الموت

قال لي أحد الأصدقاء بأنه لا يحب النوم ﻷن هذا يضيع منه فرصة الاستمتاع بالحياة…. فبهت من هول المفاجأة ؛ وحسدته ، فمن أين أتى بكل هذا التفاؤل والانبساط ، وماهي هي الحياة التي يمكن إعطاؤها كل هذه القيمة المغالى فيها ، مثل هذا التفاؤل يزلل صعوبات الحياة ، أنا أفكر في قيمة الموت أكثر من الحياة باعتباره شبه عدم -ﻷننا غير متأكدين من عدميته – لكن في كل جوانبه لا يبدو الموت شيئا شريرا ، بل أعتقد أنه في كل الأحوال نقلة رائعة الى عالم اليقين ، على العكس من الحياة التي تنعدم فيها اليقينيات ، وأرى أننا جربنا العدم من قبل ولم يكن سيئا بهذا الشكل ، كل الفارق أننا لم نكن متمتعين بالوعي الكافي للاستمتاع به ، أو كان وعينا بجماله ناقصا ، إن ضوء الشمس يوهمنا بمتعة الحياة ، لكنه ليس كذلك ، هناك هيبة للظلام تتجاوز ضياء الشمس ، ووقار ، وسكينة ، وكل هذه القيم قيم حياتية ولا يمكن قياسها عدميا ،وربما يرى البعض أننا لا يمكن أن ندرك قيمة للعدم إلا عقلا فقط ، فالتجربة العدمية السابقة لا تكفي حيث لم يسبقها وجود ، ولكني لا أرى فارقا ، ﻷن العدم نفقد فيه الوعي ، فلا تمثل الفترة العدمية السابقة أو اللاحقة اختلافا جوهريا. كل ما هنالك أن لدينا تصورات عن العدم غذتها الأسطورة والميتافيزيقا ، وهي تصورات مشوهة جدا ، وتخالف حكمنا على عدمنا السابق على الوجود ، كل ما علينا -لكي نستمتع بالموت-هو أن نلغي تصوراتنا السابقة كلها عنه ، وأن ننظر له كما هو ، لا كما نتخيل ، تماما مثلما نذبح بقرة لنأكل لحمها دون أن نتصور أين فاضت روحها وأين ذهبت وارتحلت وماذا تفعل الآن..فنحن نأكل فقط لحم بقرة ميتة ، بدون أي تصورات مسبقة ، ولكننا نعجز عن فعل ذلك بالنسبة لموتنا نحن البشر ، إننا نضيف تصورات غير مؤكدة عن حياة أخرى ما بعد الموت ؛ لكننا لا نتصور فناءا مطلقا، ولا أعرف لماذا ، ربما يكون السبب الذي دفع الانسان الى تشكيل هذه اللوحة السوريالية عن خيالات الموت ، هو نزعة قديمة وكلاسيكية جدا عن ارتباطنا بالوعي الوجودي ، فنحن إذا لا نحب الحياة لذاتها بل للوعي بها الذي في ذاتنا . ولجهلنا بإمكانية استمرار هذا الوعي عند الموت أم لا فإننا نخاف من هذا الجهل ، رغم أننا جربنا العدم من قبل ، وكان بامكاننا أن نحكم من خلال التجربة السابقة. ولكن لو حدث هذا فإنه سيقلل مخاوفنا من التجربة المستقبلية للعدم ، سيحررنا هذا من تمسكنا بوعي مؤقت ، وسننبذ الأساطير السخيفة عن ما وراء البرزخ.. فهل هو حقا برزخ؟

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يعلن الدكتور الكردفاني عن إعتقاده بأن الموت ( في كل الأحوال نقلة رائعة الى عالم اليقين)، و يمضي قائلا:(إننا نضيف تصورات غير مؤكدة عن حياة أخرى ما بعد الموت؛)؟
    فيجعلنا نتساءل ما قيمة ذلك (اليقين) الذي لا يغنينا عن “إضافة تصورات [غير مؤكدة] عن حياة أخري ما بعد الموت”، إذاَ فهو يقين بماذا؟ إن كان ذلك (يقينا) حقا!
    و لا يدعنا الدكتور نطيل ذلك التساؤل، بل ينزعنا منه بتقريره:( لكننا لا نتصور فناءا مطلقا،)، فما دام الدكتور لا يتصور ([فناء] مطلقا)، إذاً يتصور “خلودا” – و الخلود وجود،
    و لكن يشكل علي فهم حديث الدكتور عن “العدم”؛ حين يقول: (وأرى أننا جربنا العدم من قبل .. كل الفارق أننا لم نكن متمتعين بالوعي الكافي للاستمتاع به ، أو كان وعينا بجماله ناقصا)
    فكيف نكون قد (جربنا العدم من قبل” و لم نستمتع به لقصور و عينا به، و لم يكن لنا “وجود” أصلا؟ فهل بإمكان الإنسان تجريب “حالة” تسبق “وجوده” – “العدم”؟
    و هل يستوي عند الدكتور “العدم” و “الموت” حين يقول: (فلا تمثل الفترة العدمية السابقة أو اللاحقة اختلافا جوهريا)؛ إن كان يعني بـ(الفترة العدميةالسابقة) = “العدم” ، و بـ([الفترة] اللاحقة) = “الموت”؟،
    إنها لتساؤلات ربما يرد عليها الدكتور بتجلية المفاهيم عن (العدم) و (الموت) و ( ما بعد الموت)، بصورة تسعفنا للوصول إلي تصورات واضحة حولها.

  2. الاخ لتسألن..
    تحية طيبة لك وكاكا على الاضافات القيمة
    بالنسبة لليقين هو يأتي ما بعد الموت أي بلوغ معرفتنا بالمطلق أما تصوراتنا الحالية عن ما بعد الموت فهي غير مؤكدة.فالتمييز بين الحياة والموت في هذه التصورات ولا يوجد تناقض ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..