الحوافز السايبة تعلم السرقة

الحوافز السايبة تعلِّم السرقة
في ثنايا تقريره للعام المالي 2013-2014م الخاص بولاية الخرطوم، كشف المراجع العام فيما كشف من تعديات ومخالفات مالية، كشف عن (هبر مصلَّح) للمال العام وقع تحت بند الحوافز، بعضها اعتبره غير شرعي وبعضها الآخر اعتبره غير صحيح، ويعيد هذا (الكشف) الأخير للأذهان؛ حكاية هذا الجرح النازف الذي يستنزف المال العام ولم يندمل بعد بل ظل مفتوحاً ومتقيحاً ومتعفناً، كما أنها ظلت وستظل ممارسة فاسدة تخرج لسانها كل حين ساخرة ومستهترة بكل أحاديث الطهارة والاستقامة والنزاهة ونظافة اليد، وصرف الحوافز والمكافآت أو بالأحرى هبرها بهذه الطريقة غير الشرعية لا يستنزف المال العام فحسب بل ويحتوشها عدم عدالة وخيار وفقوس حتى في توزيع هذا المال (المهبور والمهدور)، الأمر الذي يضعها في خانة التحديات العديدة التي تواجه الحكومة.
لا أحد يغالط في أهمية التحفيز مادياً كان أو معنوياً حفزاً للعاملين وحثاً لهم على الإجادة والتجويد في العمل عملاً بمبدأ الثواب والعقاب، أن يثاب من يحسن ويجيد ويعاقب من يهمل ويقصّر، ولكن من الغلط المفضي إلى الفساد أن يترك أمر الحوافز هكذا (سداح مداح) تصرف بعشوائية وانفلات وبلا ضوابط ناظمة ولا قواعد منظمة، وتمنح فقط بالمزاج للحاشية أو الشلة، وبالمناسبة يقال إن مصطلح (سداح مداح) هذا قد ابتدعه الكاتب المصري القدير أحمد بهاء الدين وقد أطلقه، رحمه الله، سخرية منه على الفوضى التي شهدها عصر الانفتاح الاقتصادي في مصر… لا بد للحوافز كي تكون عملاً إيجابياً تحقق الهدف منها لدفع العمل خطوات إلى الأمام وبث روح الحماس والإخلاص في العاملين للتنافس الشريف من أجل الاتقان والتجويد، ولا بد من وجود آلية ونظام محكم ودقيق وعادل يُحتكم إليه عند تنفيذ مبدأ التحفيز، وإلا ستكون وبالاً على العمل والعاملين إذا أحسوا بالظلم وعدم العدالة في توزيعها، ولعل ما حدث أخيراً في تقرير المراجع العام المشار اليه عاليه يقف دليلاً على ذلك، وليس بعيداً عن فوضى الحوافز والمكافآت وما يفوح منها من روائح فساد ومحاباة وعدم عدالة، هناك أيضاً احتكار بعض الكبار لعضوية وربما رئاسة عدد من مجالس إدارات اللجان والشركات والبنوك والهيئات والتي يحلبون منها مبالغ ضخمة كحوافز ومكافآت.