مقالات ثقافية

أغمروني بحضوركم الباهر من جديد!ا

رقية وراق

أي حزن تبعثه فيً مقدمات الشتاء القادمة من محطات الذكري و الحنين.. حتى شتاء بلادي (الطيب) القصير كان يأسرني ويدفعني للإنطواء على حزن يعرفه كل أصدقائي و لا أعرف له أصلاُ أو تاريخاً.
أما شتاء الغربة الطويل فإنه يحزنني و يخيفني في آن واحد و يشعرني أن كل أجهزة الحضارة للتدفئة لا تكفي لخلعه عن أرجاء الروح. يذكرني شتاء الغربة الطويل كم أنني بعيدة عن الوطن.. الوطن.. ووطني الذي أعنيه وسيع و دفيء كأرحام الأمهات.. يقُبلنُا و يطبع ملامحه علي وجوهنا و علي الهامش كثيرا ما ترسمنا بلاد الآخرين، يذكرني الشتاء بأصدقائي الذين جمعتهم الصداقة و وزعتهم مطارات العالم و في وجوه بعضهم أوصدت أبوابها و البعض ما طرقها أصلاً مقرراً عدم مفارقة الديار و حرس العقاب نيابة عن الآخرين، و لكن وحدُتنا جميعاُ صفة الغياب .. نلتقط أخبار بعضنا البعض صدفة أو عمداً.. تنقبض قلوبنا للمحزن منها و نهرع إلي الهواتف و البريد لمن نعرف عنوانه منا، و لكن لا أسلاك التلفونات و لا طوابع البريد تقوي علي تقديم العزاء المطلوب.

جامعة القاهرة (الفرع) كانت بؤرة صداقاتي.. أتذكررفاق المعرفة و ضيوفنا الدائمين من الشعراء و الفناين و غيرهم من الذين أحبوا (الفرع) و أخلصوا لها بدون أن تربطهم بها رابطة أكاديمية.. ليالي الشعر، جمعيات الموسيقي و المسرح ، أكواب الشاي التي نتناولها وقوفاً و أحيانا جلوساً علي الأرض، أسابيع الإنتخابات (اللعينة) و المثيرة للأعصاب و الإحتمالات.. قصص الحب الندية الممعنة في إنسانيتها.. يتابعها بقية الأصدقاء بحرص و أعتزاز و يتبادلون المفرح من تفاصيلها.. ربما أعلنا خطوبتهما في رأس السنة القادم ، وافق والد الصديقة .. نلتقي الخميس القادم في عرس الأصدقاء.. الحزن الذي يغمر الجميع عند فشل إحدي تلك العلاقات و كأنه فشل للجميع ، مشاعر حقيقية ملؤها النبل و الوفاء، ما صادفتها كثيراً فيمن قابلت فيما بعد في مجتمعات الغربة و كأنها كانت الزاد و المخزون لشتاء الفراق الوشيك.

بقية الأصدقاء من مثقفي الخرطوم خارج نطاق الفرع (تحلو لي تسميتها هكذا) .. و في الحقيقة هل يمكن أن يكون إسمها غير ذلك؟!! ينشرون حضورهم المفرح في كلية الفنون الجميلة، إتحاد الكتاب ، معارض الكتب.. و كل أشكال المناشط الثقافية الأخري.. نحن في كل هذا ، و أيضا في قلب مظاهرات الغضب الشجاع في شوارع الخرطوم في مسيرات السلام و في مهرجانات الفرح العام في أجواء إنتفاضة 86 (يا إلهي أين كل هذا الزخم .. أين كل هؤلاء الأصدقاء الرائعين؟؟)

وجوه مغبرة و مرهقة و ضاحكة، ما أن تطل إحدانا أو أحدنا حتي تستقبلها أو تستقبله موجة ترحيب قد تبدأ بالتعليق المازح علي القميص أو الحذاء الجديد ، والجديديسهل التعرف عليه و سط ملابسنا المحفوظة لدي بعضنا البعض ربما لقلتها و ربما لكثرة ما كنا نلتقي. أتذكر طريقة التعبير اللغوي الواحدة التي ما كان أسهل تصنيف متحدثيها.. تصنيف يتدرج شره من الإمتعاض العابر إلي الوقوع في شراك الأمن المايوي في ذلك الوقت.. و لا زلت أذكر القصة التي كنا نتبادلها عن الصديق الذي بادره رجال الأمن (إنت من ناس الحتة دي؟) ليتحول الأمر بعد ذلك إلي نكتة من نوع نكات شر البلية.

أما أنتم يا أهل الكتابة من أصدقائي فلتغمركم محيتي أينما كنتم .. مباركة أحلامكم و مبارك جنون الإبداع الجميل فيكم .. إفتقدكم و أفتقد الحماس للكتابة الذي يثيره أكثر فرحكم الغامر بعمل جديد.. ملاحظاتكم الناقدة و جديتكم في دفع قضايا الثقافة و الإبداع في سوداننا العزيز.

أفكر في تطريز أسمائكم جميعا- يا أصدقائي في قصيدة لا تنتهي و لا أستطيع، و أود أن أطلعكم علي الجديد من ? و ? أسمعوا : لدي ألف شيء أريد أن أقوله لكم .. أرجوكم أغمروني بحضوركم الباهر من جديد!”

