرخيصة وتعظيم المردود منها: كما ذكرنا سابقا فقد ارتضي الانصار المهاجرون من غرب السودان المتسجلين كعمال، ارتضوا ان يعملوا رهن اشارة السيد بدون ان يكون لهم نصيب في انتاجهم وبدون أجر في هذه الدنيا الفانية (بفهم انهم سوف يكون جزاءهم في الاخرة) . وقد جاء في متن الكتاب أن السيد قد صرح لهم بأن “من يقطع له من الحطب او يفلح من الارض شبرا يعطي في الجنة ثوابا بقدر ما خدم السيد من مساحة” ص 100. وهو تأكيد لما كان متواترا مما اعتُبر تخرصات يرددها المعارضون من أن السيد عبدالرحمن كان يقول للانصار “من قطع مترا من الحطب (من غابات أبا) عوضه الله مترا في الجنة” . مقابل العمل المجاني هذا تصرف الدائرة للعامل رطل من عيش الذرة يوميا وتصرف له كسوة بمقدار ستة ذراع دمورية كل ستة اشهر وللزوجة ثوب زراق وسبعة اذرع دمورية ?تسمي قرقاب- لتستعين به علي جني القطن، كذلك كل ستة اشهر(كل افراد الاسرة يعملون في المشروع ببطونهم).
كان السيد يسابق الزمن لاستصلاح اكبر مساحة من الارض حتي يتم تسجيلها له كماوعدته السلطات الحكومية ، وكان ذلك لايتم الا بقطع الاشجار ونظافة الارض، ولذلك بدأ العمل بما عرف بمشروع البلطة (الفأس) لقطع الاشجار اولا . وكان ايضا في حاجة لاطعام العمال الذين يعملون في القطع، فقسم العمال الي مجموعتين ، مجموعة لقطع الاخشاب ومجموعة للزراعة المطرية لتأمين الغذاء للمجموعتين. وازدادت أهمية قطع الاخشاب لدي السيد عندما احتاجت الحكومة الي الخشب كوقود للقطارات والوابورات والبواخر النيلية أثناء فترة الحرب العالمية الاولي وانقطاع وصول الفحم الحجري، وخصَّته بالافضلية لتوريد الاخشاب كوقود لآلياتها. ومن أجل تنفيذ العطاء في وقته وجَّه السيد طاقات المهاجرين (اسم العمال بدأ في 1924) الي قطع الاخشاب من الجزيرة أبا ومن غابات النيل الابيض، حيث تقطع الاخشاب ويتم رصها في امتار مكعبة لمعرفة كمياتها ثم ترحل الي مراكز جمع الحطب في شاطئ النيل ثم ترحل بالوابورات الي الخرطوم حيث تستلمها الحكومة ويستلم هو القيمة (ص100) .وتقسَّم العمالة الرخيصة علي كل تلك المراحل من القطع والرص والشحن في الوابورات ثم يرسل اخرون الي الخرطوم للتفريغ ثم الرص في امتار مكعبة لتسليم الحطب للحكومة او وكيلها الخواجة كافوري. ويذكر الكتاب أنه من قيمة تلك الارباح الكبيرة لمشروع البلطة الاول اشتري الامام منزله في الخرطوم (سراي الامام عبد الرحمن) من الخواجة كافوري كما اشتري مشروع ابو حليمةالزراعي.
استمر عمل البلطة من 1908 الي 1925 وذلك بسبب ارباحه الكبيرة (مقابل تكلفة تساوي اكل العمال وكسوتهم فقط). نقل السيد بعض العمال الي النيل الازرق عام 1922 لقطع الاخشاب (وبيعها) ليسدوا حاجة الكرَّاكات التي كانت تعمل في انشاء خزان سنار وفي حفر قنوات مشروع الجزيرة وقضوا هناك عامين. وقد ذكر الكاتب أن من مكاسب مشروع البلطة وفوائده هي أنه أدي الي إنشاء مشروع الجزيرة أبا الزراعي، العمود الفقري لاعمال دائرة المهدي ، ومشروع قندال الزراعي في النيل الازرق ، وهو ايضا من أهم مشاريع الدائرة. وبحلول عام 1933 اصبحت المشاريع الزراعية تدر دخلا قُدر ما بين عشرين الي ثلاثين الف جنيه مصري سنويا (وكانت ثروة ضخمة بمقاييس ذلك الزمان). يقول أزرق “نزعم جازمين أن هؤلاء العمال هم أساس التراكم الرأسمالي لشركة دائرة المهدي”(ص67).
كان العمال يقسَّمون علي مشاريع السيد الزراعية المختلفة، فبعد انتهاء مهمة فريق البلطة في سنار مثلا نقلت المجموعة الي منطقة الهدي ليقوموا بالزراعة المطرية وبعد انتهاء الحصاد تم نقلهم الي امدرما ن للعمل في منشآت معمارية “حسب إشارة السيد وما تقتضيه مصالح اسرته” ص 105. وبعد اربعة سنوات قضوها في امدرمان نقلت المجموعة الي جبل السريح لتعمل في الزراعة المطرية ، كما تم نقل بعضهم الي منطقة الدندر ليعملوا في ادارة المراكب واخرين الي بربر ليعملوا في السواقي في الاعوام 1942-1944. وكانوا يعملون اي عمل يطلب منهم ، ومن ذلك أنه في سنة 1927 عندما وافقت الحكومة للسيد باستخدام الطلمبات الزراعية في ري أراضي الجزية أبا وتم نقل الوابور بالقطار الي ربك جاءت الاشارة الي العمال بجرِّه بالحبال الي الجزيرة أبا (طيبة) واستغرق جرَّه مدة اسبوعين (ص116).
كما ذكر اعلاه فقد كانت دائرة المهدي تنقل عمالها من أبا الي مناطق اخري حسب الحاجة ، وكانت ترسل بعضهم “كخدم منازل (رجال ونساء) لبيوت السادة والسيدات واصدقائهم، وترسل لهم مخصصاتهم من الذرة والكسوة وتسلم لهم في اماكن عملهم (ويسمون مجازا بالملازمين)” ص108. فهل يمكن وصف هذه العملية بأن الدائرة تعمل أحيانا- كمتعهد خدامين أو-باللغة المعاصرة – مكتب عمل بمقابل معنوي؟
لكن استخدام العمال لم يقتصر علي تنقلهم بين المشاريع أو المنازل وإنما استخدموا في مناشط اخري أيضا نذكر منها اثنين.ففي عام 1918 قرر السيد بناء سراي (بالطوب الاحمر والمونة الحرة والمواد المستوردة) في الجزيرة أبا في مكان بيته المكون من قطيتين وكرنك، فصدرت الاشارة للانصار بضرب الطوب وحرقه وللنساء بجلب الماء علي رؤوسهن من النيل، كما شارك في البناء جميع سكان أبا من الانصاررجال ونساء وصغار. أما الثانية فكانت ردم الجاسر(وهو خور عريض وعميق يفصل الجزيرة عن البر الشرقي) . فعند زيارة الجمعية الزراعية المصرية للجزيرة أبا ?بدعوة منه – في عام 1935، اخبر مدير المديرية السيد عبدالرحمن أنه لايستطيع ارسال الباخرة التي كان من المفترض ان تقوم بتوصيل الضيوف بالايجارالي أبا، وذلك قبل وصول البعثة بيوم واحد فقط. فما كان من الامام الا أن اصدر الاشارة بردم الجاسر لتمر عليه عربات الضيوف لأن الزيارة كانت في زمن الفيضان .وقد تحقق ذلك في اقل من اربعة وعشرين ساعة، ومرت من فوقه عربات الضيوف الي داخل الجزيرة. وقد كانت ولاتزال تلك العملية قصة اعجاز بشري كما يري المؤلف. كان عدد سكان الجزيرة أبا في عام 1932 قد بلغ حوالي 26 الف نسمة (ص149).
بسبب ظروف العمل وإختلاف مردوده في الجزيرة كانت هنالك مشاحنات بين مجموعة العمال(المهاجرين) الذين يرون انفسهم افضل ، لانهم يرون عملهم في خدمة السيد (ومشاريعه) عبادة يتقربون بها الي الله ، والانصارالذين يرونهم غير ذلك (اي أن المهاجرين/العمال مظلومين ولايحسون بظلمهم) .وفي موضوع علاقات الانتاح هذه يقول أزرق ” ربما تعجزأدوات التحليل المادي عن فهم علاقات الانتاج التي تبنتها الدائرة في تلك المرحلة، ذلك أن دائرة المهدي لم تتبني ذلك النوع من الاقطاع الذي ساد في اوروبا في القرون الوسطي”( ص78). وحتي لا تبدأ الشكوك تتسرب الي العمال بانهم مظلومون وحتي لا تتاثر مصالح الدائرة الاقتصادية، حاول السيد التوفيق بينهم بوصف علاقات الانتاج بين الدائرة وعمالها بأنها قائمة علي أسس أبوية (وليست سُخرة). وقال إن الفرق بين الانصار والعمال هو ” أن الانصاري مثل ولدي الذي زوجته وفرز عيشته ويجاورني بالبيت ويشاركني بطعامه، والعامل مثل ولدي الذي لم ازوِّجه وما فرز عيشته ومقيم معي في البيت، جهدنا وصرفنا واحد.” أي أنها قائمة علي أسس ابوية “وليست استغلالية اقطاعية كما هو حادث” ص109. لقد كان السيد بارعا في إخراج نفسه من المطبات.
استمر نظام السخرة المذكور حتي سنة 1935 عندما أضرب عمال الدائرة مطالبين بنصيب واضح من انتاجهم، وتمت استجابة جزئية لمطالبهم فصرف لكل عامل رطل عيش و سبعة عشر قرشا ونصف. وبعد مطالبات مستمرة ارتفع الاجر حتي وصل 75 قرشا في الشهر، بعد اربعة سنوات من المطالبة ، وتجمد عندها لمدة 16 عاما حتي سنة 1956 حين استبدل بنظام الشراكة.ويجدر بالذكر ان تعديل المستحقات لم يشمل النساء العاملات. ومن اجل المقارنة فقد كانت يومية العامل في عام 1939/40 تبلغ 8 قروش في اليوم (انظر صديق امبده (1989)”اللا معقول في مجانية القبول”-جامعة الخرطوم) . وعليه يكون استحقاق العامل في الشهر 2.4 جنيه مصري، اي أن السيد كان يدفع للعمال بعد الاضراب حوالي 7% من مرتبات امثالهم في اماكن اخري، وحتي بعد رفعها الي 75 قرش وتجميدها لمدة 16 عاما فقد كانت في حدود 30% من مرتبات امثالهم ، علما بأن مزارعي مشروع الجزيرة وهم لايملكون سوي سواعدهم كانوا يشاركون بنسبة 40% من الارباح. ونتيجة لتلك الاوضاع فقد حدثت عدة اضرابات احتواها السيد عبد الرحمن بحصافته وذكائه ، لكن رغم ذلك غادرعدد من العمال وبعض صغار مهندسي الجزيرة أبا و الدائرة ومن بينهم هرون حامد الذي التحق بالمدرسة الصناعية في عطبرة وتخرج منها سنة 1933 . بعد تخرجه التحق هارون بالدائرة بمرتب يبلغ ثلاثين قرشا في الشهر ورطل عيش في اليوم ، بينما نظراؤه في عطبرة يبدأون بمرتب قدره جنيهين ويرتفع الي ستة جنيهات بعد إجتيازفترة الاختبار. بعد اربعة سنوات وصل مرتب هارون في دائرة المهدي الي 75 قرشا في الشهر(نفس اجر العامل الذي لم يفك الخط) . لكنه استقال من الدائرة وذهب الي كوستي والتحق بعمل اخر بمرتب اجمالي بلغ سبعة جنيهات ونصف. أي أن الدائرة كانت تعطيه حوالي عشرة في المائة(10%) من مرتب زملائه في الاماكن الاخري. لكن القصة لا تنتهي هنا (سنعود لذلك في الجزء 2 من هذا العرض). ومما يجدر بالذكرأن لائحة شروط خدمة شركة دائرة المهدي الزراعية توضح أن موظفي الشركة يتمتعون بشروط خدمة مغرية ومتميزة مقارنة بالشركات الاخري في ذلك الوقت (انظر ازرق ص72) ، والسؤال الذي يمكن طرحه هو لماذا والامر كذلك لم يمنح هارون مرتبا مجزيا ؟ ربما يعود السبب إلي أن السيد لايريد أن يتسبب تطبيق الشروط المتميزة علي أمثال هارون في أن يكون هو وغيره قدوة لغيرهم من أبناء الانصار فتضعف بذلك السيطرة علي الانصار وعلي ابنائهم ، والله أعلم.
اولاد النظام: في عام 1922 فكر السيد في الاستفادة من أبناء العمال الصغار أعمار (7-16سنة) في أعمال الزراعة في مشاريعه ، وصاروا يُجمعون كل صباح في مكان معيَّن ثم يحرَّكون للمشاركة في عمليات الزراعة وتمت تسميتهم ب”اولاد النظام”. تطور تنظيم الاولاد الي معسكرات بغرض تدريبهم علي اتباع الاشارة وطاعة اوامر السيد، فتم انشاء معسكرات لهم ليقيموا فيها اقامة دائمة منفصلين عن ذويهم (بموافقتهم) اولا بالقرب من غار المهدي علي شاطئ النيل الابيض في عام 1931. في العام التالي نقلت الدائرة المعسكر الي أرض الشفا وكان المسئول عنهم الشيخ يعقوب ابو نفيسة. كان برنامج الاطفال اليومي العمل في المزارع من الشروق الي الظهر وفي المساء يذهبون الي الخلوة ، واستمر ذلك البرنامج حتي توقف معسكر اولاد النظام في عام 1947 (لم يذكر السبب). ويقول الكاتب “معسكر”اولاد النظام” هو المحضن الذي يفرخ المزراعين والفنيين في المهن التي تحتاجها الدائرة في ورش الاحذية والسروجية واعمال النسيج الخ” ص150 . ومن مشاركات “اولاد النظام” الخارجية مشاركتهم في لقيط القطن حينما نقل 150 منهم الي مشروع قندال في النيل الازرق في عام 1931 وبعدها اعيدوا الي معسكرهم في أبا، كما شاركوا في اعمال الدائرة في مشروع ام دوم الزراعي من بين اعمال اخري.
الزكاة كمصدرمن مصادر تراكم رأسمال دائرة المهدي: أورد الكتاب معلومات موثقة تثبت هذا الزعم ، والذي اكَّده ايضا الباحث صديق عبدالرحمن ازرق 1996 (انظر اعلاه) . بدأ الامر حينما طلب الانصار من السيد عبدالرحمن ماذا يفعلون بالزكاة الفائضة من مزارعهم المطرية في منطقة قفا (بعد إعطاء اقاربهم). وجههم السيد أن يجمعوها في مكان واحد ليصرف منها علي الضيوف، ومن وقتها ( 1919) بدأ جمع الزكاة من جميع مناطق الانصار في كل السودان. وبدأت زكاة العيوش والمواشي ترد الي الدائرة بكميات كبيرة بواسطة وكلاء الامام الذين خصص لهم عشرة بالمائة مما يجمعونه منها. وقد انشأت الدائرة مكتبا( ادارة) للزكاة باسم مكتب التموين والمواشي الذي عدل اسمه ليكون مكتب الشئون الدينية عام 1950. وكان المكتب دقيقا في عملية جمع الزكاة واستلامها ورصد ما يصرف منها. وكانت مواشي الزكاة توضع عليها ماركة الدائرة ( (A. “كانت الدائرة تفرز الجمال الساوية لترحيل القطن الي مراكز الوزن والتجميع والنقل ولحركة عمال الزكاة. وتفرز الثيران الساوية لحرث الارض وتحضير المشاريع الزراعية، والابقار ذات اللبن الي حظيرة الالبان، وجلود الابل التي تذبح تباع وتورد القيمة لحساب مكتب المواشي، واذا ماتت احداها علي الراعي أن يثبت ذلك باحضار الجزء من جلد الحيوان الميت والذي عليه الماركة A. أما الخراف فتذبح اكراما للضيوف. وكانت الدائرة توزع ابقارا علي موظفيها للاستفادة منها، وتبيع من الانعام ما تقتضيه مصالحها.”ص 166.
وجد الكاتب ان الزكاة المجموعة قد دخلت في انشطة دائرة المهدي التجارية وان مصارفها لم تكن منضبطة كما في الاية الكريمة، بل صُرف من مواردها علي ضيافة افراد اسرة الامام ومن معهم وتذاكر سفر لهم، كما صُرف منها علي الخدَّامين بالمنازل وعلي خيول الدائرة وعلي ضيافة السراي وعلي مؤتمرات حزب الامة. ويطرح الكاتب في نهاية مبحثه حول دائرة المهدي سؤالا مشروعا ، ويقدِّم له بأن دائرة المهدي تعتبر من كبري الشركات الاقتصادية في السودان ان لم تكن اكبرها ، مما يجعل من مالكها أغني شخصية سودانية، ويدعي أنه إمام الدين ، فهل كانت الدائرة تزكي اموالها ؟ وهو سؤال لم يجد له إجابة شافية ومتروك لمزيد من التقصي.
أما عن الضرائب وما اذا كانت الدائرة تدفع ضرائب ارباح الاعمال للحكومة أم لا مثلها مثل غيرها من الشركات ، فنضيف بأن خبرها قد جاء في مقال للاستاذ شوقي بدري في صحيفة سودانايل الالكترونية بتاريخ 17 ابريل 2014 بعنوان (الأغنياء والأقوياء لا يدفعون). يروي الاستاذ شوقي أن “موظفا بوزارة المالية اسمه علي دياب قام بكتابة خطابات الي دائرة المهدي وآل المرغني لسداد الضرائب (لم يذكر التاريخ لكن الارجح في اواخر الستينات)، وكالعادة لم يكترث البيتان . وصعَّد الموظف الامر واصدر أمرا بالحجز ، وقامت الدنيا .وقالوا(ناس المالية) لعلي انهم قد كلَّفوه بمهمة الا انه طلع من الخط، فالبيتان لايدفعان ضرائب . و تساءل علي (من مواليد مصر) وانا اعرف من فين ؟ وليه يكون في ناس بتدفع وفي ناس مابتدفعش؟ وذهب وفد من المالية برئاسة الوكيل مصباح وقتها واعتذروا للسادة وتفهم السادة الامر لكنهم قالوا ان الموظف انسان مدفوع من جهات معينة . ولاحتواء الامر قامت المالية بتضمين علي بسرعة في اول بعثة واتي الي براغ “.
لقد كان السيد عبدالرحمن رجل اعمال بحق ، وكان واسع الحيلة-حتي علي الخواجات- وذو بصيرة نافذة خاصة فيما يلي استدامة اعماله التجارية (سنري كيف تعامل مع اضرابات عماله بحنكه بعكس ابنه الصديق). نذكر أنه “كانت جميع مساكن الانصار في الجزيرة أبا في سنة 1926 عندما اكتمل بناء سراي السيد ، مبنية بالقش والحطب وكذلك جميع المساجد، بما فيها مسجد الكون الشهير بالجزيرة أبا، وظلت تلك المساجد علي حالها (مبينة بالقش والحطب) حتي سنة 1970 عند ما تم ضرب الجزيرة بواسطة حكومة مايو”ص 143). لكن في عام 1958 بعد انقلاب الفريق عبود وحل البرلمان استشعر السيد عبد الرحمن المهدي بعض الخطر علي مؤسساته ?فيما يبدو- فأصدر منشورا لنواب وشيوخ الامة قال فيه” واعلموا أن دائرة المهدي مؤسسة اقتصادية اغراضهاخدمة الاهداف الدينية والاجتماعية للانصار، وقد اصدرت تعليماتي لمديرها السيد الصديق أن يبذل مجهودا لفتح المساجد والمعاهد والحفاظ علي كيان الانصار والعمل لرفاهيتهم” ازرق ص63. اصدر السيد ذلك المنشور وهو يعلم ،ونحن الان نعلم ،بعد الاستعراض اعلاه ، أن دائرة المهدي مؤسسة ربحية تتكون من مجموعة شركات مسجلة تحت قانون الشركات، ولم تبذل أوتساهم أي مساهمة تذكر في بناء المساجد أوخدمة الانصار، خاصة في الجزيرة أبا ومناطق الانصار الاخري لما يقرب من نصف قرن ، وبالتالي يصعب وصفها بأنها مؤسسة اقتصادية اغراضهاخدمة الاهداف الدينية والاجتماعية للانصار. لكن السيد كان بعيد النظر.
صديق امبده
يونيو 2016
شكرا، أخي البروف/ صديق امبده على هذاالعمق في التحليل.. العمق الملازم لكتاباتك دائماً.. و نحن في انتظار الجزء الثاني!
لا أري في هذا المبحث القيم أي شخصية لرجل أعمال ناجح و لكني أري رجل كأسوأ ما يكون الإقطاعي سرق عرق الآلاف من أهلنا المخدوعين عبر سنوات طويلة من الإستعباد و لم يتورع عن سرقة الزكاة. و ينبغي أن يلقي الضوء أكثر و أكثر علي المنظمة الإجرامية المسماة دائرة المهدي و أين أختفت او كيف تم إخفاؤها آخر الأمر!
شكر دكتور صديق
إن طال أو قصر
ملف دائرة المهدي لابد أن يفتح، امام القضاء، أنباء الأنصار ما يرونه ألا عبدوية واسترقاق مقنع بالدين
ولابد من معرفة من الذي حرق سجلات هذه الشركة لإخفاء الفضائح، الناس كانت تشتغل بالخسرة والوعود الذي يشبه صكوك الغفران
والانكى واشد ان احفاد عبد الرحمن المهدي الان يخرجون السنتهم لابناء الانصار وما يرونهم الا مغفلون
يا ليت قومي يعلمون.. مقال رائع وتلخيص مشوق .. وتنوير هام جدا للأجيال القادمة
لقد كنت دائم القول في تداخلاتي هنا أن عبد الرحمن المهدي { رجاء بدون سيد } كان رجل أعمال من الطراز الأول وهو كان يوظف السياسة لتمنية اعماله ليس أكثر … في رمضان لا نستطيع القول اكثر من ذا .. حبذا لو كنتم أجلتم هالموضوع بعد رمضان { اللهم إني صائم }فالحمد لله الذي قيض الأخ د. صديق ليؤكد لنا بالأدلة الدامغة صحة مذهبي ذاك فالتحية للأخ د. صديق
والصادق يقول حزب الأمة ديمقراطي ، وكلهم متربين من أموال الحرام وعرق المساكين والضعفاء ، وهذه السيرة فيها شبه من سيرة المرابين اليهود الذين يعيشون من عرق الناس
و الإقطاع مستمر إلي يومنا هذا، يا للغيبوبة!!!
