
د. أحمد عثمان عمر
كما هو متوقع تماماً ، جاءت مليونية الثامن من سبتمبر ٢٠٢٢م مؤكدة لرفض الشارع للتسوية واتفاقها الإطاري ، وعلى مطالبته بعدم التخلي عن المبادئ التي اوصى بها الشهداء ، والتشديد على القصاص وعدم التخلي عن شعار العدالة المؤسس للانتقال. وكما هو متوقع أيضاً ووجهت المسيرات بقمع مفرط وعنف شديد ، في تأكيد لطبيعة السلطة التي ليس لديها وسيلة أخرى لفرض تسويتها. ولكن (قحت) لديها بلاشك وسائل اخرى لفت عضد الثوار ليس من بينها استخدام العنف ضد موكب باشدار ولا مواكب ام درمان او حتى مسيرات مدني . والوسيلة الاولى هي محاولة قصف العقول عبر تكتيكات متعددة ، نذكر منها ما يلي :
أولا الزعم بأن ما قامت به هو مجرد اجتهاد في التكتيك للوصول إلى ما يطمح له الثوار لذلك يجب الإبتعاد عن تخوينها والبحث عن المشتركات لتحقيق الاهداف. والغرض من هذا الحديث المضلل ، هو محاولة إخفاء الفرز الواضح الذي حدث ، والذي لا يصح الحديث معه عن أي مشتركات . فالتيار الثوري يرى الا مشتركات مع العسكريين المجرمين يمكن البناء عليها من اجل الانتقال من دولتهم لدولة كل المواطنين . وهذا هو أصل الخلاف. لذلك لا توجد مشتركات بين من يرى إمكانية التسوية مع الانقلابيين ، وبين من يرى اسقاطهم ومحاسبتهم، بين من يرى ان الإنتقال من دولة التمكين يتم بالشراكة والتسوية مع ذراعها الضاربة ، وبين من يرى ان شرط الانتقال هو اسقاط هذه الذراع وقطعها ليس هناك مشتركات لأن بناء أي إستراتيجية يحتاج لتحديد العدو اولا . فإذا كان العدو بالنسبة لقوى التغيير الجذري هو الذراع الضارب للإنقاذ المتمثل في العصابة الحاكمة ، في حين ان هذه الذراع هو الشريك بالنسبة ل (قحت) ، ما هي الإستراتيجية التي يمكن الإتفاق عليها في هذه الحالة ؟ هل يمكن الإتفاق على إستراتيجية الإسقاط استنادا لرؤية قوى التغيير الجذري ، أم إستنادا إلى التسوية القائمة على الشراكة التي تصر عليها (قحت) ؟ .
بما انه ليس هناك اتفاق على تحديد العدو ، لا يوجد مشتركات تؤسس عليها إستراتيجية او مشروع سياسي موحد لقوى متباينة تباينا جذريا ، مشاريعها السياسية متعارضة تعارضا جوهريا.
ثانيا ينادي بعض المثقفين السودانيين بالانتظار لحين تعيين رئيس الوزراء والوزراء لمعرفة مدى مصداقية العسكريين ، وكأن الاتفاق الإطاري ليس فاضحا بذاته لطبيعة التسوية التي استمرت في تمكين العسكريين من اجهزة العنف وتجريد الحكومة المدنية المزعومة من حقها في احتكار استخدام العنف الذي يعتبر السمة الاساسية للسلطة ، وسمحت لهم بالافلات من العقاب. والافلات من العقاب يبدأ بعدم المحاسبة على الإنقلاب . فالإنقلاب جريمة تصل عقوبتها للاعدام وفقا للقانون الجنائي وقانون القوات المسلحة . لذلك لا داعي لاي إنتظار ، لان هذا الإتفاق واضح لكل ذي عينين ، وهو إطاري فقط لن يتم على اساسه أي تعيين . المفروض أن يتم بعده توقيع اتفاق تفصيلي.
وربما يتم القفز على الإتفاق التفصيلي لرفع الحرج ، وعمل دستور إستنادا إلى المشروع المنسوب للجنة تسيير نقابة المحامين ، الذي وافق عليه طرفا التسوية.
الخطوات الطبيعية هي ان يتبع الاتفاق الاطاري ، إتفاق تفصيلي ، ثم دستور على أساسه يتم التعيين ، ولكن الإتفاق التفصيلي قد يتم تجاوزه في الوضع الراهن لتسريع فرض سلطة امر واقع جديدة.
ولهذا المطالبة بالانتظار ، هي تحقيق للغرض المقصود من الإتفاق الإطاري مهما حسنت نية من يطالب ، لأنها تنقل المبادرة ليد اصحاب التسوية ، وتضع قوى الثورة في حالة انتظار وتعطلها وتحتويها.
الشارع يتنبه لمثل هذه المناورات التي مصيرها الفشل لا محالة ، فهو واع لوجوب إسقاط التسوية وشراكة الدم الجديدة في مهدها وقبل ان يشتد عودها ، وهو قادر وبأسه شديد.
وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!! .
يكفيكم عارا ان تكونوا صفا واحدا مع الكيزان والفلول فلافرق اليوم بين الخطيب ونافع ولا انت والفاتح عزالدين