المزيد من الأفكار حول الأستفادة من التجربة الكوبية

عبدالمنعم عثمان
دفعتنى الى المزيد من التفكير فى هذا الأمر ثلاث قضايا :
اولا : استمرار الغرب ، ممثلا فى الترويكا وبيانها بالأمس ، فى الدعم ال” بوقيقى ” كما يعبر اخواننا المصريون .
ثانيا : ماعبر عنه بعض الأخوة من تأييد فكرة الأنغلاق الأقتصادى على النمط الكوبى سياسة واضطرارا ، والذى ربما يضطر اليه السودان بسبب الكورونا .
ثالثا : دعوة الدول الخليجية الى انتهاز فرصة انغلاقها بسبب الكورونا ، بالأضافة الى الظروف السياسية والأقتصادية التى تمر بها كجزء من عالم الكورونا .
وللتفصيل :
قرات بالأمس الحديث المكرور عن تأييد الترويكا المكونة من امريكا والمملكة المتحدة والنرويج لحكومة الفترة الأنتقالية ، والمشروط بشكل خفى بالألتزام بشروط صندوق النقد الدولى . ويتضح الشرط المخفى من الدعوة الى برنامج اقتصادى ، قد يكون قاسيا فى البداية ولكنه دواء لابد منه . وهى اشارة واضحة لما ظل يصر عليه السيد وزير المالية من ضرورة ازالة الدعم ، عوضا عما بدأت تتخذه الحكومة الأنتقالية من اجراءات استرداد أموال الشعب من ناهبيها وضم المؤسسات الأنتاجية التابعة ،بغير وجه حق، للجهات العسكرية والأمنية ، وبدلا عن اقناع الزعيمة امريكا بشطب اسم السودان الحالى من قائمة الأرهاب التى ترتبط بنظام سابق ثار عليه سودان اليوم ، وهو أمر يعتبرونه ، وأشياعهم فى السودان ، مفتاح الحل لمشاكل السودان الأقتصادية ! ويبدو ، على الأقل ، من طرف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، أن الهدف من عدم الدعم الحقيقى ، هو اجبار الثوار وحكومتهم على قبول الهبوط الناعم خوفا من الفشل فى حل القضايا اليومية التى تؤرق الناس . والا فما معنى أن تأتى الولايات المتحدة كل يوم بشرط تعجيزى لأزالة اسم السودان من تلك اللآئحة ، التى يثبت مجرد قيام الثورة ضد من وضعوا السودان فيها ، انه لم يعد يتمتع بالصفات التى وضع بسببها اصلا ! والأعجب ان الشروط التعجيزية أصبحت تتركز فيما يستنزف المزيد من العملات الصعبة المستنزفة أصلا بوسائل الثورة المضادة . الا يدل كل هذا وغيره من عمل مشترك مع بعض أطراف خارجية وداخلية لأفشال الفترة الأنتقالية ، او على الاقل عدم السماح لها بتحقيق المرامى الحقيقية النهائية للثورة ؟!
وفى هذا الأطار ايضا ، السؤال : الا يكون من الأفضل عقد المؤتمر الأقتصادى ، ولو على طريقة التباعد ولبس الكمامات ، مثلما يحدث فى اجتماعات مجلس الوزراء واللجنة العليا لمتابعة أمر الكورونا . وكذلك بالاستفادة مما تتيحه تكنولوجيا الاتصالات من اشراك آخرين من داخل وخارج السودان . أقول قولى هذا لأنى أرى أهمية التعجيل بالمؤتمر من عدة نواحى :
– عند انعقاد المؤتمر فى أول يونيو ، كما تقرر ، تكون الميزانية المختلف عليها ، قد قطعت نصف مدتها الزمنية ، بل ونفذت فيها كثير من الأوجه المختلف عليها . فمثلا ، الاحظ هذه الأيام نشاط دعائى كبير للوزارة لأقناع عامة الناس بمزايا ازالة الدعم . وعندئذ ينطبق على توصيات المؤتمر المثل : ماذا يضير الشاة بعد ذبحها !
– ثانيا ،يكون عند التعجيل بالأنقاد من الممكن اصلاح مايمكن اصلاحه فى الميزانية .
– ثالثا ، وهذا هو الأهم فى أعتقادى ، وضع من تعتمد عليهم الميزانية فى توفير أكثر من نصف عائداتها ، وضعهم أمام الأمر الواقع :سيكون وضع الخطة أحد أهداف المؤتمر الأساسية وبالطبع سيتضح فيها السياسات التى قد تتوافق أو لاتتوافق مع راى ومزاج المانحين ، وبالتالى تسقط حجة الخطة التى يعتمد عليها تقديم العون الأمريكى\ الأوروبى !
ثم نأتى الى قضية بعض الدول الخليجية التى لاتزال تستخدم القطارة فى مساعدة السودان برغم ان مايصلها بالفعل من خيراته أكثر مماتقدمه من قطرات !
