المضحك والمبكي في أزمـة الهَـويّـة الجارية

يثير بعضنا الشفقة (خاصة في المجال الإعلامي) حين يصفنا بأننا شعب أسمر …. ولا أدري إذا كنا نحن بألوان بشرتنا هذه ندخل ضمن تصنيف الشعوب السمراء . فما هو لون الشعب المصري مثلاً ؟ وما هو لون شعوب شبه الجزيرة العربية؟ هل هم بيض البشرة؟ .. بالطبع لا .
فإذا كان هؤلاء يصنفون عند البعض السوداني على أنهم من أصحاب البشرة البيضاء .. فما هو لون شعوب الغرب الأوروبي البيضاء كالإنجليز والألمان؟
أخشى أن تتفتق عقول البعض المتشبث واهماً بلون الدلع الأسمر … فيصنف الخواجات على أنهم من أصحاب بشرة (ناصعة البياض) بلون ريش طيور الجنة البيضاء التي توجد (حصرياً) في أشجار الفردوس الأعلى.
ثم أنه إذا كان الشامي والمغربي ، والمصري ، والبدوي في شبه الجزيرة العربية بيض البشرة (كما يراهم بعضنا) . فلماذا إذن يرهق هؤلاء أنفسهم ويتعبونها في التغني والغزل في اللون الأسمر ؟
هل يتغنى هؤلاء العرب (البيض) من الخليج إلى المحيط في سمارنا نحن (السودانيين) أم ماذا؟
ثم أننا إذا كنا أصحاب بشرة سمراء كما يظن بعضنا .. فلماذا نحمل مسمى “سوداني” الذي يعني في اللغة العربية صاحب البشرة السوداء؟
ربما يتوجب والحالة النفسية كذلك لدى بعضنها من الإرهاق والتشويش ، ربما يتوجب أن نعمد إلى تغيير إسم “جمهورية السودان” ليصبح “جمهورية السُمران” .. وهكذا يطلقون علينا بعد بضع سنوات مسمى “سمراني” عوضـاً عن “السوداني”.
والأمر في الجانب الأعمق لا يقف عند حد “الشفقة” وحدها ؛ بقدر ما يعتبر معرقلاً نفسياً لقدراتنا ونجاحات خطط التنمية البشرية والإقتصادية ؛ وسبب رئيسي من أسباب فشلنا المزري حتى تاريخه في التوصل إلى قناعة موحدة بماهية هويتنا الحقيقية الواقعية التي ينبغي علينا البناء فوقها للنهوض من كبوتنا المزمنة وسط الشعوب العربية والأفريقية على حد سواء .. وحيث نلحظ أننا كلما تقدمنا متراً تراجعنا القهقرى أمتار في كافة مناحي الحياة من إقتصاد وأخلاق وقناعات .. نلتقط من العرب أسوأ ما عندهم ومن الأفارقة أسوأ ما لديهم … ثم نكتشف بعد فترة أن هذا العربي لا يصلح لنا ؛ وأن ذاك الأفريقي لا يضيف لنا شيئاً بقدر ما يسلبنا ويزيدنا تخلفاً وتراجعاً في كافة المجالات ، وفقداناً للأمن والإستقرار ، وتهتكاً في النسيج الإجتماعي.
يبدو أن موقعنا الجغرافي في وجه القارة الأفريقية المتجه صوب شبه الجزيرة العربية ، والذي يمنح ظهره ومؤخرته في الوقت نفسه لأفريقيا (أنظر الخريطة) … يبدو أن هذا الموقع والتوجه المزمن قد كان له أثره البالغ في الإنفصام والتشويش على هويتنا على هذا النحو الذي لا نزال نعاني منه.
