إبراهيم الميرغني.. مسطرة لقياس اللسان

حكومة الوفاق الوطني الجديدة، ضمت في طاقمها إبراهيم أحمد محمد عثمان الميرغني في منصب وزير دولة بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وهو من شباب الحزب الاتحادي الديمقراطي .
إبراهيم حفيد السيد محمد عثمان الميرغني الذي يهوى القنيص ويتباهى بنشر صور رحلات قنيصه في مواقع التواصل، محتفياً بصيده المضرج بالدماء واجه حملة إسفيرية عنيفة إبان تعيينه أول من أمس، حتى ظننا أنه لا وزير غيره في التشكيل الوزاري.. والحملة قد تكون دوافعها مبررة لكن منطق الانتقادات الموجهة له كان منطقاً مختلاً لحد كبير في تقديري، حيث إن منتقديه تجدهم إما أنهم مضوا في انتقاد هوايته في القنص وصيد الغزلان، باعتباره شاباً مترفاً يعيش في عالم أحلامه ولا يعرف شيئاً عن أوجاع الواقع وحال البلد، أو أنهم انتقدوا ضعف خبرته وصغر سنه .
وكل هذه ليست نقاطاً مقنعة لانتقاد إبراهيم الميرغني، فكونه وزيرا شابا في وزارة تعنى بالتكنولوجيا الحديثة ولغة العصر، فهذه فكرة جيدة .
وكذلك هواياته هي شأنه الخاص لا تعنينا كثيراً.. لكن هذا لا يعني أن اختيار إبراهيم الميرغني صحيح، فقد استطاع أن يرد على منتقديه بمقال أدبي (شاحم لاحم)، لأنه وجد فرصة جيدة للرد على انتقادات سطحية ضعيفة.. لكن لا مقاله يمكن أن يشير لكفاءته لتولي منصب وزير، ولا الميزة الأخرى في حالته كونه شاباً تعطي مؤشرات كافية لكفاءته لتولي هذا المنصب.
لأنه لو كتب معلقة ثامنة تضاف إلى معلقات امرئ القيس وطرفة بن العبد وزهير ولبيد ابن أبي ربيعة، فلن يستطيع أن يقنع أحداً بأن اختياره لمنصب وزير الدولة بوزارة الاتصالات كان لكفاءته وقدراته الفنية أو الإدارية، فكم من الشباب السوداني في عمر إبراهيم وأصغر منه داخل وخارج الحزب الاتحادي يمتلكون مؤهلات أعلى منه مليون مرة، لكن لا سبيل لهم للوصول إلى هذا المنصب، لأن معيار اختياره معروف كونه يمثل بيت المراغنة وحفيد السيد محمد عثمان الميرغني.. هذا أمر لا يتحمل الجدل ولا تسعف إبراهيم فصاحته ولباقته لنفيه.
هذا أمر محسوم أن إبراهيم القناص هذا لم يقتنص منصبه كما يقتنص الغزلان، ولم يقتنصه المنصب لأنه الألمعي الحاذق في جيله أو عبقري زمانه، بل لأنه بكل سهولة وبساطة هو خيار جده الميرغني الذي قبلت به القيادة الحاكمة لإنجاز مشروع المحاصصة السياسية فقط.. بنفس المعايير التي تم بها من قبل تعيين جعفر الصادق ولم يضف أو يفعل أو حتى يقل شيئاً.. والمعايير التي تم بها اختيار معظم وزراء ما وصفناها أمس بحكومة (الحواكير) .
لكن حتى نكون أكثر عدلاً، فإن فرصة النجاح ليست معدومة والحكم القاطع على تجربة هذا الشاب أو غيره لم يحن بعد، فأمامهم المساحة لإثبات جدارتهم برغم اختلال معايير وجودهم في الحكومة.
فقط على الميرغني الوزير ألاّ يتعامل بتلك الحساسية العالية مع النقد والتي كانت واضحة في مقاله الذي رد به على منتقديه، فهو سيواجه الانتقادات بشكل مستمر ويومي، طالما أنه ارتضى لنفسه القبول بموقع مسؤولية في العمل العام .
كما أن لسان الوزراء سيدي إبراهيم الميرغني ليس طويلاً لهذا الحد، في بلد مثل السودان وفي ظل واقع التحديات الكبيرة التي سيتواجه بها طالب النجاح وطالب (النجاة) أيضاً من الوزراء .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالي