مشهد وصول جثمان الفقيدة فاطمة أحمد إبراهيم إلى مطار الخرطوم)

رسم المشهد : عطاف عبد الوهاب
مطار الخرطوم يضج بالهتاف والحزن والبكاء
توتر وقلق شديد والسلطات ترفض الكشف عن بوابة خروج الجثمان
انتشار شديد للشرطة وقوات الشغب في كل مداخل المطار
الحزب الشيوعي يسيِّطر على المشهد .. والشرطة تتعامل بهدوء شديد
ولم يكن الحضور يمثِّل سوى لوحة سريالية تحمل في دواخلها عبق السوداني الأصيل، هي لحظات قضيناها فريق (التيار) في مطار الخرطوم، نرسم ونصوِّر المشهد في استقبال امرأة سودانية عظيمة سلبت لب الشعب السوداني، فطبت حيَّة يا فاطمة وطبت ميِّتة يا أخت مرتضى وصلاح وابنة أحمد إبراهيم.
مدخل
الزمان : الأربعاء، العاشرة صباحاً .. المكان : مطار الخرطوم، الحدث: يوم استثنائي يسجله تاريخ البلاد، حين تقاطرت جموع الشعب تترى نحو مطار الخرطوم لاستقبال جثمان فقيدة البلاد فاطمة أحمد إبراهيم الرائدة النسوية السودانية والسياسية المخضرمة، التي توفيت صباح يوم السبت 12 أغسطس، بالعاصمة البريطانية لندن عن عمر ناهز الـ(85) عاماً، بعد صراع طويل مع المرض .
توجَّهت (التيار) إلى هناك ضمن فريق كامل ترصد وتوثِّق وتسجِّل المشاهد، الحدث كان ضخماً بضخامة الفقيدة، هتافات وبكاء ونواح، النساء والرجال يضجون باسم فاطمة أحمد إبراهيم، الشباب والشابات ارتصوا صفاً حول بوابة المطار يهتفون: (فاطمة لا زالت باقية)، وآخرون يهتفون: (عاش نضال الشعب السوداني)، ومثَّل منسوبوا الحزب الشيوعي حضوراً كثيفاً وهم يتضرجون بالأحمر الوهاج (كاب وفنائل)، قيادات الشرطة والأمن والقوات الخاصة انتشرت في كل مساحات المطار وسدت الشوارع، القلق والتوتر سيد الموقف ضبابية وضع خروج الجثمان، هل سيخرج من البوابة الرئيسة أو من البوابة (17)، اللجنة النسوية أصدرت قراراً بالتحوُّل نحو البوابة (17)، لكن جموع الحشود رفضت، والتزمت السلطات الصمت حيال الكشف عن البوابة التي سيخرج منها الجثمان، حتى أذَّن مؤذِّن بين الناس أن الخروج تأكَّد من البوابة (17)، وذلك عند الحادية عشر صباحاً، وعلى إثرها تحرَّك الناس في موكب مهيب، وخرجت سيارات الشرطة والإسعاف تحمل جثمان الفقيدة، وهنا ضجَّت النساء بالبكاء وغرق مطار الخرطوم في حزنٍ عميق.
يوم تاريخي
في مشهد عجيب، حضر المئات من أبناء البلاد، شيباً وشباباً رجالاً ونساءً. صحفيون وسياسيون في مطار الخرطوم يوم أمس، يستقبلون جثمان فاطمة أحمد إبراهيم، أفراد الشرطة والقوات الخاصة انتشروا في كل مكان، تجوَّلنا بين الحاضرين ننظر في وجوههم، ونقرأ معنى تلك اللحظات، علنا نسبر أغوار كل أحد، بكاء وعويل وهتاف، فاطمة السمحة ما ماتت، فاطمة ذكراها في القلوب، في سيرتك للجايين، ماشين في السكة نمد، المنظر الذي شاهدناه في مطار الخرطوم وثَّقناه كيوم تاريخي يمر على هذه البلاد .
فيلم عجيب
عند العاشرة والنصف صباحاً بدأت اللجنة النسوية تشعر بالضجر، يشاركها المحتشدون ورغم الإعلان عن وصول الطائرة التي تحمل الجثمان، إلا أن الناس خارج المطار لم يعلموا من أي بوابة سيخرُج. التوتر والقلق في البداية باتا سيدا الموقف، اتهامات للسلطات بمحاولة بعثرة الحشود، اللجنة النسوية أصدرت قراراً بتحوُّل الحشود إلى البوابة رقم (17)، إلا أن أعضاء بالحزب الشيوعي رفضوا الأمر، ولم يتحرَّك الناس، ما حدا بإحدى أعضاء اللجنة النسوية لتبرير الأمر بقولها إنهم يخشون من تحمُّل المسؤولية.
