امرأة من كردفان قصة واقعية

تبدو وقد تجاوزت الخمسين، وقد تكون دون ذلك بكثر، لكنها لاتدرى كم مضا عليها في كدها وكبدها منذ نعومة أظفارها، والفقراء لا يلتفتون الي الماضي ولا يفكرون في المستقبل لأن حاضرهم تكرار لماضيهم ومستقبلهم تكرار لحاضرهم فهم يتوارثون الفقر ويحملون الحياة عبئا ثقيلا ولا يعيشونها، وفي خضم معاناتهم المتصلة للبقاء علي قيد الحياة يفقدون احساسهم بالزمن وشعورهم بتعاقب الأيام والليالي والشهور والسنين، لكن ذلك لا يعني أنهم لا يتعلقون بالأمال ويحلمون بحياة أفضل وما أتعس العيش لولا فسحة الأمل، لكن الأغنياء الذين يتقلبون في الترف والنعيم لا يحسون أيضا بالزمن.
المرأة الصحراوية بنت الصحراء أنبتتها الصحراء مع عشبها وشجيراتها وحيوانها وهوامها، وحضنتها وطبعتها بطابعها ووسمتها بسماتها، وجبلتها علي العزة والقوة والخشونة والصلابة والعصامية والغموض، وعمرها سر طوته الأيام في متاهات الصحراء وفيافيها المقفرة ودروبها وغورها ونجودها، وهي علي عكس المرأة الحضرية التي تقلبت في طراوة الحياة ولينها والتي يبدو في الثلاثين وقد تجاوزت الخمسين.
لا يعرف متي جاءت تللك المرأة الكردفانية الي أمدرمان، وقد تكون من ضحايا الحرب و والجفاف والتصحر وقد طال عهدها برغاء البعير ونهيق الحمير وصياح الديك وطعام الفريك وليالي القمر ومراتع السمر، وقد تكون أرملة لجندى مات جريحا ووحيدا في أدغال الجنوب ولا يزال في عداد المفقودين وترك لها أطفالا زغب الحواصل لا ماء ولا شجر، ولهذه المرأة كغيرها من الناس مصلحة في الأمن والسلام والاستقرار وليس لها مصلحة في الحرب، وليس للحرب مبررا لولا دعاة الفتن والصراعات وطلاب السلطة والمال والجاه والنفوذ الذين يتاجرون في آلام الناس ومتاعبهم، وهم أعداء الوعي والاستنارة والأمن والاستقرار والحضارة، وحلفاء الجهل والتخلف والظلام وأنصار الفرقة والتشتت والانقسام، وهي تجارة لا تزدهر الا في مناخات الكراهية والبغضاء ولا تروج الا في أزمان المحن والفتن الشعواء وزرع لا ينبت الا في دمن الخوف والبلاء، وكلما رأوا شقا في جدار السلام وسعوا اطاره ودقوا طاره وأشعلوا ناره للصيد في الماء العكر.
الأمومة غريزة طبيعية في الانسان والحيوان لكن المرأة الصحراوية بنت الطبيعة، ترى الأمومة منذ صغرها عند القطاة في جزعها عند الفجيعة في صغارها، وعند الناقة في حنينها الي سقبها واحتباس لبنها في غيابه، وعند القردة في حنوها علي صغيرها وحمله علي ظهرها الي أعالي الأشجار خوفا عليه من النمر عدوها الطبيعي، وعند الكلبة في جسارتها في الدفاع عن جرائها، وعند الدجاجة في رعايتها لصغارها والبعد بهم عن الأماكن المكشوفة خوفا عليها من الطيور الضارية التي تختطف قطعة من اللحم من أيدى الأطفال وتصديها للقطط والأطفال الذين يحاولون العبث بهم، وعند الظبية في البعد عن صغارها خوفا من هجوم قد يستهدفها في نفسها.
الأطفال عدد المرأة الصحراوية وعدتها وقطعة من شبابها وفتوتها تدخرها للمستقبل تكابر بهم الدهر وتعانده وتتحداه، فيهم تعود طفولتها ويتجدد شبابها وتتكر فتوتها عندما يهن العظم وينحني الظهر وتكل الساقان ويرتخي الساعدان، يحمون المضارب من اللصوص الأشقياء والطارقين الدخلاء والذئاب والضباع والوحوش والسباع، يسرحون بالسعية ويرتادون مواقع الماء والكلأ ويسافرون الي البنادر لبيع الخراف والتيوس والأسمان وشراء الشاى والقهوة والطحين،
المرأة الصحراوية كالناقة في قدرتها علي التحمل تحمل أثقالها الي آخر المدى ولا تتوقف الا عند الغاية القصوى، وتعرف تللك المرأة في السوق الشعبي بأمدرمان بالكردفانية ولا يعرف اسمها الحقيقي، ولا هدف لها سوى تعويض أطفالها فقدان الأب والتفاخر والتباهي بهم، ولا تقبل منهم سوى التفوق علي الأقران في المدرسة، ولا تعرف لذاتها ولا لنفسها مطلبا سوى لقيمات من الطعام تسكت بها معدتها وتقويها علي الصمود وصولا الي الغاية التي نذرت لها نفسها وشبابها من أجلها، ولا تعنيها أضواء المدينة ومغرياتها ولا هم لها سوى العمل الشريف والبعد عن السحت الوخيم، لذلك تحظي باحترام جيرانها بامبدة ومديرة المدرسة التي تشجعها وتهتم بأطفالها، والمرأة عندما تفقد زوجها تحاول التفوق علي الرجال واثبات نديتها وقدرتها علي مواجهة المسئولية بدون الرجل، وكثرا ما تكون المرأة أقوى من الرجل عضليا ونفسيا وعقليا والقوة هبة سماوية وليست مكتسبة.