ياخ صديق انت جاي تلخص الكتاب ولا تشوة وتزيد احقادك في شخصية السيد عبدالرحمن؟؟؟….المشكله الكتاب الفاشلين امثالك عندهم عدم معرفه في تلخيص الكتاب
يجب تقدير والإشادة بالمؤلف لجهده وأمانته وبحثه عن الحق. أرجو أن يتم توزيع الكتاب على أوسع نطاق ليزيد الوعي… .
عظيم أنت يالدكتور صديق أمبدة. أنت الجدير بالإحتفاء لمواقفك الملتزمة ودفاعك عن المهمشين. لقد كرهك الصفوة الذين إنتزعوا لأنفسهم إمتيازات شهادة لندن. ولقد فضحت في مقالك قبل الأخير العمل غير الأخلاقي الذي كان يقوموا به الأخوان المسلمون بتجنيد تلامذه من عمر 12 سنه الى 15 سنه. ومواقفك عن قضية دارفور عقلانية التزامية ولم تجر نفسك للصراعات بين القبائل الدرافورية. لم تتوانى في الدفاع عن حقوق الدارفوريين. بينما لم يضعف ذلك من حماسك للوطن الكبير والدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة.
الاخ دكتور صديق امبدة
اولا من اهم معايير العلمية في اي تقييم تاريخي لمؤسسة او شخصية تاريخيةهو التقيد بما يسمي الاسلوب العلمي في البحث التاريخي وذلك بتقييم السالب و الموجب ثم الخروج للقارئ بملخص يستفيد منه . انت لم تفعل شئ سوي انتقاء استشهاداات معينة بنيت عليها نيتك المبيتة للكيل والنيل من الامام عبدالرحمن المهدي طيب الله ثراه .
نحن ابناء النيل الابيض نعرف جيدا اهمية مشاريع دائرة المهدي تحقيق التنمية بتلك المناطق كما ان تلك المشاريع كانت الدرع الاقتصادي الذي نال به السودان الاستقلال في 1956 في وجه الاموال المصرية لتحقيق الاتحاد مع مصر. ابائنا و اجدادنا لم يكونوااغبياء او سذج كما تتصور لأنهم كانوا يعلمون ما يفعلون. دراسة علاقات الانتاج التي ذكرتها لصديق عبدالرحمن ازرق بخصوص مشاريع الدائرة فيها الكثير من الاشراقات من نظام ضمان اجتماعي اشبه بالدول وليس المؤسسات ولكن الغرض مرض.
الجزيرة ابا التي تتكلم عنها ولدنا فيها وترعرعنا ولن تعرفها اكثر مننا ولله كانت اشبه بمجمتع المدينة الفاضلة ..بلدة طيبة ورب غفور ..خضرة ونظام و نظافة وجمال ومدارس بكل انواعها حتي الصناعية والتجارية منها الي ان جاءت مايو المشئومة ونميري واعوانه ثم نظام الانقاذ فقضوا علي كل شئ
قال الزعيم الازهري رحمه الله :
كان الامام عبدالرحمن كالشجرة نرميها بالحجارة فترمينا بالثمار!
ولكن هناك من يرشق الاموات بالحجارة من امثالك فلا نري لكلامه ثمرة غير الاحن والمعارك في غير معترك!!!
هداناالله واياك
مؤلف كتاب ليس د. صديق بل احد ابناء الجزيرة مما كان اسرته عبيد لعبد الرحمن المهدي
يعني ما انت بس يلي الجزيرة اب
سبحان الله
الرجل الذي اشتري بيت في قلب لندن من حر ماله وأسماه بيت السودان ووهبه للطلاب السودانيين المبتعثين للدراسة في بريطانيا ، هو رجل غير داعم للتعليم ؟
من قومة الجهل نعرف ان السيد عبدالرحمن دعم من حر ماله مدارس وجامعة الأحفاد و وأسس مع غيره من الخيريين مدارس أمدرمان الأهلية الوسطي والثانوية حتي موسي و د نفاش شهد بكرم الرجل الذي كان يعطي بلا حساب ولا توجد أشهر من نكتة ..
فاتحة ابو علوة تنصرف عند ابو عابدة
لو تمعنت يا دكتور في تاريخ السودان الاجتماعي لعرفت ان عبدالرحمن المهدي جزء مهم من تركيبة السودان ككل قبل الاستقلال وبعده وعليك بمراجعة كتاب البروف حسن احمد ابراهيم الذي يعد أفضل من درس تاريخ الرجل
عبد الرحمن المهدي إقطاعي فاااااشل إمتص عرق أجدادنا
لكن زولك الكوز الطيب أحمد كوز إنتهازي مدرس عااااادي لكن دكتوراة الإنقاذ دي ما عارفنها بيجيبوها من وين
مقتطفات من مجهودات الامام عبدالرحمن المهدي في دعم التعليم:
واكب الامام عبدالرحمن ثورة التعليم التي فجرها مؤتمر الخريجين عام 1938م فتبرع لتاثيث المدارس الاهلية والمعاهد العلمية في السودان وساهم مباشرة في دعم المصاريف الدراسية للتلاميذ النابهين الفقراء من ابناء الانصار وسواهم من ابناء السودان واسس لذلك لجنة مال التعليم بالدائرة لتقوم بتوزيع الاعانة علي المدارس والاشخاص وامتد دعم الامام ليشمل اولئك الطلاب الذين يدرسون خارج البلاد وفي مصر خاصة وفي بريطانيا التي انشأ فيها بيت السودان بلندن والذي كان ملجأ لعدد كبير من الطلاب السودانيين ووهبه لحكومة السودان لذات الغرض واستضاف بعثات تعليمية في زيارات للسودان . وحافظ الامام علي نهجه في دعم مؤسسات التعليم الاهلي لوزارة التربية والتعليم كما وقف مع التعليم النوعي فانشأ مدرسة المهدي الثانوية الخاصة للبنات اعترافا بفضل التعليم واتاحة الفرصة للمرأة السودانية للالتحاق بالتعليم العالي.
واصل السيد عبدالرحمن دعمه للمؤسسات التربوية والاهلية وقد شمل الدعم مدارس بيت الامانه وحي العرب ومدارس النهضة بالابيض ومدرسة ود مدني الاهلية الوسطي ومدارس المليك وكان يهتم باداء المدارس التي يدعمها وقد درجت اداراتها برفع تقارير سنوية لة تتضمن سير العمل بها. وكرمه الموجه لمساعدة المؤسسات شمل ايضا مدرسة تنقسي الجزيرة الاولية وهي في منطقة يضعف فيها نفوذ انصار الامام المهدي كما انه اهتم بالتعليم المدني الحديث متمثلا في كلية غردون التذكارية.
من دراسة الدكتورة مقبولة مامون
الامام عبدالرحمن المهدي و دعم التعليم
مقال مضروب
الطيب هارون الكوز الامنجي ولا واحد تاني ؟؟؟؟
دكتوراة الطيب هارون المضروبة التي نالها في زمن كيزان الانقاذ بتاعت فقه التمكين ولا حاجة تانية؟؟؟
نحن ابناء الجزيرة ابا نعرف من هو الطيب هارون جيدا
لو عنده فلاحة اليسويها في حرمنة البشير وجماعته واستغلالهم ل٣٠ مليون سوداني ل قريب ال٣٠ سنة
المؤسس الثاني لبيت ال المهدي ، الاول جده الذي ادعى المهديه والثاني هو الذي سرق اموال الناس وعرق الغلابه كون تلك الامبراطوريه بمباركة الانجليز والملكه
يا ليت قومي يعلمون.. مقال رائع وتلخيص مشوق .. وتنوير هام جدا للأجيال القادمة
لقد كنت دائم القول في تداخلاتي هنا أن عبد الرحمن المهدي { رجاء بدون سيد } كان رجل أعمال من الطراز الأول وهو كان يوظف السياسة لتمنية اعماله ليس أكثر … في رمضان لا نستطيع القول اكثر من ذا .. حبذا لو كنتم أجلتم هالموضوع بعد رمضان { اللهم إني صائم }فالحمد لله الذي قيض الأخ د. صديق ليؤكد لنا بالأدلة الدامغة صحة مذهبي ذاك فالتحية للأخ د. صديق
والصادق يقول حزب الأمة ديمقراطي ، وكلهم متربين من أموال الحرام وعرق المساكين والضعفاء ، وهذه السيرة فيها شبه من سيرة المرابين اليهود الذين يعيشون من عرق الناس
و الإقطاع مستمر إلي يومنا هذا، يا للغيبوبة!!!
ياخ صديق انت جاي تلخص الكتاب ولا تشوة وتزيد احقادك في شخصية السيد عبدالرحمن؟؟؟….المشكله الكتاب الفاشلين امثالك عندهم عدم معرفه في تلخيص الكتاب
يجب تقدير والإشادة بالمؤلف لجهده وأمانته وبحثه عن الحق. أرجو أن يتم توزيع الكتاب على أوسع نطاق ليزيد الوعي… .
عظيم أنت يالدكتور صديق أمبدة. أنت الجدير بالإحتفاء لمواقفك الملتزمة ودفاعك عن المهمشين. لقد كرهك الصفوة الذين إنتزعوا لأنفسهم إمتيازات شهادة لندن. ولقد فضحت في مقالك قبل الأخير العمل غير الأخلاقي الذي كان يقوموا به الأخوان المسلمون بتجنيد تلامذه من عمر 12 سنه الى 15 سنه. ومواقفك عن قضية دارفور عقلانية التزامية ولم تجر نفسك للصراعات بين القبائل الدرافورية. لم تتوانى في الدفاع عن حقوق الدارفوريين. بينما لم يضعف ذلك من حماسك للوطن الكبير والدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة.
الاخ دكتور صديق امبدة
اولا من اهم معايير العلمية في اي تقييم تاريخي لمؤسسة او شخصية تاريخيةهو التقيد بما يسمي الاسلوب العلمي في البحث التاريخي وذلك بتقييم السالب و الموجب ثم الخروج للقارئ بملخص يستفيد منه . انت لم تفعل شئ سوي انتقاء استشهاداات معينة بنيت عليها نيتك المبيتة للكيل والنيل من الامام عبدالرحمن المهدي طيب الله ثراه .
نحن ابناء النيل الابيض نعرف جيدا اهمية مشاريع دائرة المهدي تحقيق التنمية بتلك المناطق كما ان تلك المشاريع كانت الدرع الاقتصادي الذي نال به السودان الاستقلال في 1956 في وجه الاموال المصرية لتحقيق الاتحاد مع مصر. ابائنا و اجدادنا لم يكونوااغبياء او سذج كما تتصور لأنهم كانوا يعلمون ما يفعلون. دراسة علاقات الانتاج التي ذكرتها لصديق عبدالرحمن ازرق بخصوص مشاريع الدائرة فيها الكثير من الاشراقات من نظام ضمان اجتماعي اشبه بالدول وليس المؤسسات ولكن الغرض مرض.
الجزيرة ابا التي تتكلم عنها ولدنا فيها وترعرعنا ولن تعرفها اكثر مننا ولله كانت اشبه بمجمتع المدينة الفاضلة ..بلدة طيبة ورب غفور ..خضرة ونظام و نظافة وجمال ومدارس بكل انواعها حتي الصناعية والتجارية منها الي ان جاءت مايو المشئومة ونميري واعوانه ثم نظام الانقاذ فقضوا علي كل شئ
قال الزعيم الازهري رحمه الله :
كان الامام عبدالرحمن كالشجرة نرميها بالحجارة فترمينا بالثمار!
ولكن هناك من يرشق الاموات بالحجارة من امثالك فلا نري لكلامه ثمرة غير الاحن والمعارك في غير معترك!!!
هداناالله واياك
سبحان الله
الرجل الذي اشتري بيت في قلب لندن من حر ماله وأسماه بيت السودان ووهبه للطلاب السودانيين المبتعثين للدراسة في بريطانيا ، هو رجل غير داعم للتعليم ؟
من قومة الجهل نعرف ان السيد عبدالرحمن دعم من حر ماله مدارس وجامعة الأحفاد و وأسس مع غيره من الخيريين مدارس أمدرمان الأهلية الوسطي والثانوية حتي موسي و د نفاش شهد بكرم الرجل الذي كان يعطي بلا حساب ولا توجد أشهر من نكتة ..
فاتحة ابو علوة تنصرف عند ابو عابدة
لو تمعنت يا دكتور في تاريخ السودان الاجتماعي لعرفت ان عبدالرحمن المهدي جزء مهم من تركيبة السودان ككل قبل الاستقلال وبعده وعليك بمراجعة كتاب البروف حسن احمد ابراهيم الذي يعد أفضل من درس تاريخ الرجل
عبد الرحمن المهدي إقطاعي فاااااشل إمتص عرق أجدادنا
لكن زولك الكوز الطيب أحمد كوز إنتهازي مدرس عااااادي لكن دكتوراة الإنقاذ دي ما عارفنها بيجيبوها من وين
مقتطفات من مجهودات الامام عبدالرحمن المهدي في دعم التعليم:
واكب الامام عبدالرحمن ثورة التعليم التي فجرها مؤتمر الخريجين عام 1938م فتبرع لتاثيث المدارس الاهلية والمعاهد العلمية في السودان وساهم مباشرة في دعم المصاريف الدراسية للتلاميذ النابهين الفقراء من ابناء الانصار وسواهم من ابناء السودان واسس لذلك لجنة مال التعليم بالدائرة لتقوم بتوزيع الاعانة علي المدارس والاشخاص وامتد دعم الامام ليشمل اولئك الطلاب الذين يدرسون خارج البلاد وفي مصر خاصة وفي بريطانيا التي انشأ فيها بيت السودان بلندن والذي كان ملجأ لعدد كبير من الطلاب السودانيين ووهبه لحكومة السودان لذات الغرض واستضاف بعثات تعليمية في زيارات للسودان . وحافظ الامام علي نهجه في دعم مؤسسات التعليم الاهلي لوزارة التربية والتعليم كما وقف مع التعليم النوعي فانشأ مدرسة المهدي الثانوية الخاصة للبنات اعترافا بفضل التعليم واتاحة الفرصة للمرأة السودانية للالتحاق بالتعليم العالي.
واصل السيد عبدالرحمن دعمه للمؤسسات التربوية والاهلية وقد شمل الدعم مدارس بيت الامانه وحي العرب ومدارس النهضة بالابيض ومدرسة ود مدني الاهلية الوسطي ومدارس المليك وكان يهتم باداء المدارس التي يدعمها وقد درجت اداراتها برفع تقارير سنوية لة تتضمن سير العمل بها. وكرمه الموجه لمساعدة المؤسسات شمل ايضا مدرسة تنقسي الجزيرة الاولية وهي في منطقة يضعف فيها نفوذ انصار الامام المهدي كما انه اهتم بالتعليم المدني الحديث متمثلا في كلية غردون التذكارية.
