ما ضاع حق وراؤه مطالب يا شعبنا العظيم المناضل الصامد

التحركات والمظاهرات الجماهيرية التي شملت كل اقاليم السودان ومدنه التي وصلت قمتها في يومي السادس عشر والثامن عشر من يناير في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاثة جاءت لتؤكد لشعوب العالم خاصة وفي المنطقتين العربية والافريقية إن الشعب اسوداني قد عقد العزم على مجابهة السلطة الظالمة التي جثمت على صدره قرابة الثلاثين عاماً وصادرت حقوقه المشروعة المتمثلة في الامن والإستقرار والعيش الكريم والحرية والديمقراطية.
خرجت الجماهير ضد الازمة الإقتصادية والمعيشية والقبضة الامنية رافعة شعار لا لا للغلاء وحرية حرية وسلمية سلمية. كان ذلك هو المشهد الاول الذي لفت انظار العالم وتناقلته وسائل الإعلام العالمية والعربية والتي أسهمت في إظهار الوجه الحضاري السلمي لحركة الجماهير ذلك المشهد أسهم كثيراً في رفع الستار والسياسات الحكومية والتخبط فيها أشعلت نار الغضب ضدها وكانت الموازنة السنوية قد كشفت عن عجز الميزان التجاري وتهاوي الجنية أمام الدولار مما أسفر عن تعثر في أداء البنوك وإحداث فوضى في سوق العملة وتعثرت بالتالي عمليات الصادر والوارد والخدمات المرتبطة بعلاقة المواطن بأجهزة الدولة في مجالات الصحة والعلاج خاصة المنقذ للحياة وأمراض الضغط والسكر والفشل الكلوي.
صلب الموضوع يتلخص في التخبط وسوء الإدارة كما ورد في خطاب الموازنة الذي قدم للبرلمان لإجازته وتحويله للحكومة لتطبقه على أرض الواقع، وإنعكست الأزمة المالية على الوضع السياسي المأزوم بقيادة الحزب الحاكم والذي وقف قادته وعضويته حائرين ومرعوبين أمام الغضب الجماهيري والذي يرون فيه الخطر الأكبر على سلطتهم ومشروعهم الحضاري الإنقازي المزعوم.
الطيب مصطفى أحد القيادات التاريخية في حركة الأخوان المسلمين صاحب صحيفة الإنتباهة ورئيس منبر السلام العادل واخيراً صاحب صحيفة الصيحة كتب مقالاً في صيحته يوم 14 فبراير جاء فيه عن الوضع الإقتصادي السائد في البلاد ما يلي (واقع مأزوم شكل أكبر مشكلة سياسية في البلاد وفي جهاز الدولة خلال السنوات الأخيرة، أيضاً أشار إلى الأزمة المالية وتهاوي الجنيه أمام الدولار كما أشار إلى التخبط والإرتباك في السياسة المالية وغياب التخطيط، الرئيس البشير نفى تماماً وجود أزمة كان ذلك أثناء حديثه داخل الإجتماع والذي ضم الهيئة القيادية للحزب الحاكم والمسئولين في جهاز الدولة والأمن، أكد انه لا يوجد غلاء، وبدلاً من أن ينتظروا ردنا على ما طالبوا به في المذكرة التي رفعوها بادروا بتنظيم مظاهرات ودعوا لإسقاط السلطة، وأضاف قائلاً هذا مرفوض واصدر الأوامر لجهاز الأمن بإعتقال كل قيادات الحزب الشيوعي ومن شارك في المظاهرات وقد كان).
في ضوء ذلك لابد من القول بأن الرئيس البشير يتحمل كامل المسئوليه في الإعتقالات وعمليات التعذيب التي باشرها المسئولين في جهاز امن انظام بداية بالأذى الجسدي وإنتهاء بإغتصاب الفتيات وتعرضهن لأنواع من الإنتهاكات غير مسبوقة يندي لها الجبين. بناء عليه أقول بأن الرئيس البشير يتحمل المسئولية الكاملة فيما حدث وما زال يحدث للمتظاهرين أثناء وبعد المظاهرات بداية بالإعتقالات والقمع الوحشي الممنهج داخل أقسام جهاز الامن إضافة لما يتعرض له المعتقلين في سجون النظام داخل العاصمة والمدن الاخرى.
الإعتقال هذه المرة كان موجهاً وبتركيز على العنصر النسائي وبالتالي الفتيات صغار السن وتعرضهن لكل الإعتداءات الجسدية واللفظية التي يعتبر أكبر جريمة ترتكب في حق الإنسانية والهدف من وراء ذلك معروف وهو كسر الإرادة والمعنويات والحط من الكرامة الإنسانية. تجدر الإشارة إلى أن إستهداف المرأة بدأ في ظل النظام وصدر قانون النظام العام الذي مورس بموجبه أمام الجماهير مثل الجلد بالسياط والمحاكمات التي طالت عدد غير قليل من النساء، وفي العام 2014 وصل الرقم إلى 147 ألف بلاغ ضد النساء.
التظاهرات الاخيرة مثلت صدمة كبيرة غير متوقعة للرئيس البشير وأعوانه وشعروا بأن نظامهم يتهاوى وحسب تقديري فإن المفاجأة كانت اكبر للمسئولين في قمة جهاز الامن والقرار الجمهوري الأهم الذي إتخذه البشير والعفو عن مدير الجهاز السابق صلاح قوش الذي تم سجنه مع عدد من ضباط الجيش بعد التهم التي وجهت لهم من محاولة تدبير إنقلاب على السلطة، قرار الرئيس إلى جانب العفو بتعيين الفريق قوش مديراً للمخابرات وإحالة الفريق محمد عطا في تقديري أن هذا القرار هوأخطر القرارات التي تم إتخاذها من قبل في عهد الإنقاذ وستكون له تداعيات على حاضر ومستقبل النظام وقد احدث القرار ضجة محلية وعالمية.
الطيب مصطفى طرح سؤالاً مهماً في إطار المقالة التي نشرتها صحيفته في 14 فبراير لماذا عاد صلاح قوش؟ وأجاب على السؤال ملخصاً حديثه عن القدرات التي يمتلكها صلاح قوش بوصفه رجل أمن والإنجازات التي حققها بعد توليه لإدارة جهاز الأمن قبل إعتقاله وتوجيه التهم التي تستهدف إقصاء البشير والإستيلاء على السلطة. في مقدمة الإنجازات التي عددها الطيب مصطفى بناء جهاز أمن عبارة عن امبراطورية شديدة البأس والقدرات، جهاز يعتبر من أجهزة الامن القوية في المنطقة العربية ولاأفريقية، ويمتلك علاقات مع جهاز المخابرات الأمريكية الذي أصبح له مركزاً في السودان كما أصبح السودان مركزاً إقليمياً لأجهزة الأمن الأفريقية، ومن بين الإنجازات التي ذكرها المقال الإختراقات التي أحدثها في الحركات المسلحة السودانية المنازلة للنظام، إضافة إلى ذلك التعاون مع دولة الجنوب ثم المشاركة في القضاء على نظام القذافي تلك هي الإنجازات التي حققها جهاز الأمن والتي ورد ذكرها في مقال الطيب مصطفي وما خفي أعظم، إشارة إلى المؤامرة التي دبرت لإغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العام 1995، خلاصة ما أراد قوله الطيب مصطفى حسب رؤيته في العبارة الاتية الأمن يحتاج إلى دهاء كبير وقدرات متنوعة على التخطيط الإستراتيجي.
المكر والدهاء صفة ملازمة للأخوان امسلمين مارسوها ضد الرئيس جعفر نميري يوم تنصيبه خليفة للمسلمين ثم إنقلبوا عليه كما إنقلبوا على شيخهم الماكر حسن الترابي وعلى بعضهم البعض وصاروا فصيلين وطني وشعبي أهانوا شيخهم وأذلوه وحاصروه وسجنوه حتى إضطر صاغراً إلى مجاراتهم وإنضم إلى حوار الوثبة وجلس إلى طاولة الحوار جنباً إلى جنب حواره السابق البشير. والبشير اليوم على وشك أن يسلم مقوده إلى الفريق قوش رئيس جهاز الأمن المنوط به رسم وتنفيذ البرنامح الذي يهدف إلى تصفية الحسابات مع القوى السياسية المعارضة والحركة الجماهيرية، كانت نقطة البداية الضغوط الدولية التي مورست عليه من منظمات حقوق الإنسان والمسئولين الدبلوماسيين في بعض الدول الاوروبية بالاضافة الى ذلك الضغط الجماهيري بما فيها أسر المعتقلين، وأخص هنا المرأة.
السيد عبد الرحمن الصادق المهدي مستشار السيد الرئيس كذب في المؤتمر الصحفي واعداً باطلاق سرح كل المعتقلين السياسيين حتى الان هناك مئات المعتقلين في السودان وبيوت الاشباح ، والاسوأ أن مصير بقية المعتقلين أصبح رهينةً بسلوك أحزابهم كما قال رئيس جهاز الامن ، والمطلوب كذلك من الاحزاب أن تذعن وتستجيب للمشاركة في الحوار الذي يجريه النظام على شاكلة حوار الوثبة والذي جنى ثماره البشير وادى ذلك لمد أيامه في الحكم والنتجة ماهو ماثل أمامنا وهو شرح المشروح.
يتضح كما أوردنا ذكره ان البلاد مقبله على أيام اكثر صعوبة وتعقيد من سابقاتها، والسلطة ببطشها تقف سداً منيعاً امام نضالات الشعب ، وتحول دون الوصول لتحقيق جميع مراميه.
ماهو مطلوب اليوم هو على قوى المعارضة وفي مقدمتها الاحزاب السياسية الاستفادة من التجارب السابقة وأن تتوصل الى برنامج الحد الادنى ورفع قدرات الشعب للمقاومة بأساليب وطرق جديدة من شأنها أن تقلل من الخسائر الباهظة التي يتكبدها المناضلون أثناء المعارك ضد النظام الديكتاتوري والمتدربه عناصره على أحدث أنواع القمع الحديثه في الوقت الحاضر ، ومطلوب اضافة الى ماذكرنا تحريك حملات التضامن مع بقية المعتقلين والعمل على إطلاق سراحهم دون قيد أو شرط الى جانب تقديم الدعم المادي للاسر المتضررة ، وتوفير الامكانيات الجديدة لتسهم في تطوير العمل السياسي المعارض.
ومن يرغب في الحصول على المزيد من المعلومات حول خفايا إمبراطورية الفريق صلاح قوش عليه الاطلاع على كتاب الاستاذ فتحي الضو (بيت العنكبوت).
د. محمد مراد
براغ 3 مارس2018