تغير المناخ والتلوث البيئي وتأثيره على سلامة الأطفال

كوكب الأرض لم يعد آمناً للجميع ولاسيما للأطفال الذين هم أكثر هشاشة لتحمل تبعات التغير المناخي وتلوث البيئة المدمرة حيث تلعب الأنشطة البشرية مثل التصنيع وإزالة الغابات واستخدام الوقود الأحفوري وغيرها أدوراً كبيرة في تدمير الكوكب حيث يؤدي ذلك إلى رفع مستويات الغازات الدفيئة؛ وبالتالي إرتفاع درجات حرارة الأرض.
ووفقاً لبحث أجرته اليونيسف مؤخراً يواجه 559 مليون طفل حالياً تواتراً مرتفعاً لموجات الحر وثمة 624 مليون طفل إضافيين يتعرضون لواحد من مقاييس الحرارة المرتفعة الثلاث الأخرى طول مدة موجات الحر، أو الشدة العالية لموجات الحر أو درجات الحرارة المرتفعة بشدة.
ففي السنة الماضية 2022 تجاوزت فيها موجات الحر في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي الأرقام القياسية لذلك لابد من حماية الأطفال من التأثيرات المتصاعدة لموجات الحر، كما يكشف التقرير أنه حتى ولو حقق العالم مستويات منخفضة من الإحترار العالمي، فإن وقوع موجات حر منتظمة بات أمراً لا يمكن تجنبه للأطفال في كل مكان ويقدِّر التقرير أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن يتعرض جميع أطفال العالم تقريباً الذين سيبلغ عددهم 2.02 بليون طفل لتواتر مرتفع لموجات الحر. ووفقا للتقرير فإن السودان من بين البلدان التي يُتوقع أن تظل ضمن هذه الفئة الأعلى لدرجات الحرارة بجانب كل من بوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، والنيجر، والعراق، والمملكة العربية السعودية، والهند، وباكستان.
تؤكد نتائج تقرير اليونسيف على الحاجة الملحة لتكييف الخدمات التي يعتمد عليها الأطفال إذ تتوالى تأثيرات الاحترار العالمي التي لا يمكن تجنبها، كما تشكّل هذه النتائج حجة بشأن الحاجة إلى مواصلة إجراءات الحد من تأثيرات تغير المناخ لمنع التأثيرات الأسوأ للمقاييس الأخرى لارتفاع درجات الحرارة، بما في ذلك موجات الحر الأطول مدة والأكثر شدة ودرجات الحرارة المرتفعة بشدة.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، السيدة كاثرين راسل، “إن درجات الحرارة آخذة في الازدياد وكذلك تأثيراتها على الأطفال ويعيش 1 من كل 3 أطفال في العالم حالياً في بلدان تواجه درجات حرارة مرتفعة بشدة، كما يتعرض زهاء 1 من كل 4 أطفال لتواتر مرتفع لموجات الحر، وسيزداد الأمر سوءاً، وسيتأثر المزيد من الأطفال بموجات حر أطول مدة وأعلى حرارة وأكثر تواتراً على امتداد السنوات الثلاثين المقبلة، مما يهدد صحتهم وعافيتهم، أما مدى الضرر الناشئ عن هذه التغييرات فسيعتمد على الإجراءات التي نتخذها الآن، وكحدٍ أدنى، يجب على الحكومات أن تعمل بسرعة على تقييد الاحترار العالمي كي لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية وأن تُضاعف التمويل المخصص للتكيف بحلول عام 2025 وهذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ أرواح الأطفال ومستقبلهم ومستقبل الكوكب”.
وأضافت “إن موجات الحر تضر بالصفة خاصة بالأطفال، إذ أن قدرتهم أقل على تنظيم حرارة الجسم مقارنة بالراشدين وكلما زاد عدد موجات الحر التي يتعرض لها الأطفال كلما زادت احتمالية معاناتهم من مشاكل صحية، بما في ذلك اعتلالات مزمنة في الجهاز التنفسي، والربو، وأمراض الأوعية الدموية والقلب وكلما زاد تواتر موجات الحر التي يتعرض لها الأطفال وطول مدتها وشدتها، كلما زادت تأثيراتها على الصحة والسلامة والتغذية والتعليم وسبل العيش المستقبلية وإمكانية الحصول على المياه ويواجه الرضّع والأطفال الصغار الخطر الأكبر بالوفاة بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
ووجه تقرير اليونيسف الحكومات إلى حماية الأطفال من الدمار المناخي من خلال تكييف الخدمات الاجتماعية و يجب على كل بلد تكييف الخدمات الاجتماعية الحيوية، المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، الصحة، التعليم، التغذية، الحماية الاجتماعية، وحماية الطفل خاصة اليافعين منهم، فعلى سبيل المثال يجب تعزيز أنظمة الغذاء لتتحمل الأخطار ولضمان إمكانية الحصول على أنظمة غذائية صحية مستمرة يجب زيادة الاستثمارات في الوقاية المبكرة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال والأمهات والفئات السكانية المستضعفة وإعداد الأطفال للعيش في عالم يتغير مناخه، يجب على كل بلد تثقيف الأطفال واليافعين بشأن تغير المناخ والحد من أخطار الكوارث وتزويدهم بتدريبات على المهارات الخضراء وفرص للمشاركة الجادة في وضع السياسات المعنية بالمناخ والتأثير عليها وتعزيز تركيز البلدان على التثقيف المناخي للأطفال وفي مجال خطة العمل من أجل التمكين المناخي، وتبنيها، وتنفيذ الالتزامات السابقة لبناء قدرات الشباب.