وفى هذا أقول : اننا لانطلب منحا أوأحسانا ، وانما تبادل للمصالح ، وأظن ان ماسنقدمه للطرف الآخر لن يقل أن لم يتفوق على ما سيقدمون ، وذلك بناء على الحقائق التالية :
– باعتراف منظمة الفاو ، فان السودان من ضمن ، ان لم يكن على راس ثلاث دول ، هى الأجدر بتقديم الغذاء للعالم . هذا الحديث ظل يتردد قبل الكورونا وما ستسببه من انقطاع للتواصل ألاستثمارى والتجارى بين محتلف دول العالم . وقد انتبهت الدول العربية لهذا الأمر فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى ، فأنشات الهيئة العربية للتنمية والأستثمار الزراعي بالخرطوم ووضعت لها خطة طموحة تستغرق من الزمن ثمانية عشر عاما وتصرف من المال نفس الرقم ، على ما اذكر، من مليارات الدولارات . على ان تنتهى بالأكتفاء الذاتى من الغذاء للسودان وتصدير أغلب أحتياجات الدول العربية منه . غير أن سوء الآدارة المرتبط الى حد كبير بالمصالح الشخصية ، قد حال دون نجاح التجربة . وبما أن المؤسسة لاتزال قائمة بقلب الخرطوم ، التى تغيرت فيها الأمور بما يقرب الأمل فى ادارة أفضل ، فاننى أرى ان الأمر لايزال قابلا للانفاذ ، على أن تبقى الهيئة هى الآلية المناسبة للتعاون ، دون العلاقات الثنائية ، التى غالبا ماترتبط بشروط ما كما يحدث الآن ! وبمناسة الشروط أحب أن اؤكد لكل دول العالم انه قد مضى مع ثورة ديسمبر أية امكانية للأملاء على الشعب السودانى مالايريد من أطراف داخلية او خارجية ، وبالتالى فان الاتفاق الآن لايحدث الا على أساس المصالح المشتركة والمتبادلة : استثمار مقابل توفير أفضل ما تحتاجه بلداننا من الغذاء ومع هذا ايضا الوقوف المشترك ضد مؤمرات الاستعماربجميع اشكالها والوانها !
ولعل مايحدث ألان للدول الغربية وفى مقدمتها امريكا ومايحدث فى مابين الدول العربية وفى مابينها والغرب مايقرب الشقة مع أفكار الأستثمار فى السودان لمصلحة الطرفين :
– أمريكا تمر بأسوأ احوالها الأقتصادية ، وما تنمرها على الصين وأوروبا وقبلهما على الدول العربية الخليجية بصورة فجة الا تعبير عن هذا السوء . لقد وصل بها الأمر حد التآمر لقتل الآف كبار السن تفاديا لأثرهم السلبى على الأقتصاد الذى دخل معركة البقاء فى القمة ومعه الآف أخرى من شعوب العالم التى لاناقة لها ولاجمل فى تلك المنافسة.( للمزيد راجع مقالاتى حول دنو أجل الدولار والرأسمالية الأمريكية ). وربما يكون من الأفضل مراجعة كتابات اقتصاديين من داخل المنظومة الرأسمالية الأمريكية من أمثال جيم ريكاردز وغيره من الذين بدأوا بالفعل نعيها بدولارها . ومع ذلك فلا زال الخليج يعتمد على العلاقة معها فى سلاحه وغذائه وسياساته بشكل عام . والأهم من ذلك ان فلوسه تساهم فى دعم الدولار والشركات واسرائيل ، بل وتفقد جزء كبيرا من قيمتها بسبب الأزمات المتلاحقة ، بينما لو استغل جزء ضئيل منها فى الأستثمار الزراعى لكفى العالم العربى شر تسول الغذاء وفاحش اقوال ترامب .
– والدول الأوروبية قد أكملت لها كورونا مابدأته انجلترا من أسباب الفراق ،وبالتالى اصبح الأتحاد الأوروبى فى مهب الريح . وهو بهذا لن يستطيع تقديم العون لأحد اذ لم يستطع ذلك لجيرانه !
– والحال فى الدول الخليجية نفسها ليس بافضل : الاسهم تنهار بالبورصات خصوصا بالنسبة لشركات العقار فالسكان من عمال آسيا يهربون الى بلدانهم بسبب الكورونا والسياح لايأتون لرؤية أعلى ابراج العالم والنافورة الراقصة . وبرغم الأخبار القائلة بأن التحويلات المصرفية قد اصبحت خارج نطاق العقوبات ألأمريكية ، الا أن تحويلات السودانيين بالخليج للمساهمة فى “قومة السودان ” لاتزال متعثرة !
وفى الحقيقة فان التعامل مع الأفكار والمشروعات لاعلى اساس قيمتها الذاتية وانما على اساس قيمة من يقدمها كانت دائما فيصلا فى قبولها أو رفضها فى غالب الدوللعربية . وبتجربتى الذاتيه تقدمت بعدد من افكار المشروعات المؤسسة على فكرة تنويع الأقتصاد الا انه لم يتم قبولها بينما قبلت أفكار خادعة تقدم بها بعض أصحاب العيون الخضراء أو مدعى الثروة من الاسيويين .
وختاما ، هل يأتى اخوتنا فى الخليج لنضع ايدينا فى ايديهم لنصبح جزء من سلة غذاء عالم مابعد الكورونا ، أم يتركونا لتطبيق الوصفة الكوبية التى نجحت فى الاعتماد على الذات تماما حتى بعد غياب الأتحاد السوفيتى والمعسكر الأشتراكى ؟!