المدارس الحكومية والخاصة والأجنبية.. أزمة اختيار.. إمكانيات مادية

الخرطوم – زهرة عكاشة كلنا يفضل أن يتلقى أبناؤه تعليماً جيداً النوعية، وفي بيئة مدرسية تحترم آدمية أولئك الأطفال، لكن مع انفراط عقد المدارس الحكومية التي كان يحلم كل طالب الانضمام إلى صفوفها بعد ارتداء زيها الذي يميز مرحلة عن الأخرى، باتت طاردة ولا تضم سوى ضعاف المستوى. هرب الطلاب ومن خلفهم أولياء أمورهم باحثين عن أفضل المدارس التي تهيء أبناءهم للمستقبل، فوجدوا المدارس الخاصة فاتحة أبوابها على مصاريعها، وأفرغت الأسر جيوبها حتى صار منهج الجميع، لكن في الآونة الأخيرة ظهرت أيضاً المدارس الأجنبية وبات التنافس محتدماً، سيما بعد أن أصبحت ثقافة ومنحى يتجه إليه الكل، فهل هذا المنحى سيء أم جيد، وجاهة ومظهر اجتماعي أم طريق للبحث عن تعليم مستقبلي؟ معاناة ونقص يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ علم الاقتصاد بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا د.عبدالعظيم المهل، “الحقيقة الأولى أن الدولة تتبع نظام التحرير الاقتصادي، وهو منهج رأس مالي اتخذته بعد أن رفعت يدها من النظام التعليمي والصحي”. وأضاف موضحاً: ميزانيات المدارس الحكومية ضعيفة للغاية، ولا تكفي الأساسيات في ظل عالم متقدم ومتطور تكنولوجياً يوماً تلو الآخر، ما أدى إلى عدم مواكبته للتطورات التقنية والعلمية المختلفة، وصار التعليم الحكومي لا يفي احتياجات أولياء الأمور والطلاب، لأنه لا يجد دعم فأصبحت تعاني من مشكلة الإجلاس والأستاذ المؤهل ونقص المعامل والقاعات والفصول غير المهيأة، ناهيك عن التبريد والتطوير حتى هرب الطالب وولي أمره من هذه المدارس إلى المدارس الخاصة. وأشار د. عبدالعظيم إلى أن هناك أسباباً دافعة وأخرى جاذبة. وقال: “الدافعة، ضعف ميزانيات المدارس الحكومية، أضف إلى ذلك طلب المزيد من الرسوم، بينما تعلن وزارة التربية والتعليم مجانية التعليم مع بداية كل عام، وفي ذات الوقت تفرض رسوماً على طلابها، التي تتخطى الـ (3) آلاف جنيه مع نهاية العام بعد عدم إيفاء وزارتي المالية والتربية والتعليم تمويل الاحتياجات الأساسية للمدرسة. أما الجاذبة، قال: “رغم أن المدارس الخاصة أنواع ومشارب، إلا أن هناك مدارس خاصة لا تختلف عن الحكومية في ما يخص البيئة المدرسية والتعليم، لكنها يمكن أن تكون أفضل منها بقليل”. وفي المقابل أضاف د. المهل أن هناك مدارس خاصة استطاعت الاستثمار في هذا المجال بصورة علمية وجاذبة وهناك أولياء أمور يدفعون (17) الف دولار رسوماً دراسية، ما يعادل (240) ألف جنيه في السنة، وهو متأكد تماماً أنه سيجد خدمة تعلمية يرتضيها لابنه، وهناك من يدفع (400) أو (500) جنيه في العام الدارسي، وهي أقل مما يدفعه الطالب رسوماً في المدارس الحكومية. عبء ثقيل وبالنسبة لدكتور عبدالعظيم أن الرسوم الدراسية باتت عبئاً ثقيلاً على أولياء الأمور. وقال: “مع بداية كل عام دراسي ترتفع نسبة الجنون وسط أولياء الأمور، وذلك لعدم مقدرتهم على تدبير المصروفات الدراسية لأبنائهم، بالإضافة إلى عدم تقديم الدولة لتعليم مُرضٍ يفي احتياجات المواطن السوداني العادي ما رفع ميزانية المدارس الخاصة التي لا تستطيع دفع أقساطها في كثير من الأحيان. وتابع: لا أجد مبرراً واحداً يجعل ميزانية المدارس الحكومية ضعيفة، ولاسيما أن التعليم الخاص بات يستوعب (70%) من القوى التعليمية للطلاب، وبالتالي تحمل العبء عنها، فلماذا لا توفر ميزانيات كافية لـ (30%) المتبقية حتى تجذب الطلاب مرة أخرى لمقاعدها، وإصرار ولي الأمر وحرصه على تعليم ابنه بات من الضروريات وهذا توجيه مهم. بدائل فضلى تؤكد الباحثة الاجتماعية د. إحسان عبدالرحمن على ما حدث من تدهور في التعليم الإساسي الحكومي، وقالت: “منذ ذاك بدأ الناس يبحثون عن بدائل فضلى، فظهرت المدارس