من دراسة الدكتورة مقبولة مامون
الامام عبدالرحمن المهدي و دعم التعليم
مقال مضروب
الطيب هارون الكوز الامنجي ولا واحد تاني ؟؟؟؟
دكتوراة الطيب هارون المضروبة التي نالها في زمن كيزان الانقاذ بتاعت فقه التمكين ولا حاجة تانية؟؟؟
نحن ابناء الجزيرة ابا نعرف من هو الطيب هارون جيدا
لو عنده فلاحة اليسويها في حرمنة البشير وجماعته واستغلالهم ل٣٠ مليون سوداني ل قريب ال٣٠ سنة
المؤسس الثاني لبيت ال المهدي ، الاول جده الذي ادعى المهديه والثاني هو الذي سرق اموال الناس وعرق الغلابه كون تلك الامبراطوريه بمباركة الانجليز والملكه
الطيب هارون من معلم ابتدائي قبل الإنقاذ لحامل دكتوراة بعدها !!!!!!
ولله يا كيزان عمركم ما تخجلوا اي فاقد تربوي بقيتوا لينا دكتور وبروفيسير لعنة الله علي زمنك الشوم دا
السيد عبدالرحمن المهدي لم نعاصره ولكن حضر زمنه ابواتنا ونحن نثق في كلامهم كان رحمه الله رجل أيده عطاية ومغيث للملهوف ومقنع كاشفات يكفي ان له تكية نارها ما خمدت الي موته
هسع يا ود هارون كدي ود المهدي خلو شن قولك في أولياء نعمتك اللغفوا البلد ونشفوها نشاف ولا دا بتعمل منه أضان الحامل طرشا ؟
الرد علي (محمدوردي محمدالامين)
من أي شي (اختشي)و أولا استخدام مفردة لا تجري عادة علي السنة الرجال في بلادي هو ما يستحي منه. أما النقاط الثلاثة التي اثرتها فهي:
1- لا توجد علاقات انتاج و لا يحزنون و انما كذب علي بسطاء و جهلاء باسم الله و كانت الرسائل للناس (من أتي الينا و مات في الطريق فقد وقع اجره علي الله) و( ان تنظيف مساحة الأرض تنال مقابله نفس المساحة في الجنة) هل انا كاذب ام انت عندك صورة من سندات الصرف في الجنة ؟؟؟؟
2- ثبت انه يجمع الزكاة و علي حسب ما نعلم من الدين هو ليس من مستحقيها اذا استثنينا الفترة الاولي من حياته اما كيف يصرفها فمنك نستفيد ؟؟
3-الاختفاء الغامض لدائرة المهدي و تحول الثروة الي ثروة شخصية و عائلية. يحتاج الي إيضاح و لكن نقبل منك التوضيح.
الطيب هارون من معلم ابتدائي قبل الإنقاذ لحامل دكتوراة بعدها !!!!!!
ولله يا كيزان عمركم ما تخجلوا اي فاقد تربوي بقيتوا لينا دكتور وبروفيسير لعنة الله علي زمنك الشوم دا
السيد عبدالرحمن المهدي لم نعاصره ولكن حضر زمنه ابواتنا ونحن نثق في كلامهم كان رحمه الله رجل أيده عطاية ومغيث للملهوف ومقنع كاشفات يكفي ان له تكية نارها ما خمدت الي موته
هسع يا ود هارون كدي ود المهدي خلو شن قولك في أولياء نعمتك اللغفوا البلد ونشفوها نشاف ولا دا بتعمل منه أضان الحامل طرشا ؟
الرد علي (محمدوردي محمدالامين)
من أي شي (اختشي)و أولا استخدام مفردة لا تجري عادة علي السنة الرجال في بلادي هو ما يستحي منه. أما النقاط الثلاثة التي اثرتها فهي:
1- لا توجد علاقات انتاج و لا يحزنون و انما كذب علي بسطاء و جهلاء باسم الله و كانت الرسائل للناس (من أتي الينا و مات في الطريق فقد وقع اجره علي الله) و( ان تنظيف مساحة الأرض تنال مقابله نفس المساحة في الجنة) هل انا كاذب ام انت عندك صورة من سندات الصرف في الجنة ؟؟؟؟
2- ثبت انه يجمع الزكاة و علي حسب ما نعلم من الدين هو ليس من مستحقيها اذا استثنينا الفترة الاولي من حياته اما كيف يصرفها فمنك نستفيد ؟؟
3-الاختفاء الغامض لدائرة المهدي و تحول الثروة الي ثروة شخصية و عائلية. يحتاج الي إيضاح و لكن نقبل منك التوضيح.
في الأسبوع المنصرم استعرضت صحيفة الجريدة في أعدادها الخميس 14 يوليو الجمعة 15 يوليو والسبت 16 يوليو 2016م استعرضت كتاب: (الجزيرة أبا همس التاريخ) لمؤلفه د. الطيب أحمد هارون وركز الكتاب على العلاقة بين الإمام عبد الرحمن والمهاجرين الأنصار والذين جاء غالبيتهم من غرب السودان وخاصة دارفور ووصف المؤلف حال المهاجرين (بالمُستَغلين) من قبل الإمام عبد الرحمن ووصفهم (بالسُخُرة) وتحدث المؤلف عن دائرة المهدي ووصفها (بالمؤسسة الربحية) وخلص المؤلف على أن الإمام عبد الرحمن المهدي رجل أعمال زكي استفاد من جهل المهاجرين.
إزاء هذا نقول.
أولا: المؤلف يجهل الكثير عن شخصية الإمام عبد الرحمن المهدي.
ثانيا: لم يكن ملما بأحوال الذين هاجروا من غرب السودان إلى الجزيرة أبا في تلك الحقبة من الزمان. إن الإمام عبد الرحمن المهدي هو أصغر أبناء الإمام المهدي حيث ُولد صباح يوم عيد الفطر فمدحه الشاعر قائلا:
بين عيدين أهني القطرِ
عيد ميلاد سيادتك
وعيد هلال الفطر
يا الكل يوم صباحك عيد
انتقل الإمام المهدي إلى الرفيق الأعلى في الثامن من شهر رمضان وولد الإمام عبد الرحمن في صبيحة يوم العيد أي بعد 21 يوما من وفاة المهدي. تربى الإمام عبد الرحمن في كنف خليفة المهدي حيث حفظ القرآن الكريم وهو لم يبلغ عامه الحادي عشر وبعد زوال دولة المهدية كان هو الذكر الوحيد من عائلة المهدي بين الأسرى من النساء حيث قاسى الشدائد والمحن في أيام العُسرة ما بين قرية عبد العزيز في الجزيرة وجزيرة الفيل بواد مدني وعندما انتقلت الأسرة إلى أم درمان بدأ عبد الرحمن الصبي في تحصيل العلم الشرعي عند الشيخ ود البدوي فكان عبد الرحمن واسطة عقد طلاب الشيخ وكان الطالب المميز في تحصيله العلمي وبعد التخرج كان همه أن يرى السودان حراً مستقلا كما كان في عهد أبيه الإمام المهدي. لذلك رفع شعار السودان للسودانيين مقابل شعار آخر رفعه الحزب الاتحادي ليكون السودان تحت التاج المصري. وكان للشعار الثاني نصيرا وعونا من دولة الخديوي لذلك بدأ الإمام يبحث عن ساعد لتنفيذ شعار السودان للسودانيين فكان الساعد هو أولئك المهاجرين الذين جاءوا من كردفان ودارفور بنسبة أكبر.
