البترول.. مسمار جحا بين شمال السودان وجنوبه

تحليل محمد عبد الحميد عبد الرحمن-
إذاعة هولندا العالمية

تمكنت حكومة جنوب السودان من تصدير أول شحنة من النفط تبلغ مليون برميل لصالحها مباشرة عبر ميناء بشائر على البحر الأحمر في شمال السودان وقالت مصادر حكومية في جوبا أن شحنة أخرى تبلغ 600 ألف برميل سيتم تصديرها الأسبوع القادم.

تأتي هذه الخطوة التي أشاعت قدرا من الارتياح في جوبا في وقت يتصاعد فيه التوتر بين الدولتين والعنف اللفظي لأسباب عديدة ربما يكون أهمها النفط نفسه.

شحنة النفط الجنوبية بيعت لشركة النفط الحكومية الصينية الكبرى التي تحتكر تقريبا استخراج وشراء النفط السوداني منذ بدء تصديره عام 1998.

► خسائر للشمال وأرباح للجنوب
بانفصال جنوب السودان وتأسيسه لدولة مستقلة في التاسع من يوليو الجاري آل إليها حوالى 73% من إجمالي النفط الذي ينتج في السودان والبالغ قدره 500 ألف برميل يوميا، وخسرت حكومة الخرطوم حوالي 37% من إجمالي مواردها المالية مما يترك عجزا فادحا وسيضطر الحكومة في الخرطوم لاتخاذ إجراءات قاسية تتضمن خليطا من خفض الإنفاق وزيادة الرسوم على السلع المنتجة محليا والمستوردة الأمر الذي سيؤدى حتما لرفع معدلات التضخم وخفض القيمة التبادلية للعملة السودانية وغيرها من الآثار الجانبية السلبية.

أما حكومة جمهورية جنوب السودان فلا يعرف لها مورد مالي آخر غير النفط عدا مداخيل طفيفة جدا تحصل من رسوم الجمارك على السلع المستورة لا تتجاوز 2% من إجمالي موازنة حكومتها.

► النفظ في لعبة الضغوط
بالرغم من أن البترول يشكل عصب حياة الحكومتين إلا أن أياً منهما لم يتورع عن استخدام إنتاج وتصدير النفط في لعبة الضغوط وعض الأصابع المستمرة بين الطرفين منذ أكثر من ستة سنوات. قبل أيام قليلة من استقلال الجنوب هدد الرئيس البشير من الخرطوم بإغلاق أنبوب النفط إذا لم يتم التوصل لاتفاق مرض حول موارده. وبعد استقلال الجنوب ببضع أيام هدد الرئيس سيلفا كير من جوبا بأن الجنوب قادر على الاستمرار لثلاثة سنوات أخرى بدون نفط وهي الفترة الكافية لمدد خط أنابيب جديد
بعيدا عن جنوب السودان حسب تقديره.

من الواضح أن أيا من الطرفين لا يمكنه تحمل نتائج وقف إنتاج البترول لأن ذلك لا يعني أهوالا اقتصادية لا قبل لشعبى البلدين بها فحسب بل يشكل تهديدا جديا لبقائهما في السلطة، لذلك اتفقا على ضرورة استمرار ضخ النفط حتى دون التوصل.

لا يمكن لحكومة الخرطوم ببساطة أن تخسر 37% من مواردها مرة واحدة وتبقى في السلطة، ولا يمكن لحكومة الجنوب أن تصبر بلا موارد لثلاثة سنوات حتى مد خط أنابيب جديد عبر كينيا أو جيبوتي ناهيك عن الشكوك العميقة حول كلفة عبور النفط لمنطقة الأخدود الإفريقي العظيم والمخاطر الأمنية المحيطة بالمشروع.

► عملة جديدة
لكن الإجراءات الأحادية الجانب التي يتخذها طرف تحسبا لخطوات قد يتخذها الأخر يزرع المزيد من الألغام بينهما ويفاقم أجواء الافتقار للثقة التي أدت للانفصال أصلا. فقد بادر الطرفان بإصدار عملة جديدة دون علم الآخر بالأمر أو التنسيق معه الذي سيضاعف مشكلات الطرفين الاقتصادية. وفيما بدأت المفاوضات الأولي حول تأجير أنابيب النفط وضعت حكومة الخرطوم سقفا عاليا بالمطالبة 32 دولارا أمريكيا مقابل تصدير كل برميل من النفط مما يعني حصول الخرطوم على ما يقارب نصيبه السابق من الإيرادات قبل انفصال الجنوب ولا يرجح أن يقبل به الجنوبيون.

حكومة جنوب السودان عرضت من جانبها نصيبا يترواح بين عشرين وثلاثين في المئة من إنتاج الجنوب من النفط لمدة ثلاثة سنوات حتى يتمكن الشمال من سد العجز بموارده الخاصة وتخفيضا يتراوح بين خمسة وعشرة في المئة في أسعار النفط الخام المكرر في مصفاة الجيلي قرب الخرطوم وسط السودان. لكن الرئيس سيلفاكير شدد على انه ليس هنالك دولة ذات سيادة تتقاسم مواردها مع دولة أخرى للأبد.

► وساطة افريقية
من المنتظر أن تبدأ المفاوضات بشان البترول بوساطة افريقية في أديس أبابا الأسبوع القادم. لا شك أن النفط هو أهم قضية خلافية معلقة بين الطرفين لكن الطرفان يستطيعان أن يصبرا على بضع شهور من المفاوضات ما دامت الترتيبات الحالية سارية ويتدفق قدر معقول من النقد لخزينتي الطرفين.

غير أن النفط ليس هو الآمر الخلافي الوحيد المعلق بين الطرفين فهنالك قضايا الحدود بين البلدين والجنسية لمواطني البلدين والمناطق المتنازع عليها وقبلها جميعا النزاع الدموي الذي نشب مؤخرا في منطقة جبال النوبة الجنوب الجديد لدولة شمال السودان. وحتى تتمكن الحكومتان من النظر إلى كل المشاكل العالقة كحزمة واحدة والتفاوض عليها وحلها جميعا بتقديم التنازلات المؤلمة الضرورية لبعضهما البعض يمكن أن تهدر أرواح وموارد عزيزة يحتاجها البلدان كثيرا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..