إتصلنا حضارياً ومنذ آلاف السنوات بمصر واليونان والرومان .. وكان لهذا الإتصال إيجابياته وسلبياته .. ولكن الإيجابيات حتى عهد قريب كانت تطغى على السلبيات .. والسبب أن إندياح رياح التطور والتغيير التي يفرضها هذا الإتصال لم يكن بالسرعة الصاروخية التي هي عليه الآن في علاقتنا بمصر والغرب الأوروبي ….
قديماً ولأسباب ترتبط بتكنولوجيا الإتصال كان التغيير يأخذ وقته وعلى نحو يجعل من المقيم يبتلع الوافد ويهضمه على مهل ليستفيد منه ويلفظ الفضلات التي لا تصلح له …. لكننا اليوم أصبحنا نتقبل الكثير من السلبيات ونبتلعها سريعاً بقشورها ونواتها ؛ ومن دون أن نفكر في ما إذا كانت كلها أو بعضها تصلح لنا أو لا تصلح …..
وعلى سبيل المثال فإنه وفي الوقت الذي حرّم فيه الفقيه الأزهري ما يسمى بالزواج العرفي في مصر ؛ أخذنا نحن بهذا الزواج من مصر وفعلنا به الأفاعيل . وخسرت آلاف الفتيات نصف حياتهن الإجتماعية بسببه . ولم يستفيد من ذلك سوى الذكور بما مارسوه من جنس مجاني … ثم أطباء جراحة التجميل والنساء والولادة بما جنوه من أموال وثروات نظـير قيامهم بإجـراء عمليات الخياطة وزرع غشـاء البكارة.
حتى المأكولات المصرية والمشروبات والتبغ البلدي (المعسّـل) الذي يجري تدخينه بالجوزة والنارجيلة إستوردناها بالطائرة مباشرة . فكان أن إستفحلت لدينا أمراض أهلكت الحرث والنسل ؛ ليس أقلها الفشل الكلوي وتلف الحنجرة والرئة وتشوهات الأجنة.
وبعد عام 1975م إتصلنا (نحن الفقراء) ببعض الشعوب العربية الغنية . فكان أن إستوردنا منها قشور الصرف البذخي الذي قد يتلاءم مع ثرواتهم ورفاهيتهم ، لكنه لا يتلاءم مع مداخيلنا . لا بل وارتفعت أسعار الأراضي في بلادنا الشاسعة الأرجاء دون مبرر ، ثم تركنا الزراعة وحفرنا الأرض بأيدينا وأقدامنا سعياً وراء أن نصبح دولة بترولية ثرية . فكان ما كان من مغبات فساد وسرقات وإستنزاف للثروة وحروب يعرفها الجميع …
والأطرف من كل هذا وذاك أننا أصبحنا مولعين بلوحات السيارات ذات الصغيرة ، وأرقام الهواتف الحلوة .. وزواج المسيار .. وفي محصلة أخرى بتنا نرى الإناث والذكور مشغولين بتبييض البشرة وتقشيرها ، وزراعة الشعر وتمليسه .. كل هذا على الرغم من المفارقة المضحكة التي يتركها هذا الهوس في المحاكاة والتفليد . وذلك لسبب بسيط هو أن ملامح وقسمات وجوهنا ورؤوسنا وتشريح أجسادنا لا تشبه العرب والشوام في شيء … لا بل ومقدماتنا وخصورنا ومؤخراتنا وأفخاذنا وسيقاننا وأقدامنا وحتى خطانا ومشيتنا على الأرض .. وكل جزء فينا يصرخ فينا ويردد بقوة قائلاً للدنيا “أنا أفريقي أنا سوداني”.
وخلال فترة “الحلم النفطي” الذي عبر فوق رؤوسنا وتبخّـر سريعاً ، وتركنا “لقريعتي راحت ” مرة أخرى …. خلال ذاك الحلم النفطي القصير برزت ظاهرة لهفة الفتيات للزواج من البنغال والصينيين على أمل تحسين النسل والإتيان بهجين أصفر مسبسب الشعر ….
