أخبار السودان

الثورة السلمية الخيارات والضرورة

يوسف الحسين .
يمتلك الشعب السودانى،كل ادوات واستراتيجيات وتكتيك انجاح الثورة السلمية التى فجرها ضد نظام حكم الاسلاميين العسكرى؛التجارب الناجحة والتاريخ الطويل الممتد ،منذ ثورة 1924ومؤتمر الخريجين، وثورتى اكتوبر1964،وابريل 1985،وتاريخ طويل يستحق ان يدرس، فى المقاومة السلمية لكل الانظمة الديكتاتورية ،التى حكمت السودان فى ثلاثة فترات مختلفة بلغت فى مجموعها ،ما يزيد عن الواحد وخمسون عاما ، وقد نجح الشعب فى انجاز ثوراته السابقة جميعا ، وسينجح ايضا بالتاكيد فى اسقاط هذا النظام،وبنفس ادواته المجربة للتغيير السلمى ، المواكب الهادرة التى تهز عرش الضلال،الجموع الزاحفة التى تهدم اركان الطغيان ،الاعتصام ،االعصيان والاضراب السياسى الشامل فى ثورته المنتصرة باذن الله الواحد الاحد ،وارادة هذا الشعب العريق،وإن طغى النظام وتكبر وقتل واسرف فى الدماء،  فالسلمية هى الترياق الانجع لعنف الانظمة،وهى الاقوى من اعتى الجيوش فى مجابهة كتائب “الظل”ومليشيات الظلام والابادة والاغتيالات وهى السلاح الامضى والاقدر والذى يمتلكه كل فرد من افراد هذا الشعب ،نعم ستهزمهم ارواح الشهداء الصاعدة الى عليائها المجيد، وسيفتك بهم الدم الطاهر المراق حبا وشرفا وكرامة فى الشوارع ،من اجل الوطن والانسان ،وستزلزلهم دموع وانات واوجاع الامهات الثكلى ،وسيهزمهم جلد الاباء الصناديد ، سيسقطهم عزم الرجال والنساءعلى الصمود،على المواجه،على المقاومة وعلى التمسك بالعزة والكرامة، ،والفخر والكبرياء، والمروءة والشهامة والتضحية والفداء،وكل المعانى والقيم والاخلاق الساكنة عميقا فى جينات هذه الامةالامجد،تقف جميعها فى وجه الحشود المدججة بالسلاح وبجبنها  وبخوفها وارتزاقها،وقبحها وصغارها ووضاعتها،وخيانتها لربها ولدينها ولوطنها ولانسانيتها وكل نقائض ما زرعه الاجداد منذ فجر الانسانية فى هذا الشعب النبيل.
لا مجال الا للانتصار لمسيرة هذا الشعب،المشهد الاسطورى لصدور المتظاهرين العارية المفتوحة ،فى وجه الرصاص والحقد والكره ، طلبا للحرية والعدالة واستعادة الحقوق والعدالة ، تخلف بركانا من الثورات فى وجدان كل فرد من هذا الشعب ،الذى ظل يلوك المر والعلقم والدموع والحسرات والغبن والقهر، وبقى صابرا حليماعزيزا حكيما،عفيف اليد واللسان والموطئ ، وتجنب كل اشكال الانزلاق أو الخضوع رغم الابادة والتدمير والتخريب النفسى والوجدانى المتعمد من نسل الابالسة .