وكما بدأتُ أقول: إن المؤلف يجهل حال المهاجرين من غرب السودان. ذكر لي الوالد الراحل المقيم مُرجب حامد وهو من المهاجرين الأوائل من دارفور إلى جزيرة أبا. قال لي بالحرف الواحد (يا ولدي لو كان في الدنيا جنة في ذلك الزمان لكانت دارفور) ويقصد بذلك الخير والنعيم، أما كردفان فكانت تُكنى (بكردفان الغرة أم خيراً جوة وبرة)، كل هذا تركه هؤلاء المهاجرون وراء ظهورهم. أما عن التعليم فأهل دارفور كانوا يقولون للذي لا يحفظ القرآن عن ظهر قلب يقولون له (كادِك) وجمعها (كُداك) وتعني الاستخفاف بالإنسان وكانوا يقولون (الما قرأ ابن عاشر ما يشق الفاشر) (والما قرأ العزية في الصلاة ما عندو نية). (والما قرأ الأخدري النبي منه بري). وهذا يعني أنهم كانوا حفظة لكتاب الله ومتفقهين في دين الله. إذن دواعي الهجرة إلى الجزيرة أبا لم تكن مادية ولا عن جهل.
وأقول للكاتب: وأنا ابن واحد من أولئك المهاجرين أقول أغلبهم إن لم يكن جلهم كانوا كمثل الذين جاء وصفهم أعلاه.
إذن فليسأل الكاتب لماذا كانت هجرة هؤلاء إلى جزيرة أبا رغم ما قِيل فيهم.
نقول له. قديما كان أبو جهل لا يرى في النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا يتيم ابن أبي كبشة. وأنت وغيرك أيها الكاتب لا ترى في الإمام عبد الرحمن إلا رجل أعمالٍ يستغل عماله فكن كذلك. ولكن لا تحجر على الذين نوّر الله بصائرهم ورأوا أن الإمام عبد الرحمن هو مخلص السودان كأبيه الإمام المهدي عليه السلام عندما هبّ لطرد الاستعمار. فكانت نظرة الإمام عبد الرحمن أبعد وبصيرته أثقب فكان يعلم أن شعار السودان للسودانيين يحتاج إلى عُدة وعتاد. والعُدة والعتاد لم تكن بالسيف والرمح كما كان في عهد المهدي ولكن بالقلم والبيان لأن القاعدة المهدية تقول: (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال). ولله در عكير الدامر الذي قال:
جهـــــــاد المهدي سيف ســـــلاه يلمع ضاوي
حكمو في رقاب المشركين الفي الشرع بتلاوي
وإت جهادك باللين والحِكم والهـــــــداية تداوي
اختلفت السيـــــــوف عِلا الضـــــرب متساوي
فكان المهاجرون هم العتاد فعندما قطعوا الأشجار وعمروا المشاريع الزراعية وجنوا القطن كانوا يعلمون علم اليقين أن الوفود التي تذهب للتفاوض إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى بريطانيا وإلى مصر كانت تلك الوفود تحتاج للمال وكان الضيوف الذين يأتون للسودان يحتاجون للمال لذلك كان عرق هؤلاء المهاجرين بمثابة الدماء التي بذلها أسلافهم في تحرير القطر من الغزاة.
أما عن مجتمع الجزيرة أبا وأنا لي الشرف أن تكون أبا مسقط رأسي ومسقط رأس أمي في عشرينيات القرن الماضي.
إن مجتمع أبا كان مجتمعا فاضلا ليس له مثيل إلا مجتمع المدينة المنورة في الصدر الأول. كانت أبا عبارة عن بوتقة روحية تجمع شعوب وقبائل من أجناس وأعراق مختلفة إلا أنها ببركة الإمام عبد الرحمن صارت مؤتلفة ومتجانسة ومتحابّة حتى أنهم يقولون (العامل يرث أخيه العامل). لم تكن بالجزيرة أبا نقطة شرطة لفض النزاعات بين الناس بل كان الإصلاح يكون بين الأخوين المتخاصمين عقب الصلاة المكتوبة أو حلقة الراتب. كان أهل أبا رهبان الليل عمار الأرض بالنهار كانوا يتحلقون كل يوم مرتين عقب صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس وعقب صلاة العصر وقبل غروب الشمس ليذكروا الله في حلقة وليقرءوا 151 آية قرآنية من المختارات وعدد من الدعوات المأثورات عن رسول الله ثم يختموا ذلك بحزب من القرآن في الصباح وحزب آخر في المساء ليكونوا قد قرءوا جزء من القرآن في كل يوم وبذلك يكونوا قد ختموا القرآن كاملا كل شهر في حلقة وجاء في الأثر حديث طويل أن لله ملائكة سياحون يلتمسون حلقات الذكر فإذا وجدوها تنادوا هلموا إلى طلبتكم فيكون بعضهم بعضا حتى يصلوا إلى الحق عز وجل فيسألهم فيما وجدتم عبادي؟ فيقولون وجدناهم يحمدونك ويهللونك ويكبرونك ويمجدونك يا ربنا، فيقول الله عز وجل أو رأوني؟ تقول الملائكة لا. يقول الله عز وجل: كيف إذا رأوني؟. تقول الملائكة: لكانوا أشد حمدا وتهليلا وتكبيرا وتمجيدا. يقول الله عز وجل ومن ما يستعيذون؟ تقول الملائكة: يستعيذون من النار. يقول الله عز وجل أو رأوها؟ تقول الملائكة: لا. يقول الله عز وجل: وكيف إذا رأوها؟. تقول الملائكة: لكانوا أشد استعاذة منها. يقول الله عز وجل: وماذا يطلبون؟ تقول الملائكة: يطلبون الجنة. يقول الله عز وجل: أو رأوها؟ تقول الملائكة: لا. يقول الله عز وجل: وكيف إذا رأوها؟ تقول الملائكة: لكانوا أشد طلبا لها. يقول الله عز وجل: أُشهدكم يا ملائكتي قد غفرت لهم جميعا. تقول الملائكة: فيهم فلان بن فلان الخطاء. يقول الله عز وجل: هؤلاء القوم لا يشقى جليسهم.
فهم القوم فكن جليسهم أيها الكاتب الناقد بغير بصيرة.
وكتب الكاتب عن دائرة المهدي وقال فيها ما لم يقله مالك في الخمر. نقول له: إن القصد من دائرة المهدي هي أن تكون معينا للإمام في تحقيق تحرير السودان وكان القصد نبيل ولكن في نهاية الأمر هي تجربة بشرية قابلة للنقد ولو كان هناك بعض الإخفاقات فالإمام على رأس الهرم ويمكن للذين هم أدنى الهرم أن تحدث منهم أشياء ولكن لم يكن بالضرورة أن الإمام راض عنها وهذا حدث حتى في الصدر الأول. ولكن مهما يكن من إخفاقات كانت دائرة المهدي هي المخلص لأهل السودان من قبضة الاستعمار الثنائي في القرن الماضي.
وذكر الكاتب أن الإمام عبد الرحمن لم يكن زاهدا في الدنيا مثل أبيه.