وها نحن اليوم وبعد ما تسامع الناس بمعضلة اللاجيء السوري بدأت الأعناق تشرئب . ومقولات “تحسين النسل” تطل برأسها إلى الساحة من جديد لتنادي الحكومة السودانية أن تتحول إلى “خاطبة” و “دلاّليّة” عبر فتح الباب على مصراعيه لملايين اللاجئين السوريين وتوطينهم في الشمالية الخالية وبعض من أجزاء الجزيرة المروية ، ومنحهم الجنسية السودانية أملاً في “تحسين النسل” من جهة .. وأملاً في الإستفادة من المُزارع والراعي السوري المتطور للمساهمة في النهضة الزراعية وتنمية الثروة الحيوانية . وغير ذلك من منتجات حرفية ومهنية أخرى يشتهر بها المواطن السوري خاصة في مجال التجارة والنسيج.
وربما يكون لهؤلاء بعض الحق في ما يذهبون إليه من مقاصد . وذلك عند المقارنة بين السوري من جهة وبين اللاجيء الأفريقي للسودان من جهة أخرى . وحيث تميل كفة الميزان بالفعل لمصلحة اللاجيء السوري لو تم فتح له على مصراعيه .. فاللاجيء الأفريقي الذي جاء للسودان ولا يزال من شرق وغرب وأدغال أفريقيا لم يضيف حضارة إيجابية متطورة لنا بقدر ما جلب لنا من مظاهر سلبية وممارسات تتمثل أهمها في تلويث البيئة والدعارة والخمور البلدية ، والسحر والشعوذة ، والأوبئة الحاصدة والأمراض المعدية ، وقطع الطرق والسلب والنهب المسلح .
أما اللاجيء السوري فهو على كل حال سيضيف جديداً ، فهو يأتي من مناطق أكثر تطوراً وتحضراً من شرق وغرب وأدغال أفريقيا ؛ وسيساهم في تحسين النسل لو تم التزاوج (في الإتجاهين) بينه وبين السوداني وينتج لنا هجين جديد “يُعجب الزرّاع” . وحتماً سيساهم في دفع عجلة الإنتاج والتطور والتنمية ؛ ويشبع غرور وتطلعات بعض القوميين العرب السودانيين ممن يلهثون خلف تمكــين ملموس للهوية العربية في السودان …. السودان الذي يعاني التأرجُـح إن لم يكن الضياع ؛ ولا يبدو إلى هذه اللحظة منتمياً إلى هؤلاء ولا محسوباً على أولئك.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كلامك انهزامي ومذل وصفر كبير جدا! انا سوداني وافتخر ولعلمك لو كان هناك حكم حقيقي ووطني في السودان لما كنا في هذا الحال! وهؤلاء العرب البيض اسيادك كانوا ولا زالوا ينظرون اليك مجرد عبد اسود ملتصق بعروبتهم وسؤال لك ياملتصق ولماذا لا يتم الأنصهار بين قبائل الشعب السوداني لو كان هناك سلم اجتماعي وحضاري وثقافي بين ابناء الشعب الواحد؟ لم يؤخر شعب السودان الا نظم حكم الأستبداد والتسلط فعدنما خرج الأنجليز لم يتصوروا ان يؤول حالنا الي هذا ومهما قلت تظل الأفريقية اسم وعنوان الواننا ولغاتنا فقط نتمني حكم صالح وطني وتري شعب اصيل له تاريخه وتراثه بعيدا عن هرطقتك وكلامك الفارغ. اللهم اصلح بلادنا وطهرها من المتسودنين الجاهلين بقدر هذا الشعب وتاريخه آمين.

