السوسة

ألاحظ من خلال المناقشات وطرح الأفكار والقضايا والتداول حولها في مجموعات “الواتس” أن عدم الموضوعية هو الذي غالباً ما يتسيد النقاش خاصة بين أهل السياسة، وعدم الموضوعية يظهر في الآتي:
أولاً: تجاوز مناقشة الموضوع المطروح، والقفز إلى كاتبه والبحث عن نواياه ومحاكمتها، وإجهاد النفس في البحث عن دوافع الشخص الذي طرح الموضوع وتفسيرها استناداً على قاعدة من الاتهامات التي تفتقر لأبسط دليل.
ثانياً: الجنوح إلى الإساءة الشخصية والتقليل من شأن الذي يختلف معك في الرأي، والهجوم عليه، وتحويل النقاش حول القضية العامة إلى معركة شخصية..
ثالثاً: محاولة صرف الأنظار عن القضية محل النقاش بما يعرف اصطلاحاً بـ”تشتيت الكرة” ولا أدري إن كان الأمر مقصوداً أم هو إيغال في الغوغائية وعدم الموضوعية.
رابعاً: ألاحظ أيضاً الضيق ذرعاً بالرأي الآخر وعدم الاستعداد لمقارعته الحجة بالحجة، وعدم الميل لاستخدام المنطق، وحشد وسائل الإقناع… “النفس الحار” والانفعال هما اللذان يتسيدان النقاش في الغالب، وفي تقديري أن الحالة تحتاج لدراسة نفسية.
خامساً: إظهار التشفي والانتقام والرغبة في “مرمطة” الخصم وإبداء الغل الذي يعجز الغالبية في إخفائه أثناء النقاش..
سادساً: بعض المناقشين يتوهمون أنهم يمتلكون ناصية البيان ويحتكرون الصواب والمعرفة، ويتباهون بذلك وهم يستعرضون “مهاراتهم “المتواضعة التي يظنون أنها بلغت مبلغاً لم يبلغه أحد من العالمين، إمعاناً في تسفيه الآخر واحتقاره.
سابعاً: يبدو من خلال كثير من المعطيات الموضوعية أن هدف البعض هو الهجوم على الخصوم وتعريتهم ونزع أوراق التوت التي تستر عوراتهم، أكثر من الوصول بالنقاش إلى مشتركات تعين في حل المشكلة المطروحة، ونتيجة لذلك يكون المحصول النهائي للنقاش هو مزيد من إيغار الصدور، وإذكاء نيران الخلاف في النفوس، وهنا تبرز قمة عدم الموضوعية التي أشرت إليها..
ثامناً: ألاحظ أن دعاة الديمقراطية هم الأكثر ضيقاً وتبرماً وجنوحاً إلى الإساءات الشخصية، والقفز إلى اتهام النوايا ومحاكمتها أثناء النقاش، وعدم احترام الآخر.
تاسعاً: المكابرة، ومحاولات الانتصار للنفس بأي ثمن هي أيضاً حاصرة بكثافة أثناء النقاش، وكذلك لي عنق الحقائق والمغالطات، وعدم التحلي بالشجاعة والاعتراف بالخطأ، وإن تبين ماثلاً وشاخصاً لكل ذي بصر وبصيرة.
وأجزم أن عدم الموضوعية الذي أشرنا إليه في “9” نقاط ربما على سبيل المثال فقط هي “السوسة” التي ظلت حاضرة في كل حواراتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، وفي طاولات التفاوض، وحلقات النقاش، وفي كل المنابر الحرة، وفي مجموعات الواتس… هذه “السوسة” لن تدع للقوى السياسية والاجتماعية والمجموعات الثقافية “مِنسأة” تتكئ عليها لتجتمع على كلمة سواء ..هذه السوسة ستظل تنخر كل “عود أخضر” يمكن أن يثمر بالحوار الموضوعي والتفاوض الجدي، وستظل تباعد بين كل مكونات الوطن السياسية ومجموعاته الثقافية وإثنياته العرقية، ولن ينصلح الحال إلا بعد التخلص منها وتأسيس كل شيء على “الموضوعية”…
اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة