
د. أحمد عثمان عمر
الثورة ثورة شعب
والسلطة سلطة شعب
والعسكر للثكنات
والجنجويد ينحل
السادس والعشرون من فبراير ٢٫٢٢م ، يوم النقلة النوعية وساعة الحقيقة . مواكب الآباء والأمهات الداعمة للثورة تحت شعار “كلنا معاكم”، هي جهيزة التي قطعت قول كل خطيب . جاءت مؤكدة لشعارها الذي ساد ، بأن الثورة ثورة شعب لا ثورة شباب فقط كما يدعي البعض ، وأن الشباب وقودها لكنهم ليس وحدهم . هم اداتها الفاعلة لأنهم الحاضر وكل المستقبل ، لكنهم يعملون في إطار تقسيم عمل يقوم على قاعدة من كل حسب طاقته. لذلك شاهدنا هذا الجمال الذي يصيب المرء بهاء السكت ، وبدهشة تجعل وصفه عصيا فتضيق العبارة لاتساع المعنى . جاء تقسيم العمل والنضال في رمزية أن الأباء يسيرون والأبناء يترسون ، وفي خروج المسنين أصحاب الامراض ومشاكل الشيخوخة في مقدمة الصفوف وبنفس شعارات الشباب ، مع ترديد عبارات وشعارات الدعم والمساندة . رأينا امهات الشهداء لهم ولهن المجد والخلود ، ومشت بينهم التنظيمات النوعية كالاتحاد النسائي ، وتكرس مشهد عظيم يوضح ماهية التنظيمات القاعدية وتمددها بين جميع اجيال وشرائح المجتمع.
اكدت المواكب حقيقة كثيرا ما حاولت قوى الظلام اخفائها ، هي ان الثورة اصبحت فعلا اجتماعيا موحدا ، وتقليدا لشعب متماسك يسعى للانعتاق ، وفعل مقاوم لا سبيل الى تبعيضه لدق الاسافين بين شباب الثورة والاجيال السابقة من آباء وامهات. سقطت مقولات وادعاءات ودعاية القوى المضادة للثورة ، التي كانت تردد دائماً ان قيادة الاحزاب الثورية المتقدمة في السن تدفع بالشباب الى الموت ، وترفض التسوية مع العصابة الحاكمة وحقن الدماء ، لأنها لا تدفع الثمن ولا تشارك في الفعل الثوري سوى بالتعنت ودفع البلاد لمعادلة صفرية . وهذه الدعاية التي تبناها عدد من المثقفين حسني النية وقصيري النظر ، سقطت تماما تحت اقدام من اوغلوا في التقدم في السن ، وخرجوا شاهرين هتافهم وفكوا الريق هتاف.
أيضا توارت جميع الإدعاءات بأن الثورة مركزية في جوهرها ، ورأينا مواكب اقليمية داعمة ومؤكدة مثال لها موكب مدني ، في إشارة ملهمة الى ان نسيج هذه الثورة الاجتماعي عميق الجذور ، وأن تمدده ليس مناطقي ولا عمري ، بل طبقي واجتماعي ، قوامه جميع شرائح المجتمع في مواجهة سلطة راس المال الطفيلي .
لم يكن عفويا ما رايناه من ادهاش في شارع الستين او في غيره من المناطق ، بل فعلا منظما يعكس مدى عظمة هذا الشعب ، ويؤكد ان تنظيم الحراك بلغ مرحلة من النضج والتكامل ، تسمح بتكوين الجبهة القاعدية الموحدة ذات المركز التنسيقي الفاعل ، القادر على قيادة الثورة والتحول الى دولة مدنية خالصة ، تؤسس لانتقال وتحول ديمقراطي وسلم وطيد . فالفعل عالي التنظيم الذي نظم التلقائية وأطر الحراك الثوري ، جاء مواكبا وممهدا لاعلان المواثيق المتوقع ، ومؤكدا ان لجان المقاومة في اتجاهها لاعلان مشروعها السياسي المتكامل ليست معزولة ، وأن قوى المجتمع الحية بجميع اطيافها تدعمها وكلها معها . وفي هذا وضوح كامل ويقين كبير بوحدة مصير الشعب وحتمية وحدته وانتصاره.
ولا يصح بالطبع عدم التنويه الى الاضافة النوعية لشعار الثورة ثورة شعب الذي ظهر في مواكب الآباء و الامهات ، بالتأكيد على وجوب حل الجنجويد ، لان هذا مؤشر على التحول النوعي نحو جذرية المواقف ، وتأكيد شعار المرحلة ألا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية. فالانتقال من الحديث عن دمج قوات الجنجويد في القوات المسلحة ، الى التأكيد على وجوب حل هذه المليشيا ، يوضح مدى وضوح الرؤية ووحدة الفكر والارادة والرغبة في المواجهة والتغيير الثوري . ومواكبة ذلك لمواكب نوعية ، يعكس مدى نصج الشارع السياسي واهمية دور التجربة التضالية والخبرة في بلورة الأفكار والرؤى المعززة للثورة . والمهم هو عدم التراجع عن هذه النقلة المهمة ، والاصرار عليها عند صياغة أي ميثاق سياسي ، واعتبار ان حل وتسريح الجنجويد وكل المليشيات بما فيها الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لاقتسام الغنائم ، أحد الواجبات الحتمية التي لا غنى عنها حتى يتم الانتصار وتأتي سلطة الشعب . وذلك يستلزم توضيح ان الشعب المنظم والموحد في اندفاعته وعند لحظته الثورية ، قادر على حل هذه المليشيات وغير عاجز عن اجبار القوات المسلحة على القيام بهذا الفعل بعد تغيير قيادتها الحالية المفروضة من قبل راس المال الطفيلي . فالتهويل الراهن والزعم بأن دولة آل دقلو غير قابلة للتفكيك ، يخرج من نفس العقليات التي كانت تنادي بخوض انتخابات ٢٠٢٠ لأن نظام المخلوع البشير ومؤتمره الوطني غير قابل للاسقاط، وهي عقليات انفضح مدى محدودية افقها وقصور مخيلتها السياسية وعقم أدوات تحليلها .
اليوم هو احد أيام الشعب المجيدة ، لأنه كرس الفرز ، واكد الاصطفاف الجديد ، وابرز مدى تجذر الفعل الثوري ، واكد شرعية لجان المقاومة ، كما اكد توفر الاساس لوحدة القوى القاعدية وجاهزيتها لبناء جبهة التغيير وقيادتها التنسيقية القادرة على قيادة الفعل الثوري المنظم، واخرس الأصوات الداعية للاستسلام تحت دعاوى حقن الدماء ، ومهد الطريق لما بعده من انتصارات قادمة حتماً .
وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله !!! .
شتان ما بين أبي بكري وابن أبي البشر!