  2. اسوأ الاشياء احتقار الانسن لنفسه ووطنه (تحسين نسل)? اتق الله في نفسك أولا ومن ثم في وطنك .وقيمة المرء فيما يتقنه وإذا لم ترفع من قدر نفسك فمن يقوم بذلك فأنت إذا ذهبت إلي طبيب مثلا ستشرح علتك ويصف علاجك دون ان ينظر أحدكما إلي شكل أو لون الآخر. يجب ان ننسي هذه النعرات ونحب هذا الوطن كما هو وان نقبل الآخرين كما هم ونضع أيدينا مع بعض لكي نخرج من هذا الوحل.

  3. حقيقة مقالك في بدايته جميل جدا ولكن للاسف ظهرت العنصرية غصبا عنك عند مقارنة الانسان العربي مع الانسان الافرريقي فظهر الانحياز مباشرتا الى الانسان العربي، فداخلنا شئنا ام ابينا توجد حالة من الانفصام بين العربية والافرقانية ولم نتوصل بعد الى السودانية التي خلقت داخلنا ثقافة مختلفة تماما عن مكوناتها الاساسية، فنحن لا نحتاج الى احد اذا امنا بتلك السودانوية وتركنا تكويناتها الاولية. فارجو ان تراجع نفسك قليلا وتعيد قراءة مقالك بتاني

  4. مقالك فى بدايتة كان صادقا ومعبرا ولكنة فى الاخر انحرف وبدا يعبر عن ما فى مكنونات قلبك واحسايسك ومشاعرك ؟؟ ههههههه والله مقالك ده لو قراه العنصرى بتاع افصلو الشمالية داك مش عارف اسمومين كان ثبت عليك حاجات كتيرة خالص خاصة فى حديثك الاخير وهرطقة تحسين النسل..

    لكن الا تعتقد بانك قد جنيت على كل السودانين وما قد تعتقد بانهم افارقة مهاجرون من غرب افريقيا ؟؟

    وقد تقصد الفلاتة وغيرهم ولكننى وحسب معلوماتى القليلة اعتقد بان الفلاتة هم افضل المهجرين للسودان .. للسبب الاتى :
    هم عماد زراعة الخضروات والفواكة علاوة على انهم ناس فى حالهم ومتدينون معظمهم كما قد يلاحظ البعض ولا يمارسون الدعارة حسب ايضا ملاحظاتى هذا اذا كنا منصفين ولعلمك بان الدعارة مهنة ترتبط بالفقر اساسا ولا اعتقد بان الدعارة مرتبطة بالافارقة كما تعتقد ؟؟! والدعارة موجودة فى سوريا فى دمش وحلب وغيرها بصورة رسمية وفى المغرب على عينك يا تاجر وتونس وغيرها واجزم بانة لو قدر للسعودية ودول الخليج بانها دول غير نفطية لوجدت فى كل شارع فى الرياض بيت دعارة او الخبر او الظهران او حتى مكة ؟ .. اما الشعوذة دى والله ما مقصرة من جنس او قبيلة حتى الخليجيون بعضهم يمارس الشعوذة فى سلطنة عمان وغيرها .. والمغاربة هم اساتذة الشعوذة شووو رايك ؟؟

    ايضا قمت بمقارنة بين اللاجىء الافريقى والسورى وقد تكون ابرزت الميزات الخاصة بالسورى والافريقى ولا غبار على ذلك ولكنك لم تتطرق للفائدة القصوى او النهائية ..

    اعتقد بانة لو تم تحقيق حلمك بتوطين السوريين فى الشمالية بحجة انها خالية وبعض مناطق الجزيرة وبالتاكيد قد تعنى منطقة الشرفة ؟؟؟؟
    سيجنى السودانيين المزيد من التشويش والانفصاام النفسى ومعرووف جدا ان الشحص الهجين دائما مشوش نفسيا ومشروخ وجدانيا وضااايع وسيبقى لدية توهان (هوية للابد) ونحنا مش ناقصين ..

    والله العظيم احترنا فى حتة الهوية دى يااعالم نحنا افااارقة ماعندنا فرق من الاخرين اثيوبيا وارتتريا وتشاد والصومال وجيبوتى وتنزانياومالى وكينيا فرقنا منهم شنوووو غير اللغة كان على شوية بقايا الاتراك والارناؤوط والرعاة المشتتين فى فيافى دارفور والشرق وكردفان والبطانة نفس الخلق دى موجودة فى اثيوبيا وفى تشاد ومالى وارتريا ؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..