لم تهتم كثيرا عندما قادوها الي محكمة النظام العام وحكموا عليها بثلاثين جلدة، فهي لا تخشي الجلد ولا تهاب السوط لكنها تخاف السجن لأن ذلك يعني تجويع أطفالها وتحطيم أحلامها التي عاشت وعانت في سبيلها، ولا تفهم لماذا يمنعونها من بيع الشاى والقهوة وقد قامت الأسواق للبيع والشراء ولا يستطيع الانسان توفير متطلباته الا بتبادل المنافع، ولا تفهم لماذا تقاسمها الحكومة في رزقها ورزق عيالها مع قلته، لكنها اعتادت علي مواجهة المتاعب والصعوبات وتقبل الواقع والتعامل معه، وتعلم ان الدموع لا تجدى وان المقاومة تقودها الي سجن النساء بامدرمان مع بائعات الهوى والخمور.
تجولت بعينيها المتوقدتين في الحضور من السوقة والدهماء الذين جاءوا يتفرجون وكأنها لا تعرفهم وتحس بوجودهم وهي تعرفهم وتتعامل معهم كما تتعامل الناقة مع كلب ينبح علي جانب الطريق، وتعلم ان الرجال الشرفاء لا يمكنهم الوقوف هكذا يتفرجون علي عذاب امرأة، والمرأة لا تحس بالحياء وينكسر بصرها الا أمام رجل تحترمه، وجاء الجلاد وبدأ يضربها بعنف وكأنه يضمر لها حقدا دفينا لا تعرف له سببا، وقد يكون ذلك تنفيسا ورد فعل لسطوة زوجته وتسلطها واحتقارها له لفشله في معاشرتها أو قطرسة الرؤساء وصلفهم وتعاليهم وتعسفهم في التعامل معه وشعوره بالنقص والذل والهوان، وتلقت السوط تلو السوط عل كتفيها وطهرها ومؤخرتها دون أن تهتز أو تتململ وكأنها لاتحس بوقع السوط علي جسدها النحيل.
تابعت االجلاد حتي ثلاثين جلدة لكنها أحست بثلاثة سياط علي مؤخرتها فالتفتت فاذا بشرطي تناول السوط وأضاف من عندياته ثلاثة سياط فوق حكم المحكمة، فأطبقت بأصابعها حول عنق الشرطي فجحظت عيناه وتدلي لسانه وسقط أرضا فبركت فوقه كما تبرك الناقة، وبعد ملاوات والضرب بالقاشات والركل بالأحذية العسكرية استاطاع رجال الشرطة تخليص عنق الشرطي من بين أصابع المرأة التي وقفت برهة تنظر الي رجال الشرطة باحتقار وغادرت المكان.
[email][email protected][/email]
لا حول ولا قوة إلا بالله،وقد يكون أفراد الشرطة في عمر أبنائها.
روعة للتقديم والتصوير – هؤلاء قوم حَوَش لايفكرون في القيم ولا الثقافات بعرفة مكاوشة القروش والقلع بقوة السلطة ولا يفكرون في الخراب الذي يخلفون! تلك هي مخرجاتهم أتفه ما تكون من أتفه تافهين يتسمون باسم الدين!
استاذنا الجليل ملكت مفاتيح الكلام وصنت العبارات وكانت متعة السرد ولكن بين تلك السطور تتناثر معاناة وطن والتفاته لاوضاع ماساوية ملازمة كالظل لا ارتاحت ولا وجدنا لها مكان لتسكن فيه.ابتلينا باشقياء عملوا على توزيع شؤمهم وهلكوا الحرث والنسل لهم هياكل بشر ونفوس الشر هل نحن هكذا ام هذا امر نشاز وهل لنا من مخرج ام نظل عند هذا الدرك الاسفل .ما يخيفنى ان الارض ارتوت بدماء لاحصر لها وانبتت عشب السؤ والضغينة .نسأل الله ان يلطف بامة لا ذنب لها فيما عمله السفهاء.
لا حول ولا قوة إلا بالله،وقد يكون أفراد الشرطة في عمر أبنائها.
روعة للتقديم والتصوير – هؤلاء قوم حَوَش لايفكرون في القيم ولا الثقافات بعرفة مكاوشة القروش والقلع بقوة السلطة ولا يفكرون في الخراب الذي يخلفون! تلك هي مخرجاتهم أتفه ما تكون من أتفه تافهين يتسمون باسم الدين!
استاذنا الجليل ملكت مفاتيح الكلام وصنت العبارات وكانت متعة السرد ولكن بين تلك السطور تتناثر معاناة وطن والتفاته لاوضاع ماساوية ملازمة كالظل لا ارتاحت ولا وجدنا لها مكان لتسكن فيه.ابتلينا باشقياء عملوا على توزيع شؤمهم وهلكوا الحرث والنسل لهم هياكل بشر ونفوس الشر هل نحن هكذا ام هذا امر نشاز وهل لنا من مخرج ام نظل عند هذا الدرك الاسفل .ما يخيفنى ان الارض ارتوت بدماء لاحصر لها وانبتت عشب السؤ والضغينة .نسأل الله ان يلطف بامة لا ذنب لها فيما عمله السفهاء.