ساطع الحاج، القيادي بالحزب الناصري قال لـ(التيار) : أي جثمان يأتي إلى البلاد يخرج من هذه البوابة، ما السر اليوم في عدم كشف بوابة خروج فاطمة، أحد الحاضرين علق قائلاً : دا فيلم عجيب ولكن عند اللحظات الأخيرة أُعلن للناس التوجه نحو البوابة التي سيخرج منها الجثمان، وتحرَّك الناس في موكب رهيب تتخلله الهتافات من البوابة الرئيسة للوصول إلى البوابة رقم (17) شمال البوابة الرئيسة، وخرج الجثمان تتقدمه سيارات الشرطة، أربع سيارات، إضافة إلى عربة الإسعاف، وكان الناس يمشون زرافات أمام الموكب وهم يصدحون بالهتافات، ويدقون على الدفوف التي كانت محمولة على ظهر بعض العربات (بكاسي) .. واختلف الناس مرة أخرى، هل سيذهب الجثمان إلى دار الحزب الشيوعي أم إلى العباسية؟، سألنا أحد ضباط التأمين، فقال: سنتوجه للعباسية. بعض الزملاء من الصحفيين توجَّهوا نحو دار الحزب الشيوعي، كما هو برنامج لجنة التأبين، وبعض الذين لم يحضروا المطار توجَّهوا، أيضاً، إلى دار الحزب ولكنهم فوجئوا بالموكب يتحوَّل نحو العباسية .
مشاهدات
غياب وحضور
لم يكن هناك أي قيادي من قيادات الأحزاب السياسية في البلاد سوى ساطع الحاج، من الحزب الناصري ومريم الصادق التي وقفت بعيداً وهي تحمل صورة لفاطمة أحمد إبراهيم ..وغاب أيضاً معظم قيادات الحزب الشيوعي السوداني، خاصة اللجنة المركزية، لم نر سوى (هنادي فضل) التي كان صوتها يشق الفضاء.
النساء
شكَّلت النساء حضوراً – قطع نياط القلب – وهن يهتفن أن (فاطمة) حررتهن وعلمتهن ودخلت من أجلهن السجون، كان النساء يهتفن أكثر من الرجال، ويعلو الهتاف تخليداً لذكرى فاطمة. فتيات لم يتجاوزن الخامسة والعشرين قُدن الهتافات، نساء فاقن (الستين) من خريف العمر، أتين إلى المطار، لكن غلب عليهن البكاء.
اللافتات
رُفعت لافتات من قبل الحشود، كتبت فيها معانٍ مختلفة عن فاطمة (وداعاً فاطمة السمحة)، (فاطمة الحس العالي)، (يا أم أحمد.. أحمد شاهد.. ذكرك خالد.. وشرفك قائد..أنت الصامدة..وعدوك شارد..عملك ظاهر.. ونورك جاهر)، (ما كان رحيلك من غير دليل)، (تمشي وما بتطاطي ما بين نيل وشاطي)، (فاطمة سكاكة الحقوق) ، ولبست الفتيات وشاحاً أحمر على رؤسهن كتب عليه (كلنا على الطريق سائرون) ..(في سيرتك للجايين .. ماشين في السكة نمد).
الحزب الشيوعي
معظم الحاضرين كانوا من أعضاء الحزب الشيوعي، وكان هتافهم يعلو (عاش نضال الحزب الشيوعي)، (عاش كفاح الطبقة العاملة)، تقدَّمت (هنادي فضل) عضو اللجنة المركزية للحزب وهي تهتف وتبكي، أن عاش نضال الحزب الشيوعي، وعاش كفاح المرأة العاملة، هنادي ألهبت الحضور بصوتها الثوري.
تعامل الشرطة
رغم التوتر الذي ساد الموقف؛ إلا أن الشرطة تعاملت بمسؤولية، ليس من مهمتها توضيح من أين سيخرُج الجثمان؟، ولكن مهمتهم، كما قال أحد الضباط في وجه إحدى الثائرات عن عدم كشف البوابة، تأمين الحدث فقط، رأينا مناقشات وحوارات هادئة بين قيادات الشرطة وقيادات اللجنة النسوية التي كانت تنظِّم الحضور. الغريب أن صوت المرأة كان يعلو على صوت اللجنة القومية لتأبين الفقيدة، فلم يكن لهم حس ولا خبر عند المطار، وعندما سألت (التيار) عن ذلك، قالت إحدى قيادات اللجنة: نحن نعمل سويا.
التيار
الفقيدة كافحت وناضلت كل حياتها منذ ريعان شبابها من أجل رفعة شأن المرأة السودانية, وهذا كان يومهن لسداد واكرام وتبجيل هذه البطلة التاريخية الخالدة.
الفقيدة كافحت وناضلت كل حياتها منذ ريعان شبابها من أجل رفعة شأن المرأة السودانية, وهذا كان يومهن لسداد واكرام وتبجيل هذه البطلة التاريخية الخالدة.