ودعا التقرير لمنع حدوث كارثة مناخية وذلك من خلال تحقيق تقليص كبير في انبعاثات غازات الدفيئة والحفاظ على خيار ارتفاع معدل درجات الحرارة بمقدار لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية خياراً قابلاً للتحقيق، حيث من المتوقع أن تزداد الإنبعاثات بمقدار 14 بالمئة في هذا العقد، مما يضعنا على مسار كارثة احترار عالمي؛ لذا يجب على جميع الحكومات أن تعيد النظر في خططها وسياساتها الوطنية لمواجهة تغير المناخ بغية زيادة الطموح والعمل، وعليها تخفيض الإنبعاثات بمقدار 45 بالمئة على الأقل بحلول عام 2030 لتقييد إرتفاع معدل درجات الحرارة بما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية.
السودان ليس بعيداً عن مشاكل التغير المناخي وأثرها على الأطفال إذ يعد السودان حسب دراسة عالمية من الدول عالية الخطورة وفق مؤشر مخاطر المناخ على الأطفال.
وقال دكتور عبد القادر عبد الله أبوه الأمين العام للمجلس القومى لرعاية الطفولة، أن التغير المناخي والتلوث البيئي لهما تأثير كبير جداً على الأطفال ويؤديان لمشاكل منها تقزم الأطفال نتيجة نقص الغذاء بسبب الجفاف وقلة إنتاج المحاصيل، مضيفاً إن تغير المناخ والتلوث البيئي أصبح واقعاً جلياً في جميع ولايات السودان والذي بدوره انعكس على الأطفال من مشاكل صحية وعدم استقرار التعليم، مؤكداً أن كل المدارس الطرفية في السودان تأثرت في الأعوام الماضية من التغير الكبير الذي يشهده المناخ من سيول وفيضانات تسببت في أمراض وأوبئة وفيضانات وهدم للمدارس وبالتالي تشردهم.
د.ياسر سليم الخبير الحقوقي في مجال الطفولة يقول إن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل تؤكد أن تغير المناخ يعد أكبر التهديدات لصحة الأطفال، فضلاً عن تأثيره السلبي على جملة أمور منها الحق في التعليم(المادة 28) والسكن اللائق المادة (27) ومياه الشرب الآمنة والصرف الصحي (المادة 24) وهذا يعد تهديداً للعديد من الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل لاسيما الحق في الحياة والبقاء والنماء(المادة6).
70% من سكان السودان يعيشون في المناطق التي تعتمد على الموارد الطبيعية حسب الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة د. بشرى حامد أحمد وتتأثر الموارد الطبيعية بالتغير المناخي مما يعد كارثة بكل المقاييس على الجوانب الإجتماعية والإقتصادية والصحية على جميع البشر وعلى الأطفال وبصفة خاصة الفئة الأكثر هشاشة؛ إذ يزداد معدلات الفقر وسوء التغذية والنزوح والتشرد وترك التعليم وازدياد عمالة الأطفال؛ لذلك لابد لنا من حلول عاجلة لإنقاذ كوكبنا تتمثل في نشر الوعي بخطورة تغير المناخ وتغيير السلوك البشري تجاه الكوكب والاستمرار في الضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره ولتقليل انبعاثات الكربون والتحول للطاقات النظيفة المتجددة والاستثمار فيها والاهتمام بزراعة الغابات وعدم إزالتها.
كوكبنا يستغيث والأمر يزداد خطورة خصوصاً مع سباق التسلح النووي وآثاره المدمرة على الإنسان والبيئة، عدة اتفاقيات أُبرمت لحماية البيئة دون تنفيذ نحن الآن على المحك علينا التحرك بسرعة قبل فوات الأوان.
سونا