السلطانات المنسيات.. نساء رئيسات دولة في الإسلام (2)

٭ بالأمس قلت إني أعيد هذه الأيام قراءة كتاب السلطانات المنسيات نساء رئيسات دولة في الإسلام للكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي.. وقلت ان الكتاب أثار نقاشاً حاداً وصل في بعض المرات لمعارك حول مفهوم الحركة النسائية في المجتمعات العربية والإسلامية وكان الناشر «دار الحصاد للنشر والتوزيع» وضع محتوى الكتاب في اطار قراءة التاريخ بموضوعية ومحاولة فهمه في اطار التجارب الانسانية التي نستفيد من أخطائها وتتطور شعوب هذه التجارب بتجاوز الاخفاقات وتثبيت النجاحات.
٭ ووقفت عند تجربة أم الخليفة المقتدر بالله في اصرارها على تعيين إحدى مساعداتها مسؤولة عن المظالم وردة فعل هذا التعيين وفي هذا قالت فاطمة المرنيسي «عندما يتعلق الأمر بالنساء فإنه لابد من الاعتراف بموضوعية كبار المؤرخين القدامى «كالطبري» مثلاً وهي موضوعية قلما يوجد مثلها عند المحدثين وقد ذكر الطبري ان تومال قامت بمهمتها خير قيام وانها رغم نفور الناس الأول فإنهم أحبوها فيما بعد وثمنوا طريقة عملها وبداعتها وبعد تعيين تومالي كان أول أمر أصدره المقتدر هو انهاء الرشوة وتخفيض مصاريف العدالة ولم يعد يتوجب على المتداعين أن يدفعوا سوى الحد الأدنى من النفقات للنظر في قضاياهم وبعبارة أخرى لم يعودوا يدفعون سوى ثمن القريض «الورق» ولا يقدمون شيئاً أبداً للمساعدين وصغار الموظفين الآخرين الذين يتحلقون حول كبار موظفي العدالة وهذه التفصيلات المهمة التي تتعلق بأحد الأحداث المدهشة في التاريخ الإسلامي. وهو تعيين امرأة على قمة العدالة وفرح شعب مستضعف أمام مسؤول يكافح فساد الجهاز القضائي.. سوف تزول بالطبع من السير الذاتية التي يكررها المؤرخون المحدثون لأم المقتدر.. وقد سبق لابن حزم الذي كتب بعد قرن من الطبري ان قال ان تسمية تومال في وظيفة المسؤول عن المظالم هي من بين الغرائب لمجموعة من الأعمال تشكل فضائح لم يشهد التاريخ لها مثيلاً حتى أيامنا هذه.
٭ ويشاهد مع المؤرخين المحدثين شيء أكثر براعة هو محو التفاصيل فأم المقتدر كما وصفها لنا الدكتور علي ابراهيم حسن أستاذ التاريخ في جامعة القاهرة في كتابه «النساء اللواتي شاركن في تاريخ الإسلام هي مثال على الانحطاط المتربص بالأسر الحاكمة الذي يدع النساء يتدخلن في شؤون الدولة» وطريقته التي اختارها لنا في تقديمه السيرة الذاتية لثلاث وثلاثين امرأة أمثلة لا تجعلكم ترغبون العمل في السياسة فالنساء الأكثر كمالاً هن إما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك شرف يستحيل الطموح إليه في أيامنا.. وإما نساء مثقفات ضليعات في العلوم وقلما يضمن هذا الوصول إلى السلطة وفي وقتنا الحاضر نعلم ان الميدان الذي يمكن فيه للنساء المسلمات أن يناضلن بقوة إنما هو الجامعة فالمرأة المثقفة لا تشوش النظام والسياسيات هن اللواتي يزعزعن الأسس فهو يرى ان حياة بلقيس ملكة سبأ التي يفتتح بها سلسلة السير تنقسم إلى قسمين أولهما لا قيمة له قبل لقائها مع النبي سليمان والثاني هو القسم الرائع بعدئذٍ.
٭ وتستمر فاطمة في مناقشة دكتور علي ابراهيم حسن في سيرة الثلاث وثلاثين امرأة بصور دقيقة وربما أرجع إليها ثانية لأن الوقفة هذه كانت مع تومال ومع المقتدر.
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..