السقوط الكبير لهالة الأخوان

من الضروري مواجهة بذور الحقد والتطرف التي يزرعها الأخوان في نفوس الأطفال ويعملون على تغذيتها. آخر ما تتمناه مصر هو استعادة مشهد وصول الأخوان ومرسي للحكم وسقوطهم.

بقلم: د. لنا عبد الرحمن

لعل الأحداث التي وقعت منذ شهرين وحتى الآن كثيرة جدا، منذ مظاهرات 30 يونيو، ثم عزل الرئيس مرسي، وما تلا هذا العزل من ردود فعل من أنصاره، بدءا بالمظاهرات والمسيرات والأكفان المحمولة، مرورا بالاعتصامات في الجوامع والمساجد، وصولا للحرائق والقناصة، وردود الفعل العشوائية والمضطربة والخالية من أي بعد نظر سياسي حفاظا على مكاسب ممكنة. كل هذا نفى ما كان يشاع عن التنظيم الدقيق لجماعة الاخوان المسلمين، وحنكتهم في ادارة المعارك مع خصومهم، ونظامهم الداخلي الصارم.. هذا النظام الذي انتشر الكلام عن قدراته التنظيمية والحشدية لأعوام طويلة منذ تأسيس الجماعة حتى الآن.

لكن بداية تحطم هذه الفكرة لم يكن مع الثورة على مرسي ثم عزله، بل تلاشت تلك الهالة التنظيمية للاخوان مع سقوطهم في شبكة الفشل في إدارة مصر، وتعثرهم أمام الأزمات التي أطلق مرسي الوعود بحلها ولم يستطع، لأنه فضل “أهله وعشيرته” على أصحاب الخبرة والاختصاص وبالتالي تفاقمت في عهده كل أنواع الأزمات سواء كانت داخلية تهم المواطن البسيط وتتعلق بالأمن والاستقرار، وغلاء المعيشة حيث ارتفعت الأسعار، وشح البنزين في السوق، وساء حال رغيف الخبز.. وكان الوضع الأمني في أسوأ مراحله.. أما خارجيا، فقد شهد حكم مرسي انقطاع وتوتر علاقات مع عدة دول.

كان من الممكن للشعب المصري أن يرضى بحكم الاخوان- فهو الذي انتخبهم وأوصلهم لسدة الحكم- لو كانوا على قدر من المسؤولية في تحقيق أحلام شعب قام بثورة كبيرة في 25 يناير، مطالبا بحقوقه في عبارات “عيش حرية، عدالة اجتماعية”. لكن هذه الشعارات بان الفشل في تحقيقها عقب وصول مرسي للسلطة وبداية عثراته الكثيرة.. هذه العثرات التي لم تنبهه أبدا لحدوث السقطة الكبرى، حين هز الشعب العصا، مطالبا إياه بالتنحي. ولعل المفارقة المدهشة في ما آل إليه حكم الاخوان المسلمين، تكمن في عدم امتلاكهم أي بصيرة لاستيعاب درس مبارك، وما حدث له.. لم يملك الاخوان أي ايمان بقدرة الشعب المصري على الفعل، لقد ظنوا أن “هم” – أي الإخوان- من أسقطوا مبارك، وظنوا أيضا أنهم قادرون على الحفاظ على مرسي. لكن على أرض الواقع هذا ليس دقيقا، فالحراك الجماهيري في 25 يناير، أدى لتدخل الجيش، وتنازل مبارك عن الحكم، وسلم البلاد للمجلس العسكري. أما في 30 يونيو، فقد تدخل الجيش أيضا لعزل مرسي بعد مظاهرات حاشدة، وفي كلا الحالتين، لم يكن ليحصل هذا التدخل المباشر من دون الضغط الشعبي.

وفي هذه المرحلة أيضا يمتلك الجيش تفويضا من الشعب للتعامل مع الارهاب الذي امتدت نيرانه إلى كثير من المناطق داخل مصر، فيما بؤرة اشتعال العنف والارهاب في سيناء حيث لا نعرف الكثير عما يحدث هناك.. لكن من المؤكد أن ثمة معركة شرسة في سيناء، وأن وجود جماعات إرهابية وجهادية هناك أمرا لا يحمل شكوكا.. هذه الجماعات التي زادت وحشية حضورها في العامين الأخيرين، وأصبحت خطرا ليس فقط على الجنود المصريين الذي يقتلون على أيدي هذه الجماعات، بل على أمن مصر ككل.

وإذا كانت المعركة على الحدود في سيناء ليست سهلة وقد تكون طويلة الأمد، فإن المعركة الداخلية مع الاخوان لن تنتهي بمجرد القضاء على هذا الفصيل سياسيا، واستبعاده من دائرة السلطة، كما أن “الحرب على الارهاب” لا تشمل فقط الاخوان المسلمين، حيث أن كلمة “حرب” بما فيها من دلالات تبدو محملة بما يتجاوز عدد الاخوان المسلمين الذي لا يزيد عن (750 ألفا).

لذا يمكن القول أن الحرب مع الاخوان جزء من المعركة ككل، بيد أن الأهم في هذا الجانب هو التعامل ببعد نظر مع وجودهم كجزء من نسيج الشعب المصري، لا يمكن اقصائه إلى الأبد.. ينبغي استيعاب الدرس السابق جيدا، بأن اقصاءهم سيتم لمدة زمنية محددة مهما طالت، وسيعاودون الكرة مرة أخرى، ويحصلون على التعاطف من جديد، وهذه هي الدورة السلوكية المتوقع حدوثها إن لم يتم تدارك الأمر والتعامل معه بأسلوب مختلف وأكثر وعيا؛ بمعنى أنه بعد عشرة أعوام مثلا، سيكون هناك جيل جديد من أطفال الأخوان قد كبروا، وتشبعوا بذات المبادئ التي تربى عليها ذويهم، مع إضافة ما سيُحكى لهم عن الظلم الذي تعرض له الرئيس المعزول محمد مرسي. وسيكبر في داخلهم حقد على المجتمع الظالم، وسيكونوا نواة جديدة للارهاب.

لكل هذه الأسباب تمثل اليقظة الداخلية، والفكرية التي ينبغي إحداثها في المجتمع عبر مؤسساته التعليمية، والدينية، والاجتماعية، عاملا أكثر أهمية في التعويل على حدوث نوع من التوعية والاندماج بين الجيل الجديد من الاخوان، وبين الفئات الاجتماعية الأخرى. فالوعي بأهمية تعديل مسار الفكر الإخواني، وإعادة هيكلته ليس عن طريق “القمع” فقط، يعتبر مسارا لا يقل في أهميته عن اجتثاث بذور الارهاب. وهذا التعديل الفكري وارد الحدوث خاصة مع وجود انقسامات في التنظيم، ورفض لفكرة استخدام العنف عند فئة غير قليلة من شباب الاخوان. من المهم جدا إعادة غرس القيم الوطنية الصحيحة عند أفراد المجتمع ككل بما فيهم الإخوان، الذين يعلون من قيمة “تنظيمهم” على قيمة مصر، ولا يرون فرقا بين علم الاخوان وعلم مصر؛ لذا من الطبيعي لأشخاص تربوا على هذا المنظور، أن تكون سائر آرائهم السياسية والدينية متطرفة أيضا، وأن يكون الانحياز “للتنظيم العالمي الإخواني”، على حساب الوطن الأصغر (مصر).

د. لنا عبد الرحمن

[email][email protected][/email] ميدل ايست أونلاين

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..