الخاصة وخاصة الخاصة (الأجنبية)، وهنا أصبح اختيار الأسر وفقاً للوجاهات والمظهر الاجتماعي بالإضافة إلى أنها تحس بمسؤوليتها تجاه تعليم أبنائهم”. وأضافت: غير أن هناك أسراً تضطرها ظروف عملها إلى اختيار المدارس الأجنبية. وقالت: “إن الغالبية العظمى من الشعب السوداني تدرس في المدارس الحكومية، لذلك لابد من إصلاح التعليم العام، المقتدرين مالياً هم الذين يدخلون أبناءهم مدارس خاصة ذات جودة عالية وأساتذة وبرامج مختلفة حتى بات التنافس محتدماً بين الخاصة والأجنبية، وغير ذلك تصبح وجاهة لا غير”. نصحت د. إحسان وزارة التربية والتعليم بالتحرك وتطوير مناهجها حتى تواكب التطور السريع الذي يحدث في العالم، وتقليل نسبة الأطفال في الصفوف الدراسية بالمدارس الحكومية حتى يجدوا المتابعة الجيدة سيما في تعليم مرحلة الأساس، لأنه يساهم في تطوير الأساس، ويعد التعليم استثمار للموارد البشرية، وهناك الكثير من الموارد المهدرة. مظهر اجتماعي ومن جهته، أكد الباحث النفسي د. خليفة محمد إبراهيم على أن الأمر برمته لا يعدو كونه مظهراً اجتماعياً، ولا يمت للعملية التعليمية بصلة. وقال مبرراً: “تعج المدارس الخاصة ببيئة غير صالحة للتعليم مقارنة مع المدارس الحكومية التي تتمتع بساحات داخلية تمكن الطلاب من اللهو والاستمتاع”، وأردف: الاقتداء بالآخرين هو ما يدفع أولياء الأمور وتوجههم إلى المدارس الخاصة لاعتقادهم الجازم بأنهم سيحرزون فيها درجات عالية، رغم أن بيئتها المدرسية ضيقة وتخلو من التهوية وساحات الترويح، غير أن القائمين على أمر العملية التعليمية غير مؤهلين. وأردف: “ما زاد الطين بلة” دمج مرحلة الأساس بالمتوسطة، وتجد طفل الخمس سنوات مع الرابع عشرة في مدرسة واحدة ما زاد الهم. وبالرغم من أن هناك قصوراً في الأستاذة زيادة في عدد طلاب الفصل الواحد، إلا أن المدارس الحكومية تظل الأفضل. إحياء مدارس الحي أشار الخبير التربوي النذير أحمد إلى أن الأمهات يفضلنّ انضمام أبنائهنّ لمدارس ذات تحصيل عالٍ، وتعد أيضاً مظهراً اجتماعياً أكثر من كونها منفعة للطفل. وقال: “الملاحظ في الفترة الأخيرة اتجاه أولياء الأمور للمدارس النموذجية، وبالرغم من أنها مدارس حكومية لكن ما يجده الطلاب من اهتمام ورعاية يدفع أولياء الأمور من تسديد رسومها الدراسية التي وصلت لـ (5) أو (7) آلاف جنيه دون تردد”. وأضاف: “ضعف المدارس الحكومية جعل أولياء الأمور يضربون بالمسافة وبعد المدارس عن السكن عرض الحائط، ويرجحون كفة المدرسة ذات الكفاءة والتحصيل العالي وآخرون يعدونها مظهراً وتباهياً اجتماعياً. ولفت إلى أن هناك مدارس أحرزت نجاح (100%)، لكن نسبة تحصيلها ضعيف. وطالب النذير أولياء الأمور أحياء مدارس الحي، وبدلاً من دفع مبالغ طائلة في مدارس خاصة وبعيدة لماذا تحول إلى مدارس الحي، وبذلك نكون أحييناها وساهمنا في تطويرها وبات أبناؤنا آمنين وننهي مشاكل الترحيل ورسومها الإضافية إلى الأبد

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. أنتم تحسنون بيئة الطالب الأولية من الأساس وحتي الثانوي وعندما يذهب الجامعة يقابل السواطير والكلاشنكوف والسكاكين والسيخ القديم .. فكيف تصلح بيئة المحصلة النهائية والتي يعتمدعليها في بناء الأمة بعد الله تعالي . فيجب أن يكون الإهتمام من الدولة علي شعب دولتها ليست على شعب حزبها الذي استأثر علي مال الدولة كلها وسخره لناسه ومريديه . فبناء الدول ! تبنى الدول ببنيها ولابد من تربية الأجيال تربية صحيحة وسليمة وهذا لايتأتى إلا إذا كانت الدولة راشدة ولديها الغيرة على الوطن .. وجميعنا نعلم أن فاقد الشئ لايعطيه .. ونقصد أن إهمامات الدولة لحزب يفكر في النقود والثراء الحرام والدولة تساعد بل تشجع على ذلك فكيف ستقيم عقلا أن تبني أمة وتبني وطن .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..