[email protected]

تعليق واحد

  1. اليك يا استاذة رقية احدى القصائد التى كتبها لك احد زملائك وهو الاستاذ خالد عبدالله ، وقد اعجبتي جدا هذه القصيدة:
    خالد نيجي

    ( قصيدة )
    إلي رقية وراق**

    يُستفاد من الرحيل مدائناً أخرى
    وذاكرةً يُحاصرها الزحام
    ويُستفاد من الندى أرجوحة الألق المقيم
    يراعة الماءِ التي حطت
    ومتسعاً لبلور الغمام
    ومن "رقية" يستفاد رحيقها الوطني
    أيديها..
    مظاهرة العصافير التي مابين عينها
    تمهد للكلام

    ولا أحدث لا أحدث لا أحدث
    ربما ينتابني وتر الجنون فيهرب الشعراء
    أو فجأةً
    تجتاح أوردة الغناء قصيدة الحمى
    فينفلت الزمام
    لذلك استجيب لرغبة الأنهار في جسدي
    واختصر الرياح بزهرة أولى
    لأسطع في المقام
    فمن "رقية" ما يضيف إلى الحدائق نكهة سرية
    ما يجعل القمر المثابر- دائماً- يسهو قليلاً
    حين تشرع ساعديها آخر اليوم
    تفك قلادة التعب اللذيذ
    وتنفض الصحو ? كعادتها ?
    لتدخل كي تنام
    وقد تضاعف سحرها حيناً
    ومن تلك المساءات المليئة ? تنتقي وقتاً
    وتنثره مواعيداً ملونة
    وتذهب كي تعالج بسمةً لتصير سنبلةً
    وللدفء المجاهر باختلاس الدفء في واهٍ : مخدتها
    وللنبض المخالج لاندياح النبض
    أرصفة المساء
    وفي " رقية " ما يؤولها:
    رحيقاً ضارباً في الصحو
    أو وجعاً
    حريقاً آخر غير الذي اشتعل
    غزالاً شارداً في الزهو
    أو سحباً
    تهاجر في فضاء الروح
    أو فوضى بغصن الانتظام
    ومنها ما يعيد اللون للغابات
    يشبهها تماما في التزام الموج
    ما يجري فحيحاً في حرير الصمت
    وهي تعانق العمل المرتب/ تقرأ " الميدان"***
    في صمت النبات وتمنح الأيام
    منطلقاً يؤسس للمهام
    وقد تقطب حاجبيها ( ليس ذلك في إطار شرودها اليومي )
    وقد تبكي لان حنينها يحكي
    وقد تحكي لان مروجها تبكي
    وفي حلم تطاردها غزالات لها ركضت
    وفي عشقٍ تراودها فراشات لها انتبهت
    وما فتأت
    تهاجس ارجوانة عشقها الكلي
    مابرحت تداخل لونها المنسي في طرقاتها
    أو موتها السري في" مارسيل"
    تخفي دائماً أشجانها وقتاً
    لتفضحها مرايا وجهها القروي
    للغيم
    ولليوم
    وأسراب الحمام

    ولا أحدث لا أحدث لا أحدث
    عن فضاء لا يداخل حلمها
    وعن السؤالات التي تأوي لذاكرة النخيل
    لتشتري بوحاً يشاكس بوحها
    أو شهقة للقلب حين تطل
    أو وعداً شهياً شاغراً
    لتبادل الذكرى
    وأحلام الغمام
    ومنها ما يعادل شارعاً…. أطفال
    بالونات من انقي حليب الالفة الأولى
    تلذ سها أصابع لونها المطري
    بالوطن ا لملئ
    بان يجى وأن يجى
    فراشة للحلم
    والزمن ـ الأمام .
    حاشية :
    " رقية " مهرجان السم .
    آلهة السلاسة إلى العناق البكر.
    أكتبها تفر من الصدى والحرف .
    أشهدها فاغرق في رعاف النزف .
    هل من صوت
    هل من موت
    يدخلني / لأدخلها
    تماما في حدود الوصف.

    الخرطرم 1988
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    *خالد نيجي / شاعر سوداني (خالد عبد الله )
    ** رقية وراق/ شاعرة سودانية مقيمة في كندا
    *** الميدان / صحيفة الحزب الشيوعي السوداني

  2. "قصص الحب الندية الممعنة في إنسانيتها.. يتابعها بقية الأصدقاء بحرص و أعتزاز و يتبادلون المفرح من تفاصيلها."

    تعالي شوفيها وبن وصلت اليوم .

  3. يا سلام يا رائعة – العزيزة -رقية وراق -تحياتي لك – المدة طالت طبعا انا زميلكم – ربما لم تتذكري -اتمني ان التقي بكل الدفعة – اكرر تحياتي لك
    آمل التواصل-

    عوض الله محمد أحمد داؤد

  4. مازالت جالية ( سان كاثرين ) تستلم الأموال من السفارة !
    قبل أيام وصلتهم 6000$ ( ستة ألف دولار ) ! ال100000 $ ( المائة ألف دولار ) من قبل التى عندما إستلموها من السفارة بقى منها 38000$ !
    بعد ذهاب ( هؤلاء ) .. سيكون ضؤ القمر أكثر بهاء 1
    أى فرح الآن بطعم ( الحزن ) !
    لافرق لدينا الآن بين الشتاء والصيف !
    لانحس بتواتر الفصول !
    كيف فات عليك ذلك !

  5. سؤال لمن علق باسم سوداني طافش أو سودانية طافشة
    ما دخل الأستاذة رقية بجالية ( سان كاثرين ) حد تعبيرك ؟
    ما التحية للأستاذة رقية على المقال الرائع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..