ثورة حتى النصر

صداع شديد..والعقل يفكر رغم أن النتيجة النهائية دائما واحدة وصارخة :لا يوجد حل. أن تبقى مثل المسمار الصدئ ، مثبتا على اعمدة القدر ، وتمر عليه رياح ملايين السنين وهو يتآكل نتفة نتفة، لكنه لا يخرج من خشبته ، المسمار لم تكن له مقاومة على الريح كبيرة ، كان يجرحها فتلتئم ، يقسمها فتعيد تجمعها حاملة منه ذكرى يائسة ، وبالعودة إلى الحل ، الحل الذي يبحث عنه الجميع فلا يأتي ، ومخارج الحياة ضيقة وشائكة بل معقدة وتحتاج إلى تفكيك قد يأخذ العمر بأكمله ، لذلك فالناس يستسلمون لتيار الريح ، يرهقون أجسادهم حتى لا يرهقوا عقولهم ، يتعايشون مع الممكن حتى ولو سلبهم الممكن راحة نفوسهم ، وصحتهم الجسدية والنفسية ، إنهم لا يستطيعون التآمر على القدر بل هو من يتآمر عليهم وكأنه ناقم وحاقد على لا شيء ، والدنيا التي قد لا تمنح مطلقا شيئا يخفف المعاناة تستمر متعاضدة مع القدر بل ربما كانت هي القدر نفسه ، ياحسرة على الإنسان ، هذا الكائن الذي كان من المفترض أن يكون له قيمة ، أضحى هو أقل الموجودات قيمة ، ﻷنه تخاذل عن التكاتف مع أخيه الانسان في مواجهة القدر ، كان على جميع البشر أن يقرروا وقوفهم جميعا ضد القدر ، أن يصنعوا مجتمعا كمجتمع النمل لكل دوره الذي يلعبه . حتى المعاق جسديا يكون جزء من الترس الكبير الذي يحرك عجلة المجتمع . حينها كانت المعاناة ستخف ﻷنها ستتوزع على الجميع كل بقدر طاقته ، ولكننا خضعنا للدكتاتورية وانتهازية الطوائف السياسية وجهلنا المرير بكيفية أن نعيش سعداء . كان على أقلية فقط أن تكون سعيدة وأكثرية شقية بأنانية واستحواز غير مبررين. بدلا عن أن ترسم سياسات للكافة ترسم السياسات ﻷقلية وتتلاعب الأخيرة بالأكثرية وتقودها إلى الصداع الشديد إلى ال(لا حل) ، إن الأقلية المسيطرة بالقوة تراهن على الخوف وللناس مذاهب شتى في الخوف ولكل خوفه ، الناس قد تخاف على أقل القليل من الضياع فتضيع كل شيء ، إن الأكثرية تضيع تحت أرجل النخب ، تحت سيقان الأقلية ، فتخضع لها خضوع الكلب لسيده ، بل أشد. الجهل يمتطي الخوف ويسيران بالأكثرية نحو ال (لا حل) ، والشمس تظل تشرق وتغرب فوق رؤوسهم ، ولا حل ، والزمان يتحرك مع حركة الكواكب والأقمار ولا حل ، والفصول الأربعة تتلاحق متراتبة ولا حل، ولا تبدو إشراقة ثورة على الأفق ولا حتى ملامح لها ، إن التكاتف الاجتماعي هو الثورة على القدر ؛ ذلك التكاتف الذي يقوده المستنيرون بمنهجية ليهبطوا إلى قاع المجتمع وليبدأوا في ثورتهم ضد القمة ضد الدكتاتورية وتقديس الرمز الأوحد لهدم الأصنام الزائفة وإعادة بناء الفرد الحر داخل المجتمع العقلاني الواعي.
إن الثورة على الدكتاتورية هي في الواقع -بل ويجب أن تكون-ثورة ثقافية ؛ أي ثورة من أجل هدم التغييب الميتافيزيقي لقيمة الفرد الإنسان ؛ إنها ثورة يجب أن تنطلق لا لتحجيم دور السلاح فقط بل لرفع دور الفكر أيضا ، ﻷن الانسان موجود ﻷنه يفكر ، متحرك ﻷنه يفكر ، يتسامى على سائر المخلوقات والموجودات ﻷنه يفكر ، ويتواضع لماهو أدنى منه مرتبة ﻷنه يفكر ، يتعالى نقح ضميره يوما بعد يوم ﻷنه يفكر ، يخلق ارتباطاته مع الآخر ﻷنه يفكر ويتصارع حين لا يفكر . إن الثورة القادمة هي ثورة ثقافية في المقام الأول لكي ترسم ملامح الهوية بدقة ، وتهذب المعتقد ، وتطور اللغة وتدون التاريخ، وتحجم الغلو وتحرم الاتجار بما سبق . إنها ثورة لكي نتطهر عقليا قبل كل شيء .. أن نتطهر من الرواسب التاريخية والتراث المتعفنين في غياهب العقل الباطن.. إنها ثورة من أجل مواجهة القدر .. إنها المواجهة التي سبقنا إليها البعض والتي ستقتلع الصداع اقتلاعا وسيكون-حينئذ- هناك دائما (حل).
20أبريل2015
[email][email protected][/email]
يسمع منك ربنا كما يقولون الابن العزيز امل الكردفاني ..لك التحية والتقدير