مقالات وآراء سياسية

السياسة والأدب

حسن عباس النور

 

يتذكر من عاش ما يعرف بالزمن الجميل ومن سمع عنه أو قرأ عنه ما تميز به  سلوك السياسيين في ذلك الزمن مثل نصر الدين السيد ضابط مجلس بلدي بحري الذي تولى مهمة توزيع أراضي مواطني بحري وكان في إمكانه الحصول على قطعة ارض  لكنه عف عند المغنم ٠

وبعدها استقال من الوظيفة و انتمى للحزب الوطني الاتحادي بزعامة الأزهري  ترشح وفاز في الانتخابات  وتولى الوزارة عرف باستقامته وبعده عن استغلال المنصب لمصالحه الشخصية  فحين توفي كان يسكن منزل إيجار  نفس الشئ ينطبق على الازهري الذي كان مدينا للحاج مضوي محمد احمد وهناك شيك يوثق ذلك رحمهم الله جميعا وغفر لهم وجزاهم على ما قدموا لوطنهم فقد كانوا قدوة حسنة لمن اتى بعدهم في تولي العمل العام  ٠

هذه أمثلة من ضمن كثيرا غيرها تدل على على احترام المال العام والابتعاد عن الشبهات وعدم التربح من المنصب ٠

وكانت للأحزاب آنذاك ليالي سياسية لتقديم برامجهم ومحاولة تفنيد طرح الأحزاب الاخرى وقد يشتط البعض أحيانا , لكن ذلك لم يمنع تواجدهم في المناسبات الاجتماعية والأخوية سوية  لا تجد بينهم اي  اساءة او تجريح او التعرض لأي أمور شخصية مستهجنة او انتهاكات لخصوصيات الناس ولا لحرماتهم٠

ظل هذا ديدن السياسيين آنذاك, مراعاة حسن الخلق والتأدب مع المختلفين ٠

حتى في عهد حكم نميري هناك أمثلة حين انهارت بيارة السوكي كان وزير الري المسؤول مهندس مرتضى احمد ابراهيم نشر الصحفي بقادي مقال في صحيفة الأيام يوضح ما اعتبر أخطاء في التنفيذ من جانب الوزارة أدت الى انهيار بيارة السوكي فتضايق الوزير من ما تضمنه المقال من أخطاء فنية منسوبه للوزارة ولأهمية  المشروع أن ذلك باعتباره انجازا مهما للوزير ولحكومة مايو فطلب الوزير من الرئيس نميري ايقاف الصحفي واتخاذ إجراء بحقه تقول الرواية ان نميري وجه الوزير  بالرد بمقال على الصحفي بقادي يفند الاتهامات الموجهة للوزارة وفعلا رد الوزير بمقالات عنوانها تنهار  بيارة السوكي وتبقي الحقيقة! .                                                                                                يذكر هذا الموقف من عاصر ذلك الزمن , كان رد الوزير علميا محترما كما كان مقال الصحفي بقادي هذا درس في إدارة الاختلاف  عدم الشخصنة , وإلتزام الموضوعية.                                                                                                        درس آخر من عهد نميري احتفلت مدرسة حنتوب الثانوية بيوبيل حضر خريجيها وقد احتلوا مراكز ومناصب عالية منهم نميري نفسه الذي كان من ضمن الخريجين شأنه شأن محمد ابراهيم نقد  الذي أراد أن يشارك في الاحتفال وكان ايامها متخفيا من الأمن سمح له  الرئيس نميري بالمشاركة  لحضور المناسبة حضر نقد بوجود نميري وشارك في مباراة كرة قدم وقبل نهاية الاحتفال عاد لمكان اختبائه سالما.                                                                        هذا غيض من فيض الا ان الحال للاسف  تغير قبيل يونيو ٨٩ وتلاها فأصبح الاغتيال المعنوي والتجريح وانتهاك الحرمات والكذب وغيرها من الاثام مما لا يقره دين ولا عرف هي السائد في الحياة السياسية وفي الإعلام وفي الإذاعة والتلفزيون , بل وصل الأمر إلى قطع أرزاق المختلفين وتشريدهم وتعذيبهم بل قتلهم بدم بارد ٠

وبعد جريان مياه كثيرة تحت الجسر من تلك الفترة الكالحة من تاريخ السودان لكن للأسف الشديد مازالت هذه التجارة البائرة منتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مزري لدى الكثيرين من مغيبي الوعي والسائرين نياما٠

لكن هيهات فلا يمكنك أن تطفئ ضوء الشمس بغربال ٠

فلكل ليل آخر إذا الشعب يوما اراد الحياة٠

 

تعليق واحد

  1. لم يكن ماضيا ورديا استاذ حسن بل هو نفس العقلية السودانية المدمرة وانظل لثنايا هذا المقتا لتضح لك الصورة كاملة وخقيقة بهض المسئوليين كهذا المنصور خالد وهو اول النخب التى ادمنت الفشل
    وقبل مواصلة سفري إلى الخرطوم توقفت عند مكتبة المدينة (الفجر) وكان صاحبها صديقاَ لي لأتزود ببعض الصحف. وهالني أن وجدت في المكتبة مجموعة كبيرة من الناس يناقشون قضية انهيار بيارة السوكي. وقد لفت نظري أن الذين اشتركوا في النقاش كانوا خليطاَ من الناس. وكان بينهم بعض المزارعين عرفتهم بسحناتهم الواضحة وملابسهم المميزة. وسمعت واحداَ منهم، وكان كهلاَ، يقول بلغة الفلاحين السودانيين الدارجة ( هو في زول عاقل بيحفر جنب البحر وهو دميرة). ورغم أن تعليق المزارع السوداني الكهل أثار انتباهي، ولكنني لم افهم منه الكثير.
    وفي الخرطوم وجدت الصحف السودانية تزخر بالمواد الخاصة ببيارة السوكي المنهارة. وأثار انتباهي مما قرأت من أخبار إصرار السيد وزير الري على المضي قدماَ لحفر “بيارة ثانية” حتى لا يضيع الموسم الزراعي. وأكد الوزير أن البيارة انهارت” لأسباب فنية” ، وكانت خسائر انهيارها طفيفة لا تتعدى غرق بضع مضخات ومعدات هندسية، وأنه لم تكن هناك خسائر في أرواح أي من الذين كانوا يعملون في الحقل. ولما كان الوقت لا يزال خريفَا (فصل أمطار)، وكان نهر النيل الأزرق الذي تحفر البيارة بجانبه، في موسم فيضانه، فقد استرجعت ما قاله المزارع السوداني الكهل عن زمن الفيضان والحفر بجانب النهر. وطرأ لي أن اتصل ببعض الأصدقاء من الخبراء في مسائل الهندسة والحفريات والري لأزيد معلوماتي وأفهم ما يكتب عن بيارة السوكي. وتذكرت زميل دراستي، المرحوم حامد إبراهيم حامد ، وكان عميداَ لكلية الهندسة، وقررت الاتصال به والاستزادة منه فيما يتعلق بقضايا ” البيارات والأنهار والأنهيارات”.
    وزير الري في حالة هيجان
    وبالفعل، وبعد لقاء قصير مع الدكتور حامد في مكتبه بكلية الهندسة في الخرطوم، وجدته متابعاَ لأخبار انهيار بيارة السوكي. وبعد أن اطلعته على ماكتبه صديقي مهندس الري على مظروف خطاب البريد الجوي حول أسباب انهيار البيارة، زودني بزخيرة هائلة من المعلومات حول ” النز” المائي .(Water seepage) وأكد لي أن خطر انهيار البيارة الثاني، إذا ما حفرت في ذلك الوقت، لا يزال قائماَ وماثلاَ. وبدون أدنى تردد كتبت موضوعاَ صغيراَ على عمود من أعمدة الصحف ولم يتجاوز طوله نصف عمود. وبإيجاز شديد، واستناداَ إلى المعلومات التي تلقيتها من الدكتور حامد وصديقي مهندس الري، وما استمعت إليه من وجهات نظر في مكتبة الفجر بواد مدني، قلت ما معناه ” على السيد وزير الري توخي الحذر وعدم التعجل في حفر بيارة السوكي الثانية، وكان الموضوع تحت عنوان” حتى لا تنهار بيارة السوكي الثانية”. ونشرت صحيفة الأيام ما كتبت عن البيارة. وما كانت صحيفة الأيام تدري أية عاصفة أثارت بتلك الكلمات القليلة التي نشرتها. فقد اتصل السيد الوزير هاتفياَ بعد صدور الصحيفة وشن حملة شعواء ضد كاتب مقال” حتى لا تسقط بيارة السوكي الثانية” وقال إن الكاتب ومجموعة من الوزراء- لم يسمهم يحيكون ضده مؤامرة. وبعد أن هدد بالثبور والويل قال إنه سيرد على ما ورد في الكلمة القصيرة التي نشرتها الصحيفة عن البيارة. وعلمت فيما بعد أنه اتصل بالسيد الرئيس الراحل نميري وطالب باعتقالي، ولكن كان الرد العاقل هو ” أكتب ورد على ما ورد”. وبالفعل، وتحت عنوان صارخ قال: فلتنهار بيارة السوكي الأولى والثانية ولتبقى الحقيقة فهي افيد لشعبنا .
    ودبج السيد وزير الري سبع مقالات نشرت على سبعة أيام متتالية، وكان آخرها مقال خصص للهجوم على شخصي الضعيف. وكان هجوماَ شخصياَ تحدث عن ذاتي وصفاتي وتاريخي، ولم يتناول كلمة واحدة مما اوردته من حقائق علمية حول البيارات وحفرها في زمن(دميرة البحر.)
    وللحقيقة والتاريخ فإنني لم أكن اعرف السيد مرتضى ابراهيم «وزير الري آنذاك» معرفة شخصية، رغم معرفتي ببعض أفراد أسرته وكانت تربطني بهم علاقات عادية أحياناً وودية أحياناَ أخرى.
    ولم يكتف السيد الوزير بالهجوم الكاسح الذي شنه ضدي، بل كتب، ومعه وزيران هما وزير الإعلام في ذلك الوقت، المرحوم السيد عمر حاج موسى، ووزير الخارجية آنذاك السيد منصور خالد، وحرر ثلاثتهم خطاباَ رسمياَ أرسل إلى أدارة إعلام الأمم المتحدة في نيويورك وطلبوا منها فصلي من وظيفتي، وكنت مساعداَ لمدير مركز الأمم المتحدة في السودان. وقد وصل إلى الخرطوم بعد تلك الشكوى، الدكتور صبحي الدجاني، مدير إعلام الأمم المتحدة في نيويورك للتحقيق فيما وجه إلى من اتهام في الخطاب الوزاري الثلاثي الذي أرسل من السودان.
    ومن المعروف أن قوانين الأمم المتحدة لا تسمح لموظفيها بالا نغماس في السياسة الداخلية للدول الأعضاء. وبكل الصدق فقد كنت أجهل تلك الحقيقة. ومن ناحية أخرى، فلا يمكن اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد أي من موظفي الامم المتحدة إلا بعد إطلاعه على ما يوجه ضده . وانكشف للجميع أن ثلاثة وزراء سودانيين طلبوا إقالة بقادي من وظيفته في الأمم المتحدة،
    بسبب كلمات حقيقية قليلة كتبها عن انهيار بيارة السوكي
    وقعت كل تلك الأحداث في أواخر عام 1970م. وإلى الشارع عدت بعد أن فقدت وظيفتي المتواضعة، ولكن لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحدث فيها لي ذلك. ومن الشارع أتيت وللشارع عدت.
    وانهارالسيد الوزير قبل انهيار بيارة السوكي الثانية
    من دون الدخول في تفاصيل كثيرة حول أحداث تاريخية قريبة، فإن انقلاب التاسع عشر من يوليو الشيوعي، والذي دبره هاشم العطا مع آخرين للإطاحة بحكومة الرئيس نميري قد فشل بعد ثلاثة أيام من انطلاقه. وما حدث بعد ذلك معروف للجميع. ولكن ما لم يعرف وقتها، إن السيد مرتضى أحمد إبراهيم وزير الري قد فقد وظيفته مع ذلك الانقلاب الذي رشحه لوظيفة وزارية في حال نجاحه. وهكذا طار السيد مرتضى احمد إبراهيم قبل انهيار بيارة السوكي الثانية الذي دعا إليه في واحدة من فورات الغضب.​

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..