نقول له. إن الإمام عبد الرحمن كان يُكنى بالفقير الغني فقد كان كريما جوادا حتى وصفه أحد الشعراء بقوله:
تسلم يا الزعيم التلفى ســــاعة العترة
يا جبل الضرى يا الري نهارة الخترة
عندك طبعة ســـــاعة تدي إيدك تترا
زي ورق الأراك الشـــم زيفة النترة
إن للإمام عبد الرحمن أيادي بيضاء في كل المؤسسات السودانية القومية والرياضية والفنية وقد كان أبا لكل أبناء السودان حتى انه اشترى بيتا لأبناء السودان المبتعثين للتعليم العالي بالمملكة المتحدة وقد ذكر لي أحد الآباء في خمسينيات القرن الماضي زار وفد شبابي من الاتحاد السوفيتي سابقا زار السودان وعندما علم الإمام عبد الرحمن بالوفد الزائر استدعى سكرتير الحزب الشيوعي وسلمه مبلغا من المال ثم قال له هذه ضيافة ضيوف السودان ثم ذكر له أن الباخرة (الطاهرة) تحت تصرفه حتى يعود الوفد إلى وطنه وعندها قال سكرتير الحزب الشيوعي (التقدمي منو دا ولا انحنا). وكان الإمام يكفل أعداد كبيرة جدا من أبناء السودان المبتعثين للتعليم خارج البلاد وكان مساعدا لعددا من المستثمرين ومشجعا لهم في أعمالهم التجارية حتى كان ذلك سببا لعدد كبير منهم أن ينضموا إلى حزب الأمة وأيضا كان راعيا لأسر غير مسلمة وكانت رعايته سببا في إسلامهم. وأعمال البر والخير للإمام عبد الرحمن لا تُحصى ولا تعد ولكن بعض الناس لا يروا إلا الشوك في الأشجار وتعمى أعينهم عن رؤية الأزهار. وذكر المؤلف أن الإمام عبد الرحمن أورد صيغة البيعة وهي: (بايعنا الله ورسوله وبايعناك على تقوى الله والسمع والطاعة فيما يرضي الله ورسوله وقراءة الراتب أو ما تيسر منه ثم ذكر الكاتب وتبعها بالدعاء وحقيقة هي الوسيلة وصيغتها آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالإمام المهدي دليلا وخبيرا وبالإمام الصادق الأمين أي السيد عبد الرحمن وسيلتنا إلى الله). انتهى حديث الكاتب
إزاء هذا نقول.
إذن ما الغريب في أمر البيعة. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم) والإمارة تكون ببيعة وإذا كانت صيغة البيعة كالتي أعلاه فلا غبار عليها وقد قال الإمام عبد الرحمن: (لما كان لقوام الإنسان لصلاح دينه حالتان نور يفيض على القلوب وسلطان يتحكم في الأبدان فإنا أمرنا أن تكون بيعتنا بيعة رضا) فهنيئا للذين بايعوا بيعة الرضا. أما الوسيلة فعندما قرأها الإمام عبد الرحمن للأنصار فسرها بقوله: (الوسيلة لا يستطيع أحد أن يمسك بيد أحد ويعرج به إلى سبع سموات ولكن الوسيلة يهديك ويرشدك إلى يتنور قلبك وعندما يتنور قلب العبد يوفق إلى صالح الأعمال وبصالح الأعمال يصل إلى الله).
وقد ورد في المقدمة للكتاب قول المعلق: (قيمة الكتاب تكمن في الكم الهائل من المعلومات التي جمعها الكاتب خلال 16 عاما من شفاه الأنصار والمعاصرين والمشاركين في ذلك التاريخ. وأيضا جاء في المقدمة : الكتاب في سلاسة راوية مشوّقة وهو يندرج في إطار تاريخ ما أهمله التاريخ ولذلك سماه الكاتب همس التاريخ لأنه يحكي بعضا من المسكوت عنه في تاريخ الأنصار والجزيرة أبا والسيد عبد الرحمن المهدي) انتهى التعليق.
إزاء هذا نقول:
أولا يقول الكاتب إنه تلقى معلوماته من الأنصار والمعاصرين للإمام عبد الرحمن فنحن كأبناء الجزيرة أبا نتساءل من هم الأنصار الذين تلقى منهم الكاتب المعلومات؟
نقول: إن في الجزيرة أبا صنفان من الناس منذ أن فتحها الإمام عبد الرحمن في العام 1908م، الصنف الأول هم المهاجرون والذين سبق ذكرهم أولئك الذين جاءوا عن بصيرة ودراية وعلم وقناعة بحثا عن تحرير السودان فوجدوا ضالتهم في الإمام عبد الرحمن وكانوا له عونا ونصيرا في تحقيق شعار السودان للسودانيين. أما الصنف الثاني فهم الذين جاءوا (بريبة) ويقصد من ذلك أنهم كانوا في دارفور عندما يذهبون لصيد الأفيال تصيح فيهم أنثى الفيل والتي تسمى (أم سقدوية) وصياحها مرعب والذي يهرب من هول الفزع تغني عليه البنات لذلك يُصاب بخيبة الأمل ومن ثم يهاجر إلى دار الصباح فيأتي به القدر ربما إلى الجزيرة أبا فيكون واحد من أفراد قبيلته التي هاجرت نصرة للدين وساعدا أيمن للإمام عبد الرحمن وأظن أن الكاتب أستلقى معلومات من الذين هربوا فزعا من صوت (أم سقدوية).
ويقول الكاتب: أنه سمى كتابه همس التاريخ لأنه يحكي عن المسكوت عنه في تاريخ الأنصار والجزيرة أبا والإمام عبد الرحمن.
أقول للكاتب: والذي لم يعرف عن الجزيرة أبا شيئا أبا لم يكن فيها شيء مسكوت عنه حتى في عهد الإمام عبد الرحمن الجزيرة أبا كان بها معارضون ومخالفون ومنكرون للفكر الأنصاري منذ زمن بعيد وهم معروفين لأهل أبا بل بها عدد كبير جدا من أعضاء الحزب الشيوعي منذ مطلع الخمسينات والإمام يعرفهم بل ساعد بعضهم في الدراسة خارج السودان وفي أحداث مارس 1970م كان لأبناء أبا من أعضاء الحزب الشيوعي دور كبير حيث كانوا يجتمعون مؤيدين النظام المايوي اليساري في بداية عمره والإمام والأنصار كانوا على علم بهم.
وجاء أيضا في المقدمة أن الكاتب الدكتور الطيب هارون من أبناء الأنصار الملتزمين إذ يقول أنا من أبناء الأنصار الذين يكنون لإمامهم نوعا من الاحترام يشبه التقديس لكنه كمؤرخ يقول عندما بدأ التاريخ يتكلم قررت أن أصمت وبدأ أحاديث التقديس والعصمة تتلاشى.
إزاء هذا نقول:
إن الكاتب لم يكن من أبناء أبا وجاء إلى أبا معلما مثله مثل الذين جاءوا هربا من صوت (أم سقدوية) ومنذ مجيئه عُرف بين أهالي أبا بتوجهه المعارض والناقد لنهج الأنصار بل هو محسوب لفئة عُرفت بعدائها للأنصار وكانت له مواقف خلافية مع طلابه حتى أثناء حصة لتاريخ والتي ينحرف بها كثيرا عن المقرر.
ونقول للذين لا يعرفون الجزيرة أبا إن أبا خرّجت آلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الذين يحملون درجات علمية عالية في المجالات المختلفة في العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية وقد انداحوا في أنحاء المعمورة وهم يكنون الاحترام والتقدير للإمام عبد الرحمن والأئمة من بعده ولآبائهم الذين كانوا على بصيرة من أمرهم وأبناء أبا بالمرصاد لكل من تسول له نفسه طمس تاريخ الأنصار الناصع والذي خطه الأسلاف بأحرف من نور فلا نامت أعين المحرفين للتاريخ والويل كل الويل للمشوهين لتاريخنا العظيم.
أيها الأحباب. ما زال الأحباب عروة الصادق وعماد الصادق ومصطفى آدم ما زالوا خلف القطبان من هذا المنبر نطالب بإطلاق سراحهم فوراً.