سياسة التوصيات الحزبية.. وتأثيرها على مؤسسات الدولة

✍ لقد صارت التوصيات الحزبية في عهد حكومة المؤتمر الوطني هي السبب الرئيسي في الفساد المؤسسي الذي يعم معظم مؤسسات الدولة، فقد صار تعيين مدراء المؤسسات فقط عبر التوصيات الحزبية البغيضة، وتزكيات لوبيات الحزب الواحد، في تعدٍ واضح علي الحقوق الإنسانية التي كفلتها معظم القوانين المحلية والدولية للإنسانية جمعاء.
✍ ووصل الأمر زروة فساده، بأن عمّ حتى المؤسسات التعليمية ذات الخصوصية المنهجية العلمية، فصار تعيين عمداء الكليات مبنياً علي توصيات الحزب الحاكم، وما دفعني لكتابة هذا المقال أن هلل أحد العمداء وكبّر وأشاد وأثني بتعيينات جديدة أصدرها مديره، دون أي وازع أخلاقي وعلمي له، وأنى له ذلك وقد تم تعيينه من قبل أستاذا بالجامعة وهو يحمل درجة البكالاريوس بتقدير مقبول، ولم يكتف من عينه بذلك، بل نصبه عميدا للكلية، لهذا أجد له العذر في تهليله واشادته بهذا الفساد العلمي المتعمد من هذه الحكومة، التي سمحت للتوصيات الحزبية بأن تكون الناهية والآمرة حتى بالمنارات العلمية، كالجامعات السودانية.
✍ كيف يعقل أن يتم اسناد عمادة كلية لمن يحمل درجة الماجستير أو درجة الدكتوراة حديثا، والتي تحصل عليها بسرعة تكاد تفوق سرعة (بكري المدينة)، فيهجم بها محتلّا المناصب الادارية ناهباً مخصصاتها المالية دون وجه حق، ومن يفوقه علماً وأرفع منه شهادات علمية وأكثر منه خبرة مازال (مشمعاّ) بالمواصلات، أو على صهوة (موتر) يصارع المستحيل من أجل الوصول لطلابه وتقديم ما يُشبع نهمهم العلمي.
✍ حقيقة يشترك في الجريمة اللاأخلاقية ولا إنسانية، كل من ساهم في وصول شخص ما لوظيفة هو غير جديرٍ بها وغير أهلٍ لها، ممن قاموا بتزكيته حزبياً ومن قام باصدار أمر تعيينه، والشخص نفسه جنى على نفسه بقبوله ما ليس من حقه، وما ليس له، حارما بذلك الجديرين بهذا المنصب، من كافحوا ونضالوا علمياً وسهروا الليالي للحصول على أرفع الشهادات العلمية، ليأتي هذا (اللص) ويسرق فرصهم الإنسانية الحقّة في الحصول على هذه الوظيفة.
✍ قال النبي صلى الله عليه وسلم:*إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته. والحديث صححه*الألباني، فإن السعي وراء الحصول على المناصب العليا، لنيل امتيازاتها والمبالغ المالية الضخمة المترتبة عليها بهذه الطرق الخبيثة المبنية علي الحزبية والمصالح المشتركة أمر لا يقبله شرع ولا يرضاه دين.
✍ إن السوء الاداري الذي أصبح السمة المميزة لمعظم مؤسسات الدولة، سببه الرئيسي اسناد الأمر لغير أهله، وخاصة مع افتقار الأحزاب السياسية للكوادر المؤهلة علمياً ومتخصصه إدارياً وعلي درجة عاليه من الفقه الاداري المؤسسي والفقه القانوني، مما جعل هذه الأحزاب تلجأ لسياسة (التمكين) لأفرادها مهما كانت معطياتهم العلمية وإمكانياتهم الذاتية، وقد يفتقد بعضهم حتى الوعي والثقافة الذاتية والخبرة المتمكنة التي لا تجود له الحياة بها.
✍ متى يعي القائمون على آمر هذه البلاد أن المسؤولية هي مسؤولية أمام الله قبل أن تكون توصيات حزبية وطاعة لولاة الأمر، ومتى يعلم من يأخذون حقوق غيرهم في التعيينات والمناصب أنهم بهذا يأخذون أموالا لتربية أبنائهم تحوم حولها الشبهات، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.
✍ هل تعلم يا من أخذت فرصة كان أولى بها غيرك، هل تعلم الكم الهائل من الانتقادات والاتهامات التي ستطالك، ودعوات المظلوم الذي انتزعت حقاً كان سيأخذه بكل جدارة وأهلية لولا حزبيتك التي انتزعته منه..? هل تعلم أن عدالة الله عزوجل ستطولك، وأنك ستخسر جميع هذه المخصصات الوظيفية التي آلت إليك دون حق، وقد تكون عدالة الله عزوجل قاصمة لك..
✍ أخيرا يقول تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا (36)-سورة الإسراء.
✍ علي بابا
4-9-201م
[email][email protected][/email]