حتى هبت هذه الثورة ،والتى هى التعبير الاسمى عن وجدان الشعب السودانى الجمعى ، بكل فئاته وطوائفه،وفئاته الوانه واعراقه واقاليمه، تشَّكَل جنينها فى رحم هذه الامة الولود، منذ الليلة الاولى لقدوم ابناء الشيطان، مطاريد القيم والاخلاق والانسانية ، هذه الثورة غذاها دم الشهداء المغتالين غدرا تحت التعذيب،ونسجتها عذابات الاف المنتهكين انسانيا فى بيوت الاشباح ،ورسم ملامحها دم الطلاب شهداء الحركة الطلابية المغتالين فى  ساحات ومنابرالجامعات بايدى اسفل القتلة “طلاب الوحدات الجهادية”، هذه الثورة تشكلت من مواجع ودم ودموع ليلة القتل الجماعى لطلاب معسكر العليفون ،حين كان ابناء الناس يساقون كالاغنام لمحرقة الموت اللعينة فى حرب الجنوب،هذه الثورة ابن شرعى لثارات واجبة ومستحقة السداد ،ظلت تتراكم ،من اجل القصاص لجرائم الابادة الجماعية والاغتصاب الجماعى والتطهيرالعرقى وحرق القرى،والتهجير والاستيلاء على الاراضى والحواكير فى دارفور وجبال النوية والنيل الازرق ،هذه الثورة ثورة لكل من اهين شرفه ،واهدرت كرامته،ومنع من التمتع بحقه فى العمل لاسباب سياسية، لكل من دمرت احلامه وطموحاته فى حياة افضل،هذه الثورة ثورة على الفساد الذى امتص كل خيرات الوطن والناس،وعلى الفقر والصفوف والعدم ؛ وانعدام الدواء فى المستشفيات والماء الصالح للشرب،والنقود فى البنوك والخبزفى الافران، على رداءة التعليم  وانعدام العدل، ثورة ضد دمار الاقتصاد والمشاريع القومية،وبيع القطاع العام ،ثورة ضد الاجبارعلى الهجرة،وضد الالهاء بيوميات الحياة،والاعلام الضلالى وفتاوى ائمة الفسق ، ثورة ضد كل ما ومن يمثله هذا النظام ،يوم ان جاء ويم حكم ،ويوم ان يقبر رمة فى مذبلة التاريخ.
ثورة كهذه لاولن تحتاج لأية اسلحة،سوى تلك التى تحملها،الوعى السلمى ،التنظيم ،والدوافع الاكثر مضاءا ونجاعة،من افتك انواع الاسلحة، وهى لن تحتاج لثوار سوى اولئلك الرجال والنساء الشباب الشابات ،من ابناء وبنات هذا الوطن،الاكثرعزما وارادة وشجاعة ومقدرة على خوض معركتهم ، فى وجه شراذم ومليشيات النظام.
نعم فالسلمية هى قيمة هذه الثورة ورمزيتها وقوتها الطاغية،التى ستجبر كل هذا الكون على الانحناء الكامل لها وعلى احترامها التام ،وقوتها التى ستمكنها من تغير كافة المعادلات السائدةاليوم، فكل يوم يمضى يتضعضع النظام ،ويهرب منه من يتمكن من الهرب،فى كل تظاهرة تتلاشى قوة النظام،باضعاف اضعاف عدد من يرتقى من الشهداء ،ومن يتشرف جسدة بالرصاص الحى من الجرحى والمصابين،كل مواجهة تشعل لهيبا من الزخم الثورى وتحرك مزيدامن البؤروالقوى الاجتماعية والمهنية للانضمام لركب الثورة ،وتحث المتفرجين على الالتحاق والمشاركة فيها ،وبقدر اكبر تفُّتُ فى عضد ومعنويات وروح النظام المسحوقة بالاثام والعزلة ودنو الاجل،السلمية هى كل المعانى والقيم والتاريخ السياسى المجرب والوجدان الاسلم ومنبع الحق والخير والجمال فى مقابل القبح والكراهية والحقد المريض الذى يفتك باصحابه المافونين.
فى مقابل ذلك ظهرت  قريبا دعاوى لحمل السلاح ،والانزلاق طوعا واختيارالمستنقع لعنف المضاد ، وهو امر ان حدث ، ستكون نتائجه وخيمة على الثورة وعلى الوطن والناس، فبداية ودون مقدمات يتطلب التسليح ان تقوم الثورة، بالتخلى عن امضى اسلحتها وهو سلميتها ودون مقابل مجدى ، ثم ان الشروع فى الحرب ليس مجرد امتلاك ادوات  اطلاق الرصاص فقط،، بل هومقام مختلف يتوسد فيه الشر ويفرد جناحيه على الجميع ،فالحرب لها قوانينها وادواتها واقتصادها واطرافها المستفيدة، وتترك البلد موضعا للتدخلات وتصفية الحسابات الاقليمية والدولية ،وسيترتب حتما على من يسقط فى هذا المستنقعان يقوم بالتعاطى ،مع كل تلك المكونات والاوضاع ،وهو امر بالتأكيد ،ستترتب عليه نتيائجا، تكون جميعها على حساب القيم التى اندلعت من اجلها الثورة حتى لايتبق منها شيئا .
فى الجانب العملى للامر تبرز اسئلة من الصعب الاجابة عليها من جميع دعاة تسليح الثورة،اولها من سيزود الثورة بالسلاح والسلاح النوعى اللازم لهزيمة الطغاة ؟ فى معركة نكون ،بمجرد حمل الثورة للسلاح ، قد فقدنا كل المبررات التى يمكن ان تجبر النظام على عدم استخدام لقوته القصوى ، والتى ظل يبنيها ويكدس لها السلاح لسنين طوال ، ثم من الجهة التى ستقوم بتمويل شراء الاسلحة؟ ومن سيشترى السلاح ومن اين ؟ ومن سيعالج الجرحى ويوفر التموين والاغذية للثوار وللاهالى المحسوبين عليهم ، من سيتحكم فى ردة الفعل النظام ؟ما مصير الناس تحت القصف والقنص والتدمير والتفجير والابادة ،التى بالتاكيد سيمارسها النظام باهل واسر ومناطق الثوار؟ الم يفعل ذلك فى دارفور.؟ وتحت سمع وانظار العالم واقماره الصناعية وقوات مجلس الامن الدولى.؟ الايصلح اخذ العبرة من التجربة السورية ،حيث الدمار الشامل ،وموت مئات الالاف، وتشريد الملايين ، دون ان تتم الاطاحة بنظام الاسد،رغم وقوف اغنى واقوى دول العالم ضده ، والتى يبدو انها قد باعت حملة السلاح الذين مولتهم ودعمتهم،فى سوق المساومات والمصالح الدولية.
اتمنى الا يحمل احد الثورة ما لا تطيق ،والا يدفع احدالناس لما لايملكون من اداوت ،والا يتم  طرح امر لايستطيع قائله التدليل على كيفية تدبيره او توفيره، فهذه الثورة ستنتصر بما تملك من ادوات وثوار،لتسطر انصع سطور التاريخ حيث ملتقى النيلين ، وللمرة الثالثة ،لتحتفظ بعدها وللابد بسبق تحقيق ثلاثية التغيير السلمى، فى مونديال ثورات الشعوب،من اكتوبر 1964 الى ابريل 1985 الى ديسمبر العظيم 2019 ،تحت هدير الهتاف الخالد للثورة ..سلمية سلمية ضد الحرامية ،والثورة خيار الشعب حرية سلام وعدالة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..